منال .. جسد تحلق حوله \ روح \ .. !!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

توطئه...

تعرفت عليها حينما كنت أرتعي في أحد رياض الجنه.. أخبرتني أنها \"أم فاطمة\" تقيم حلقات الذكر منذ أكثر من خمسة عشر عاما. و عندما علمت أن اسمهت \"منال\" هالني أن ذلك الصبر قد يتواجد تحت عباءه سوداء تلفها حولها بإتقان.. و أن الألم قد يختفي في أحضان من نحب.. !!

 

(( كغيرها من اللواتي يعدن بعد الطوفان، تعبت منال من التخبط في أزقة الضياع، فعادت من سفن الهوان بعد رحلة دامت أثنان و عشرون خريفا. قررت بعدها أن تخفي محاسنها محاسنها تحت عباءة لا تُري منها إلا عينان يعتليهما طرحة شبه شفافه تمكنها من الرؤية ذهابا و إيابا من حلقات التحفيظ بحيهم الفقير.

هنا فقط.. قررت تلك الروح المحلقه حولها أن تحط رحالها.. فتمن عليها بحميميه.. و تغزر عليها أبواب السعادة. طرق الباب خُطَّاب كثر.. فجمالها الذي وصفت به مع تدينها الذي أجادته روحها الطاهره كانا يدفعان كل من يحلم بالأستقرار أن يقطف من قطافها. لــكن كما هو الحال.. مع الكثير.. واحد فقط هو من يملأ التفكير.. و يحيز بجدارة على الموافقة. شاب لم يتجاوز الثلاثين.. ملتحي، مقصر تعلو جبهته الناصعه آيات الإيمان التي تقول للجميع \"هذا هو الشاب المسلم\". و الروح تتوغل.. و منال توجعها السعادة كما يوجعها الألم فالمسكينه لم تعهد فرحا من قبل.. فكيف و أبواب السعاده تفتح مصاريعها.

و ما هي إلا شهور... و تزف منال عروسا إلى خير شباب الله في أرضه. و تحت سقف واحد.. يوصد الزوج الحنون الباب برفق. كم تمنت منال لو أحسن إغلاقه فهي تخاف من ثقوب الجدران التي قد تسمح للبلايا و الأحزان بالهجوم على فرحة لم تتجاوز الشهرين. و كان ما تخوفت منه تلك الروح البريئه، تحركت صفحات الأيام إلى أن جاء ذلك اليوم الذي دق الباب مجموعة من الجنود الذين عرف عنهم بذائه المعامله و سوء الخلق. و ورائهم سيارة حكوميه من طراز قديم يُجر فيها عادة من حُكم عليه بالسجن المؤبد.

تمسك \"منال\" يديه بشدة \"لا تتركني\" تقولها و عينها تملؤها الخوف و القلق.

يطمئنها بدفئه الذي لم تشبع منه بعد \" سأعود\"!!

- لن تعود.. فجارنا مذ ذهب لم يعد.. !!

يذهب ببصره بعيدا كي لا يرى ضعفها المنسكب على راحتيه.. و الخوف في عينيها يزول و يحل محله اليأس مخلوطا بالدموع المنهمرة من أحداق إعتادت اليأس.

هنا.. تحلق الروح قليلا للأعلى.. ومنال تحدق في السيارة الراحله.. تقرأ مستقبلها بعد أن أعطيت \"فهرس \" النهايه.

لم يترك الزوج الراحل منال وحيده.. فهاهي \" فاطمة \" تقبل على حياة أمها لتسد بعض ثقوب الأحزان و تكتمل صورتها الحزينه.

يصر أهلها على طلب الطلاق.. و هي تصر على الثبات و الصبر حتى \"يحكم\" الله في أمرهم.. و في أحسن الأحوال.. تبحث عن معاد الزيارة القادمة.

لم تدرك منال أن حبائل الأمل ستتمزق مع غبار الزمن الذي يزكم الأنوف.. و لم تدر أن السنين لن ترحم تلك التي لم تتعود أن تخرج للطرقات بحثا عن قوت يومها هي و طفلتها التي \"كبرت\".. و الأسى يكبر معهما.

-            لمن تركتني.. ؟؟ تقولها و الدموع تملأ خدودها التي لم يرها زوجها منذ إثنا عشر سنة مضت. فالمكان الذي يقابلون فيه أهليهم مليئ بالأجانب.. و منال ما خالفت شرعا مذ عرفت دربها.

-            \"ما زال أمامك الخيار.. إما الرحيل.. و إما البقاء \"يجيبها و هو أعلم أنها لا تملك خيارا آخر سوى البقاء.

 

تتمتم بشفتين يملؤهما العجز.. \" كم هي الحياة صعبة بدون جدار تستند عليه \"

لم يصغ لها لانه كان مشغول بتقبيل\" فاطمه\" التي صارت في جمال والدتها.

لم تجرؤ منال أن تخبرة أنها متعبه بسبب الإجهاد الذي لا تتحمله أمرأه قط.. و أنها رفضت إجراء عمليه العمود الفقري \"الغير ناجحه غالبا\" كي تتمكن من إعاله صغيرتهما.. إلا أنه كان يقرأ ذلك في شرودها حيث الأفق ينشر جناحه.

أما تلك الروح فقد قررت أن تطوف بالقرب منها.. و لم تجرؤ أن تحط رحالها فتبتعد بفلكها يوما بعد يوم.

و على الهاتف يحدثها زوجها أنه في أحد المستشفيات المجاورة لأجراء عمليه في ساقه اليمنى التي ما عادت تتحمل ال\"عكاز\" جراء التعذيب الذي يقاسيه هو و من على شاكلته.

تقاوم\" منال\" الصدمة.. كي لا تغادر تلك الروح الطاهره. و تمضي لياليها في مداواة زوجها، حبيبها الأول.. آسرها. و عندما أوشك على التعافي جاء الصبر بالفرج.

((تعلن الروح مغادرتها ذلك الجسد الذي لم يذق للراحة طعما. )).

تنتقل فاطمة إلى العيش لدى جديها..و الزوج يغادر المشفى إلى زنزانته.فماعادت الحياة عنده تساوي أكثر من:عكاز:

و يدفن الروح.. و تحلق الحسد.. !!!!))

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply