إن بين الفرح والترح والحزن والغم خيطا من شعاع يتقلب به المرء في صفحات الحياة وكأن الحياة دمعة وابتسامة.
دمعة تطهر القلب من أدران المثالب ورزايا النوائب وتفهمه أسرار الكون وما فيه من الأرزاء والمصائب.
وابتسامة تثلج القلب بشمائل المحاسن ومناقب الفضائل وتجعل الحياة حديقة في عالم من الخمائل
وكل شيء في الكون دمعة وابتسامة حتى أوراق الورد في الزهرة. فالزهرة تضم أوراقها في المساء لتنام وهي تعانق شوقها وتخفي أريجها، وفي الصباح تفتح شفتيها لاقتبال قبلة الشمس وتتنهد تنهدات المشتاق وكأنها قد نسيت ظلمة الأمس
فحياة الورد في شوق ووصال وفي دمعة وابتسامة كما حياة قطرة الماء حين تسقط باكية فوق الهضاب وتنضم إلى الجداول بعد أن خرجت من البحار فرحة وعانقت نسيمات الهواء وسارت في الفضاء، شأنها شأن الغيوم لقاء وفراق ودمعة وابتسامة وضياء وهباء
والعاطفة كذلك فرح وترح صدق وكذب والحب الم ونغم، الم عند الفراق ونغم عند اللقاء.
والمرأة ذلك الضلع الناعم سلاح ذو حدين إن قسى جانب لان آخر فالمرأة نار وماء لأنها نار في مرتقى الخصماء الألداء وماء في ملتقى الأحباب بل هي نار إن وقدته بحطب أحرقته وإن وقدته بعبير فاح عطرا وأريجا.
ولكن ألا يستطيع المرء أن يحول لحظات الترح إلى فرح والغم إلى سعادة
كما قال صاحب الأثر فيما روي من الخبر.
ألم تر أني كلما زرت زينبا *** وجدت بها طيبا وان لم تطيب
ومثله قول الآخر:
درة كيفما أديرت أضاءت *** ومشم من حيثما شم فاحا
نعم يستطيع المرء أن يبعد الكلالة والجلالة والهم والغم إذا فتح قلبه وتحدث بمكنونه وأفضى بمخزونه ولم يبق في قلبه دغل وداس على الأرق.
تذكرت هذه الكلمات في ليلة دمعت فيها مقلتاي وذرفت بها عيناي شوقا لريم غمرة وشجرة الدر في الكنانة فما كان علي إلا أن أغمض العينين فرأيت من اكتوى قلبه الهيام يخاطب ريمه المستهام يردد الكلمات تلو الكلمات
لعلها تتنزل على قلبه كتنزل المطر من الغمام.
أغالب فيك الشوق والشوق أغلب *** وأعجب من حبك والوجد فيه أعجب
كان يجلس على أريكته ينظر إلى البدر ويلحظ شعاعه المتسلل عبر نافذته وقد توشح صورتها ورسم حكايتها بأحرف نورانية.
فخاطبه قائلا:
أيا هاتفا من غمرة أهلا ومرحبا *** بقيت على الايام ما هبت الصبا
لعمري ما الحياة بدونك رونقا حبا *** ينمو صبا في هواك معذبا
وقتي أسير الوجد نهب صبابة *** وأمسي على جمرة الغضا متقلبا
فكم من زفرة من آه قد زفرتها *** على بعد قربك وقلبي مذوبا
وكم لوعة قاسيت يوم غبت *** ألاحظ منك البدر حين تغيبا
كان لا يطيق بعد المكان ولا يصبر على شعلة قلبه المستهام فلا يسليه إلا قوله:
وأصبح حسن الصبر عني ظاعنا *** وحدد نحوي الموت نابا ومخلبا
كان لا يطيق أن يرى شمعة تذوي ولا عبرة تذرف وتهوي ولا يتألق لصوت به هم يكوي وإنما لا ينشرح إلا إذا رأى تبسم الشمس في فلق الإصباح وتألق البدر بين النجوم الملاح.
فأقسم لو أبصرت طرفك باكيا *** لشاهدت دمعا بالدماء مخضبا
فداك روحي يا ابنة غمرة وأكرم *** ويا من فؤادي غير حبها قد أبى
أو ليست النجوم زينة الكون والبدر زينة الوجود والقلب زينة المرء المصبوب
نعم إن النجوم كثيرة ولكن منها المشع ومنها المقذع كما أن السحاب تطوي السماء إلا أن منها مزن تمطر ومنها مزن تتكدر فلا مطر منها ينهمر كما أن الفتيات مد البصر وعد الشعر إلا أن منهن ذوات الدلال والجمال دون ضياء وسناء ومنهن ذوات الدلال والجمال والعلم والأدب ولكل قدر في كتاب مقدر عند مليك مقتدر
سقى الوجد مني أخلاف مزنة *** تحاكي دموعي صوبها وانحدارها
فلي منها قلب شجاني اشتياقه *** ومهجة نفس ما أمل ادكارها
فيا شجرة الدر ويا درة غمرة كيف لي أن أصبر صبر أيوب
يا من رمى النار في فؤادي *** وأناطت العين بكاء أشجاني
أنت زينة المسرة في فلبي*** وفي ثناياك برء وشفاء دائي
أعجب لحبك في قلبي الملهما *** أنت الدمعة والبسمة وحياتي
أأنطق فيك هجرا بعد علمي *** بأنك زينة القلب ومبتغى أحلامي
وفتح عينيه في ليلة الامتحان على شدو طير ومطر مزنة وشعاع بدر وتغريد هزار وغرد الطيران في بين الغمام
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد