أين المنافقون؟!
في إحدى محافل التعليم (الرسمي)، وفي إحدى حصص التاريخ، كانت الحصة \" مراجعة لما تم شرحه في الحملات الصليبية والغزو التتري لبلاد الشرق الأوسط \".
استغرق المدرس في الشرح... كيف سقطت (بغداد)، عاصمة الخلافة الإسلامية في حينها، وكيف قتل الخليفة هذه القتلة الذليلة المهينة، وكيف كانت مدن السواحل وخاصة في الشام تتواطأ مع الصلبيين.
مَالَ حمزةُ على عليّ يحدثه.
حمزّة: أعلي! أين المنافقون؟
علي: لا أفهم. ماذا تريد؟
حمزة: كان التتار على باب الدولة الإسلامية لا يحلمون بالأكثر من الصلح، ثم بفعل بن العلقمي كان ما كان، وفي بلاد الشام تواطأ كثير مع عباد الصلبان و كان ما كان، أليس هؤلاء هم المنافقون؟ أحفاد بن سلول؟ أليست الفعال هي ذات الفعال؟.
سمع المدرس الصوت، فعلى صوته واشتد.. يريد منهم السكوت.
سكتا... ثم مال حمزّة على علي ثانية يحدثه.
حمّزة: أعلي ولم الشرق الأوسط؟ أتدري؟ لم لا يقولون بلاد الإسلام؟
علي: لم يا حمزة؟ حدثني.
قسموا العالم جغرافيا حتى لا يتقسم دينيا، فأوروبا وأمريكا، وأسيا وأفريقيا، وبلاد الحوض وبلاد القرن. وقسموها عرقيا حتى لا تتقسم دينيا، فبلاد الهند وبلاد الصين، وبلاد العرب، وبلاد الترك. حتى يقال عرب وهنود، عرب وأتراك، ولا يقال: مسلمون ووثنيون... مسلمون وصليبيون.
ويا علي نسينا، وما نسوا.
علي: نسينا وما نسوا؟!
حمزة: إيــــــه.. نسينا وما نسوا.
سكت المدرس، ونظر إليهما واحتد، وعلى صوته واشتد: قفا فيم تتكلمان؟
حمزّة: سيدي! افتقدت شيئا فسألت عنه. أين هم المنافقون؟
المدرس: كانوا، وما عادوا. ماتوا بموت بن سلول!!
حمزّة: سيدي وبن العلقمي وأهل الثغور.. أليسوا منافقون؟
المدرس: لا تذهب بفكرك بعيدا.. تواطؤ من اجل دنيا ولم يريدوا هدم الإسلام. هذه قضية أخرى لم تخطر لهم ببال.
حمزّة: سيدي ولماذا الشرق الأوسط وليس بلاد الإسلام؟
غضب المدرس وانتفخت أوداجه وعلى صوته واشتد وقال:
: أعلىَ كل شيء تكثر الكلام؟!.. تعترض على مناهج وضعها أساتذة كرام؟!
اخرجا ليس لكما ها هنا مقام.
خرجا وفي الطريق عاد الحديث.
علي: حمزّة! حدثتني أن نسينا وما نسوا. كيف أبا عمارة؟
حمزة: وقد خرجنا، هذا حديث أبي إن شئت أتيناه يحدثنا؟
علي: عمّاه! أين المنافقون؟ زعم مدرسنا أنهم كانوا واليوم بادوا. رحلوا يوم رحل ابن سلول..
الأب: أقال: بادوا.. رحلوا وما عادوا؟!!
علي: قال: بادوا.. رحلوا وما عادوا.
أخذ الأب نفسا طويلا.. عميقا ثم قال.
الأب: جاء ذكر النفاق بالآهات والحسر.. من ذكرهم اشتد حرّ قلبي كأن به سقر.
لا يبني. الجولة الآن للمنافقين.
هم مَن باعوا القدس في سوق السلام.. مَن طافوا بــ (البيت الأبيض) يرجون استرحام، مَن سعوا في رضا عباد الصليب المجرمين.. مَن سكتوا على جرائم شارون اللعين.. مَن تخاذلوا دون نصرة المستضعفين.. مَن رضوا بضياع القدس وكشمير وأرض فلسطين.. مَن تركوا ساحات الوغى و استأسدوا على الموحدين. من خانوا وهانوا وأبدوا للأعادي اللينا.. من أضاعوا شعوبهم فلم يبقوا دنيا ولا دينا.. من هبّوا بثورة عربية ترمي الدين بالإرهاب، وناصروا كل مجرم لا يأمن بيوم الحساب.
عليّ: فهمّت عمّاه. هم كل من قالوا نحارب الإرهاب.
الأب: هم كل من قالوا نحارب الإرهاب.
ويا بني!.. ولهم أذناب.
علي: حدثني عماه حدثني.
أذنابهم مثلهم. قوم عن درب الهداية تاهوا.. تخذوا الغرب هاديا وخاب من وجدفي الغرب هواه. هم كل (متنوّر) عميت عن شرع الهادي عيناه، من قاموا في أراضينا بدور أعادينا، دعوا إلى الرزايا ونقض عرى الدين. شربوا من حياض القوم وجاؤ عندنا يقيئون قيحا وصديد.
حمزّة: أبتاه هم (الأدباء).. دعاة (التحرر) والسفور؟
الأب: ولهم أعوان.
حمزّة: حدثني أبتاه حدثني.
الأب: أرباب الفلسفة... أهل التفكير في الأصول... من أرادوا هدم الرموز!!.. من قالوا رجال كما كان القوم!!... من طالبوا بالتجديد..
حمزّة: أبتاه! أهم من تسمّوا (مفكرين)؟.. من قال عنهم إخواننا عصرانيين؟
الأب: نعم وهم في النفاق درجات متفاوتون. الأب: ويا أبنائي لا تستحيلو جبناء تبكون الطلل.. إياكما وعيش النفاق.. إياكما وعيش الدجل، دعوا عيش السهول واقصدا عيش الجبل.. اشتدا.. انتصبا فالخطب جلل، ولا تخافا الموت فلكل نفس أجل.
ها هي الحرب رغم أنفنا تدور.. ما عاد ينفع التهالك والثبور.. ما عاد من نشكو له مآسينا؟ ومن يُصغي لشكوانا ويُجدينا؟
(قطيعٌ نحنُ.. والجزار راعينا، ومنفيون نمشي في أراضينا، ونحملُ نعشنا قسرًا... بأيدينا).
ويا أبنائي:
تعدوا الذئاب على من لا كلاب له *** وتتقي صولة المستأسد الحامي
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد