الكفان في جيبي السروال..القميص المفتوح يرفل خلف ظهره مع هبات رياح شتوية بُعيد الغروب.الخطوات هادئة بطيئة.. المواء الحزين للقطط يأتي كخلفية مريعة لسيمفونية تعزفها الرياح المجنونة بارتدادها المتواصل بين جدران بيوت الزقاق الضيق.
بلا مبالاة، منحني الرأس، يخطو بكل عنفوان الانكسار متجاهلا ظلين سدا عليه الطريق.
عبارات سوقية تخرج من فمين بلا أسنان.. نصل حاد على العنق ويد تقلب بجنون مرعوب ما في الجيبين.
قطع نقدية قليلة وهمهمة ضيق تنفلت من أحد الظلين، وعزم على البحث عن ضحية أخرى.
- لحظة... !!
يقولها بهدوء ساخر، ويعيد كفيه للجيبين، متابعا بصوت باك:
- ثمة ورقة نقدية في الجيب الخلفي.. لست أحتاجها!! إنها كهذه الحياة، محض وهم.
يندهش الظلان لهذا الجنون ويعود أحدهما ويعود النصل الحاد مجددا للعنق، واليد المتوترة إلى الجيب الخلفي، ثم صيحة ظافرة وورقة نقدية، وسعادة تغمر الظلين البائسين.
بهدوء يكمل طريقه، سعيدا لسعادة البائسين، خارجا من الزقاق الضيق إلى تقاطع طريقين تمرق السيارات بهما بسرعات مجنونة في ظلام هذا الليل البارد. وعادت لذاكرته تقاطعات صور وذكريات. حاول كل جهده أن يكون شيطانا كما تفرض ردود الفعل لحياة أقسى من القسوة، لكن الفشل قرر أن يكون أبدا له نِعم الرفيق.
ملاك هو رغما عنه.. والحياة لا تحتمل رقته.
يخطو بثقة خارج رصيف الانتظار، وضوء قادم بجنون مصحوب بنفير ينطلق بجنون أكبر. ثبات غريب أمام الكتلة البهيمية المندفعة المتسربلة بظلام ليل بائس. النفير يزداد.. الثقة متواصلة. أطياف صور تمر بذهنه، ثم قفزة تعيده للرصيف.
فشل مجددا.. حتى في الموت فاشل حد الموت. في آخر لحظة يمر خاطر عن السائق البائس.. هو: لو ارتمى أسفل القوة القادمة لارتاح، لكن السائق سيغرق تحت قوانين جنائية لم يسمع بها قبلا.
\"فلتكن نهايتي بيدي\"، قرار ما بعده قرار، وبحث عن جبل للصعود حتى القمة من أجل الارتماء إلى الهاوية، وهو يحمل على كتفيه المتهدلين جبلا فشل في تسلقه.
حاول مرة إلقاء نفسه من نفسه، وإلى الآن ما زال يسير بحثا عن انتحار مرجأ.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد