مقدمة القصيدة:
هذه أول مرة أنشر ما أكتبº إذ لم تكن علاقتي بالقلم حميمة إلى أن عشت قصة حب طويلة مع الأوراق، والكتب، والأقلام، والحاسوب..في أجمل رحلة، بصحبة أروع أنيس..
لقد خالط حبه شغاف قلبي، بل ملك هواه فؤادي، كنت أقضي الساعات الطوال معه دون كلل أو ملل.. لا أطيق فراقه ولو للحظة واحدة.. ! فإن ابتعدت عنه بقيت روحي معلقة به، وإذا غلبني نوم.
فطيفه لا يفارقني حتى أستيقظ فأهرع إلى لقائه.. ! كم أضاء لي من عتمة الليالي، وكم خفف ما ينتابني من آلام وأحزان.. ! فهو مهجتي ومرآة بهجتي.. غصت في بحاره العميقة أستكشف بديع أصدافها، وكرائم دررها، مستمتعة بما أجنيه منها، وما يتكشف لي من باهر جلالها، وبديع جمالها.. حلقت في آفاق رحبة من إلفه البياني، شعرت فيها أنني أرى الحياة لأول مرة.. كيف لا؟ وقد كان أنيسي هو كتاب الله ببلاغته العظيمة وبيانه المعجز.. !
انتابني خوف شديد في بداية المطاف، خاصة عند موضوع المجاز. رحماك ربي! كيف أتعامل معه في كتابك العظيم.. ؟ وإذ بقلمي الوليد يرتعد هيبة الزلل كلما سطر حرفاً، وجدتني أتصنع الشجاعة لأحاكمه على توقفه.. لكنه لا يستجيب، حينها تساءلت: أيتسنى لي مع قصور باعي، وقلة بضاعتي، وحداثة قلمي، أن أنقل إحساسي بجلال ما أمامي؟ ربما كان يراعي محقاً.. ها هو ذا يمر على آيات الله غضة طرية تعمرها صور الإعجاز.. لكن مداده قد جف بيد صاحبتهº إذ لم يكن زاده سوى قطرة من ينبوع البلاغة.. فأنى لكلينا التعبير.. ! أحسست ساعتها أنني يجب أن أتوقفº لإعداد نفسي، أجدد في رفقتي تلك نية صادقة، وعزماً أكيداً.. أجالس ما يؤنس وحشتي، وأرسم نهجاً واضحاً يعالج خطواتي المتعثرةº لأسير قُدماً بثقة وثبات.. ولعل أكبر ما خفف تلك الرهبة مِنَّة المولى ـ جل جلاله ـ عليّ بشيخ همام يشد الأزر، ويوقظ العزيمة، ويضيء الطريق بعلم واسع، وآراء فذة، وكتب مميزة.
توالت الأيام.. ورجعت بما أمكن من زاد لإكمال الرحلة، داعية الله أن يمنحني صدق الفهم والإخلاص في العمل مرددة: {وَقُل رَبِّ أَدخِلنِي مُدخَلَ صِدقٍ, وَأَخرِجنِي مُخرَجَ صِدقٍ, وَاجعَل لِي مِن لَدُنكَ سُلطَاناً نَصِيراً} (الإسراء: 80).. فإذا بآفاق الإعجاز تنفتح، وينابيعه الثرة العذبة تتفجر، مشيعة جو الطمأنينة في أرجاء نفسي المتعطشة إلى النهل من معين البيان..
وها هي ذي خيوط الزمان تنسجº لأجد جذور الحلم قد تنامت في خميلة رائعة، أنعم بوريف أفنانها، وأستمتع بعليل هوائها، وانتشي عبير أزهارها.. نعم لقد اكتمل حلمي وأضحى حقيقة، ولم تلبث فرحتي تتم حتى شعرت بلوعة الفراق، وحنين إلى اللقاء.. وها هو ذا نثار ذكرياته الحبيبة برائع تفاصيلها وأثير مواقفها، ينتضد في سويداء القلب مصوراً أسمى قصة حب.. ! فليت شعري أكان من يتغنى بأيام الصبا والشباب قد عاش هذه المتعة الروحانية السامية؟ إذن لأنهى بحور الشعر وقوافيه قرضاَ وابتكاراً، وأتى على فنون البيان بنثر لا يجارى.
حلم
فزعت للشعر أستجليه ألــــحانا *** فرد معتذراً قــــد حــرت أوزانا
ماذا أقول وأي القول يُسعفني *** الحلم تم، وهاكــــم منــه عنوانا
ألطاف أمن من الرحمن منّ بها *** على التقاة سموا بالخير إخوانا
خافوا إلها عظيما، نعم ما فعلوا *** فيجزل الأجر بالإحسان مـــولانا
ما أعذب الأمن يوم العرض إذ ظهرت *** مخاوف القوم أصــواتا وألــوانا
أمن وخــــوف بألـــفاظ يصرفها *** رب العباد بيانــــا ضــــــاء دنــيانا
هذي أفانين إعجاز قـــد انفــردت *** أوصافها فبدت كالـــعقد مزدانـــا
كم أعجبتني لــــطيفات له كمنت *** أجيل طرفاً يرى كالـــفكر حيرانا
وأستضيء بــــكشاف وأنــــوار *** ونظم در يزيد القــــلب إيـــمانــا
وأستزيد بتــــحرير وحـــــاشية *** وفي الظلال أرى الألفاظ تيجانا
أسائل الشيخ أستحلي لها نكتا *** فأنثني بوشاح الفــــهم عقبـــانا
نهر من الخير عذب لا قرار له *** قد تاه من يبتغي للفـــضل شطآنا
ديان بلغــــه ما يرجــــو مكافأة *** كم جاد علماً ففاض الشعر عرفانا
أسامر البحث أحيا في مــحبته *** وحين أسـري إذا بالـــنوم قد هانا
وحين ينغلق التفكير أشحـــذه *** بالصبر حــــيناً وبالتصمـيم أحيانا
مشاعر القلب كم حارت مذبذبة *** خوفاً وأمناً فـــــكم قاس لهـــــا لانا
أهدئ النفس تسكينا إذا اضطرمت *** خوف التكاسل والتـــقصير نيرانـــا
وأستحث خطا الإنجاز أرقبـــــها *** وقد تنامـــت بذور الـــــحلم أفنانــــا
إيه أيا شعر كم منحت أشــــجانا *** ذكرت مـــنك حبيبـــــاً بيـــــنه حــانا
واليوم ها أنذي أرسو مـودعـــة *** والشوق للملـــتقى لم يــــقو كــتمانا
أعلل النفس بالآمـــال أرقـــبـــها *** رباه يسره لـــي روحـــــاً وريحـــــانا
رباه يسره لـــي بالــــقلب أطـــلبه *** فكم تراءى لعــــيني الروض فـــينانـا
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد