بسم الله الرحمن الرحيم
لا شك بأن التدخين يؤثر على الجهاز العصبي المركزي، وإن كانت تسممات هذا الجهاز نادرة الحدوث إلا في حالات الاعتياد والإدمان.. إن مما يجب أن يذكر الآثار المبهجة أولاً ثم المهدئة ثانياًº والتي تتماشى مع مفعول النيكوتينº حيث تتظاهر حاجة المدخن المبكرة صباحاً للإسراع في تناول السيجارة للحصول على النيكوتين اللازم لإعطائه الإحساس النوعي بأنه في حالة جيدة (أحسن حالاته)º فإذا أعطينا مدخناً دون علمه سيجارات قليلة النيكوتين فإنه سوف يدخن أكثر لتعويض كمية النيكوتين التي نقصت عليه.
وبالتالي سواء أكان المدخن يتعاطى السيجارة أو يدخن الغليون فإن الدخان Fumeeº يحدث لديه ـ دون شك ـ صدمة الدخانº فالدخان الحار (الدخنة الحارة) تؤثر مباشرة على مراكز المستقبلات الحرارية Thermo Receptorº وهي في نفس الوقت تمثل العامل الشال للحاسة الذوقية بتأثيرها في نهايات الأعصاب الذوقية، وفي هذه الأثناء يشعر المدخن الجديد Neophyteº بأول الآثار الثانوية (العرواءات) (التعرق والغثيان)، ويجب أن نضيف بأن هذا الشعور المخرش (فيزيائي كيماوي) يمكن أن يُعَدّ عاملاً قائماً بحد ذاته.. وبالإضافة إلى ذلك من المحتمل أن تدخل بعض المواد الكيماوية إلى الدم في المرحلة الفموية، وهذا ما يضيف فعلاً مركزياً إلى أثر التدخين.
ويضاف إلى الآثار الفيزيائية المظاهر النفسية التي تقلب عادة التدخين إلى عبودية التدخينº فالتدخين ظاهرة اجتماعية نفسية كالأكل والشرب، وهي كذلك قابلة للتبادل خاصة بشكل سيجارة يمكن أن تقدم أو تتبادل وترمز إلى التودد والتحبب الاجتماعي، ومن البديهي أن السيجارة هي أسهل شيء للاستهلاك بسرعة برفقة شخص آخر مهما يكن وضعه وطبيعته، وهناك ملاحظتان تساعدان على تعيين الأثر الأساسي لهذه الظاهرة:
1. المعروف في الحفلات وجود اصطلاحات طقسية.
2. إن التدخين ترفº ولا يوجد مدخن واحد يفترض بأن التدخين ضروري للحياة، وأن تبادل السجاير هو عملية رمزية كتبادل الانجاب.
التدخين سواء كان سيجارة أو غليونا أو غيره له علاقة بالشخصية، ويلفت انتباه الأصدقاء أو الأهلº فالشعور الذي تتركه السيجارة بوضعها بين الشفتين واستنشاقها تعطي نوعاً من النشوة هي للبعض Composanteº من ذكريات عمر الرضاعة، والشعور الثاني هو Oraleº الامتصاص والجذب الفموي.
إن ما يقدم أو يتبادل يبقى ذو قيمة رمزيةº سواء بالنسبة للشخص الذي يقدم أو للشخص الذي يتقبل، وأهم من ذلك شعور الشخص المدخن نفسه بأن التدخين يعطيه قيمته الشخصيةº بغض النظر عن نوع الدخان المستعمل، أو طريقة التدخينº دخان غامق أو أشقر، غليون، سيجارة.
إن طريقة التدخين تتعلق بالشخصية، وهي ذات أثر كبير جداً إلى درجة غير معقولة، وهذا ما يجعل المراهق الذي يدخن أول سيجارة يشعر برغبته في إظهار شخصيتهº سواء لأهله، أو لأصدقائهº فالتدخين قد يكون عند بعضهم دليلاً على التقدم، ورمزاً للتخلص من مخلفات الماضي، ومن سلطة الوالدينº وهو كذلك يمثل صفة مهمة من صفات الطفولة Curiosityº الفضول، وحب الاطلاع، واليفع، والتظاهر بالتنكر لتعاليم الأهلº شعور (أصبحت رجلاً).
يفقد المدخن شهيته للطعام، وينقص وزنه، ويتهم الدخان في ذلك، (الدخان ينهي المفرزات المعدية)º وعلى العكس من ذلك فإن تارك التدخين يزداد وزنه بشكل مدهشº وغير عاديº وذلك بسبب عودة المفرزات المعدية، ونشاط عملية الهضم التي توقفت بسبب الفعل الناهي للدخان.
التدخين تسمم بطيء:
من الملاحظ أن الهدف الرئيسي للمدخن هو الوصول إلى درجة الإشباع في كمية النيكوتين التي يتناولها، ويبدو من التجارب التي أجريت أن المدخن يتحمل كميات من النيكوتين أكبر بكثير من الكمية التي يتحملها غير المدخن (مرتين، أو ثلاث مرات، أو أكثر)º فالاعتياد، والمثابرة تقرب كثيراً التدخين من الاعتياد الكلاسيكي.
ومع أن التدخين يدخل في صفات الاعتياد على الرغم من اشتماله على مادة سامة فإن عادة التدخين لم تكن تصنف سابقاً بين المواد التي تسمم الإنسان، أما الآن فقد اختلفت النظرةº وأصبح التدخين يعتبر من عوامل التسمم الأكيدةº إلا أنه تسمم بطيء المفعول والأثرº فلم يعد التدخين يُعَدٌّ عادةº بل أصبح إدمانا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد