النظرية الطبية الإسلامية في الوقاية والعلاج


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقدمة:

يضع الإسلام تصورا عاما للحياة ينبثق من العقيدة ويهتدي بهداها. وفي ضوء هذا التصور يقدم منهجا متميزا للاقتصاد الإسلامي والطب الإسلامي وكافة أنشطة الحياة، فالإسلام عند المسلم عقيدة روحية ومذهبية اجتماعية ومنهاج يسلكه في أمور دينه ودنياه. وسوف نعرض خصائص التصور الإسلامي ثم نوضح انعكاساته على النظرية الطبية في الإسلام.

 

يقوم التصور الإسلامي على المباديء التالية: ـ

1 - توحيد الخالق.

2 - وحدة المخلوقات.

3 - وحدة الأمة.

4 - الاستخلاف في الأرض.

 

أولا - توحيد الخالق

توحيد الألوهية معناه رد السلطان إلى الله - سبحانه وتعالى - سواء في ضمير الفرد أو في واقع الحياة. وبقدر ما تستقر في النفس عقيدة التوحيد بقدر ما يتخلص الإنسان من العبودية لغير الله. وهذا من مقومات الكرامة الإنسانية. والعباد كلهم سواسية أمام الله وليست هناك حاجة إلى وسيط بين العبد وربه. وعلى أساس الإيمان بالله الواحد تلتقي عقول المسلمين وقلوبهم على عبادة الله وتتضافر جهودهم على إقامة شريعته.

 

ثانيا - وحدة المخلوقات

الكون كله مخلوق لله - تعالى -ومن حكمته أنه خلق الكائنات متصلة مترابطة، فكل كائن وجوده مرهون بوجود غيره بدءا من الذرة وانتهاء بالكائنات الحية الراقية. وقد أودع الله - تعالى -في الكون المادي قوانين أزلية تحكم حركته وهذه من سنن الله في خلقه. وأمرنا باستخدام العقل والحواس في البحث عنها وفهمها. وبقدر ما يدرك الإنسان نواميس الكون بقدر ما يتمكن من استخدامها في عمارة الأرض. وكلما أدرك تناسق هذه القوانين زاد إيمانه بوحدة المخلوقات وعظمة الخالق الواحد.

 

ثالثا - وحدة الأمة

رسالة الحق إلى المخلوقات واحدة منذ عهد آدم. والخلق الذين آمنوا بالله وأحسنوا العمل يكونون على دين واحد يمتد عبر الرسالات السماوية. يقول - تعالى -: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذين أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيها) \" الشورى 13\". فوحدة الأمة نتيجة حتمية لطبيعة الإسلام الذي قام على توحيد الخالق ووحدة الكون والدين. وتتجلي وحدة الأمة في وحدة المنهج الذي هو شريعة الله المنزلة ووحدة القيم والمعايير التي لا تحتمل النسبية ولا تخضع للأهواء. فالعدل مثلا ينبع من عقيدة التوحيد لأن الكل سواء في العبودية لله - تعالى -فتنطبق عليهم نفس القيم والقوانين. وينبع من وحدة الأمة شعور الانتهاء والالتزام بقوانين المجتمع بوازع من الضمير لا خوفا من القانون. وهذا الانتماء قد يصل إلى حد التطوع للتضحية بالنفس في الجهاد أو بتجنب الهجرة من موطن الوباء حفاظا على سلامة باقي أجزءا الوطن من أن ينتشر فيها الوباء بين المسلمين.

 

رابعا- الاستخلاف في الأرض

قال - تعالى -: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) (البقرة 30).

أناب الله الإنسان في الأرض للتصرف فيها وعمارتها. والاستخلاف ينبع من مبدأ وحدانية الخالق فهو المالك الواهب الذي منح الإنسان أمانة الخلافة في الأرض. ورزقه من العقل والإرادة ما يمكنه من عمارتها واستغلال خيراتها. وللخلافة ضوابط، فالمالك الحقيقي هو الله - تعالى -والإنسان موكل في التصرف حسب ما أ مره الله به وبما شرعه له وليس كما يريد الإنسان لنفسه. ولكي يحقق الإنسان وظيفته كخليفة في الأرض لابد أن يستوفي ثلاثة عناصر هي: -

ا- إعمار الأرض وإقامة الحضارة.

2- حماية هذه الحضارة من الإفساد.

3- إصلاح ما قد يطرأ عليها من فساد.

 

ا- إعمار الأرض وإقامة الحضارة:

الحكمة من خلق الإنسان وعلة وجوده هي ابتلاؤه باستخلافه في الأرض لعمارتها وحمايتها وإصلاحها. يقول - تعالى -: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) (هود 61).

(الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور) (الملك- 2).

 

فإذا قام الإنسان بمهمة الخلافة متبعا شرعة الله فذلك لب العبادة. وكل طاقات الإنسان وقدراته يجب أن يسخرها لأداء هذه المهمة. روى الترمذي عن أبي برزة نضلة بن عبيد الله الأسلمي عن النبي: - صلى الله عليه وسلم - قال. \" لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع. عمل عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه \".

فالجسد والمال والعلم والوقت هي وسائل الإنسان لعمارة الأرض، وسوف يحاسب يوم القيامة على ما قدمه في حدود طاقته.

وعمارة الأرض مهمة ربانية يؤديها الإنسان ولا يشترط أن يكون هو المستفيد منها. روى البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \" ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهمية إلا كان له بها صدقة \".

والمحصلة النهائية للنشاط الفردي المتعاون على الخير هي إقامة مجتمع متقدم متحضر. وغياب التحضر والعمران يعني أن المجتمع لا يقوم بواجب الخلافة.

 

2- حماية الحضارة من الإفساد:

الكون في عقيدة المسلم جزء من خلق الله، وكل شيء فيه يسبح بحمد الله، يقول - تعالى -:

(وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) (الإسراء44 ).

لذلك فموقف المسلم من الكون موقف ألفة ومحبة، وإذا كان غير المسلم يسعى للمحافظة على البيئة من أجل رفع مستوى الحياة المادية، فإن نظرة المسلم للبيئة أسمى من ذلك، فهي توجيه رباني بالحماية من الإفساد طبقا لمستلزمات الخلافة في الأرض بصرف النظر عما تجلبه له هذه الحماية من مصلحة. والمسلم يحب الكون شكرا لنعم الله - تعالى -عليه، والنبي - عليه الصلاة والسلام - نهى عن قطع شجرة في الغزو إلا لطعام. والقرآن الكريم ينهي عن أي عمل يؤدي إلى الفساد في الأرض. يقول - تعالى -: (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) (الأعراف: 56).

ويحذر الرسول - عليه الصلاة والسلام - من أن يكون المسلم مصدرا للشر والضرر. وروى ابن ماجه عن أنس بن لمالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: - (إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح للخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه \".

 

3- الإصلاح:

الإصلاح مستوى رفيع لمن الإيجابية يتحدى مرحلة التمني السلبي للخير والامتناع عن الضرر والإفساد، حيث يرتقي المسلم في إحساسه بالانتماء للجماعة والمسئولية نحوها فيسعى لإزالة الخطر والضرر من حياة المسلمين. والطبع لا يشترط أنيكون هذا الفرد المصلح هو مصدر الضرر حتى يتقدم لأزالته بل إنه يتطوع لإزالة أي ضرر تسبب فيه غيره وقصرت همته عن أن يزيله، فالمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى. يقول - تعالى -: (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله) (هود: 88).

ويوضح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهمية الموقف الإيجابي الإصلاحي للمسلم في حديث النعمان بين بشير الذي رواه البخاري حيث يقول: \" مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسلفها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أن خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا. فإن تركوهم ما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا أيديهم نجوا ونجوا جميعا \".

وقد اعتبر الإسلام إنكار الفساد ومحاولة إصلاحه مقياسا لدرجة الإيمان حيث روى مسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قوله: \" من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان\"

وفي هذا دعوة لكل مسلم ألا يكون سلبيا تجاه أي خطر يهدد المجتمع. وهكذا تتضح وظيفة الخلافة في الأرض: إعمار الأرض وإقامة الحضارة ثم حمايتها من الضرر والفساد والتطوع لإصلاحها مما قد يطرأ عليها من فساد وضرر. ومفهوم الخلافة- عنصر أساسي من النظرية الإسلامية التي تقوم على توحيد الخالق ووحدة المخلوقات ووحدة أمة الحق على أيدي رسالات الأنبياء. وهذا المفهوم ينعكس على كافة الأنشطة الإنسانية في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والطب.

 

الصحة في ضوء مفهوم الاستخلاف

 خلافة الإنسان في الأرض تتحقق بعمارتها وحمايتها وإصلاحها، والمؤهلات التي منحها الله للإنسان لتمكنه من أداء وظيفة الخلافة هي العقل والإرادة الحرة وقوة البدن وهذه نعم من الله - عز وجل - لابد من توظيفها فيما يرضي الله - تعالى -حتى تكون حياة الفرد عبادة. فالصحة والعافية نعمة تلي نعمة الهداية إلى الإيمان. روى أحمد عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - عن النبي، - صلى الله عليه وسلم -أ نه قال: \" سلوا الله اليقين والمعافاة، فما أوتي أحد بعد اليقين خيرا من العافية \".

ونظرة الإسلام إلى الصحة تتطابق مع عناصر الاستخلاف وبذلك يمكن تقسيها إلى ثلاثة مستويات هي بناء الصحة وحمايتها وإصلاحها.

 

النظرية الطبية الإسلامية:

يتطابق المفهوم الحديث للصحة مع نظرة الإسلام للصحة في ضوء الاستخلاف وبذلك تتكون من ثلاثة مستويات:

1 - المستوى الأول: هو بناء الجسم وتحسين الصحة.

2- المستوى الثاني: حماية الصحة من الضعف والأمراض وهو ما يعرف بالطب الوقائي.

3- المستوى الثالث: إصلاح البدن من الأمراض والعجز وهو ما يعرف بالطب العلاجي والتأهيل.

 

المستوى الأولى: بناء الجسم وتحسين الصحة

الصحة في مفهوم المنظمة الصحية العالمية ليست مجرد الخلو من المرض أو العاهة ولكنها تعني الصحة الإيجابية وهي أن يتمتع الفرد برصيد من القوة في وظائفه أعضائه تجعله يتحمل ما قد يتعرض له من مسببات كثير من الأمراض وتحقيق الصحة الإيجابية يستلزم أن يكون نظام الحياة الشخصية والظروف البيئية والعوامل السائدة في المجتمع عوامل تساعد على تحسين الصحة. وإذا اصطبغت الحياة بصبغة إسلامية في كل المجالات تكونت ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية وروحية تؤدي بالضرورة إلى تكوين المجتمع الصحي.

 

أمثلة لمنهج، الإسلام في بناء الصحة وتحسينها:

ا- يبدأ الاهتمام بصحة الفرد قبل أن يكون جنينا في بطن أمه وذلك بانتقاء الشريك الصالح لإنتاج ذرية طبية. ورد في كشف، الخفاء عن ابن عباس مرفوعا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال. (تخيروا لنطفكم).

2- دعا لإسلام إلى الرضاعة الطبيعة، وفي كل يوم يكشف لنا الطب الحديث عن مزاياها في توقير القوة والمناعة الطبيعية وبناء الجسم السليم. يقول - تعالى -: \" والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) (البقرة: 233).

3- يجب تعهد الطفل بالرعاية الروحية والبدنية منذ بدء نشاطه الحيوي. روى مسلم وأحمد والترمذي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - \" مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر \".

واللياقة البدنية تستلزم التدريب منذ الصغر، وقد روى الطبراني عن مصعب بن سعد عن أبيه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال. \" عليكم بالرمي فإنه خير لعبكم \".

وروى أبو داود عن عائشة - رضي الله عنها - قالت. \" كنت مع الني النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فسابقته على رجلي فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال هذه بتلك \".

4- الحياة الصحية في بيئة نظيفة وهواء طلق من عوامل بناء الصحة. فكان النبي - عليه الصلاة والسلام - يحب أن يصلي في البساتين الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عه قال \" كان النبي يستحب الصلاة في الحيطان \".

5- التغذية السليمة تساعد على بناء البدن فكان النبي - عليه الصلاة والسلام - يوصي باللبن واللحم وتنظيم الوجبات حتى يكون الغداء مصدرا للصحة وليس سببا للمرض.

6- إعطاء الجسم والنفس حقهما من الراحة من عوامل بناء الصحة، فقد روى أبو داود حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" روحوا قلوبكم ساعة فساعة \".

وروى الطبراني عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" سافروا تصحوا \".

7- بناء الصحة النفسية للمسلم يتم عن طريق تنمية الشخصية وتهذيبها. فالنفس تتطور من خلال عملية تكيف الفرد في المجتمع. والمسلم يدرك أن غايته في الحياة هي إرضاء الله - تعالى -بالأعمال الصالحة. وعندما يتعامل مع الآخرين فإنه يقوم بتكوين أو كبح قدرات داخلية معينة، فيتعود على الحب والعطاء ويتغلب على الأنانية ولذلك تنمو الصفات الإنسانية وتتحقق الصحة النفسية الإيجابية.

 

المستوى الثاني: الطب الوقائي في الإسلام

حماية الصحة والمحافظة عليها من المفاهيم الإسلامية الأصيلة، يقول - تعالى -:

(ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (البقرة: 195).

ومنذ صدر الإسلام ظهر مفهوم حفظ الصحة حيث إنه يعين على العبادة وأداء مهمة الخلافة في الأرض وبذلك تتحقق مصلحة الدين. والوقاية من المرض تحقق مصلحة البدن والعقل والصحة تعين على العمل والكسب والتناسل. فهي بذلك تحفظ مصلحة النسل والمال. وهكذا فإن حفظ صحة الفرد يحقق له الصالح الخمس التي طلب الشرع رعايتها وهي الدين والبدن والعقل والنسل والمال.

حفظ صحة البيئة فيه سلامة المجتمع وحماية لأمة المسلمين من الضرر وإعلاء لكلمة الله، ومن هنا نلاحظ أن الأحاديث الشريفة تتناول جوانب الوقاية والحماية بدرجة تكون أقرب إلى الأمر والإلزام. وكلما كانت الحماية مرتبطة بالمقاصد الخمس التي جاءت بها الشريعة كانت درجة الإلزام أكبر. فالإسلام يأمر الفرد بالابتعاد عن موطن الوباء ولكن وقاية المجتمع المسلم من انتشار الوباء تعلو على مصلحة الفرد الواحد وبذلك تصير التضحية بالنفس في سبيل سلامة المجتمع شهادة في سبيل الله. روى البخاري وأبو داود عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \" ليس من أحد يقع الطاعون، فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد \".

 

عناصر الوقاية في ضوء الإسلام:

ا- الصحة الشخصية. تعاليم الإسلام تدعو إلى السلوك الصحي والنظافة الشخصية. روى البخاري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - \" الطهور شطر الإيمان \".

وفي مجال التغذية هناك أحاديث كثيرة تتناول وصايا صحية في الاعتدال في الطعام واختيار الطعام الطيب والحرص على نظافة الطعام والشراب. روى مسلم عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \" غطوا الإناء وأوكوا السقاء\".

وهناك أحاديث تناولت أعضاء الجسم المختلفة كصحة الفم والأسنان وصحة العين وصحة الأنف وغيرها. ويؤكد الرسول - عليه الصلاة والسلام - أن هذه الإجراءات الوقائية ليست من قبيل النظافة فحسب وإنما هي من قبيل العبادة. روى البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \" السواك مطهره للفم، مرضاة للرب \". وأخرج أبو نعيم عن سعيد بن المسيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: \" العين نطفة فإن مستها رنقت، وإن أمسكت عنها صفت \".

وإذا كان تحريم الخمر والمخدرات من مقومات الصحة الشخصية فإنه ينعكس على الصحة النفسية والوقاية من الحوادث وحماية الأجنة من التشوهات. روى مسلم عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \" كل مسكر خمر وكل خمر حرام \".

ولحماية الصحة الاجتماعية شجع الإسلام الزواج المبكر وحذر من الفاحشة التي هي مصدر الأمراض الاجتماعية روى أحمد وابن ماجه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \" ما ظهرت الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم علانية إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم \".

والإسلام لا يفصل بين الصحة الاجتماعية والصحة النفسية وبين الصحة البدنية. فالمجتمع الذي يسوده الرفق والتراحم وحسن الخلق وحسن الجوار تبدو عليه علامات الصحة الإيجابية ممثلة قي طور العمر. روى أحمد عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \" أنه من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى حظه من خيري الدنيا والآخرة، وصلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار \". وهذا الحديث الشريف هو أول تسجيل لارتباط العلاقات الاجتماعية بمتوسط عمر الفرد في المجتمع.

2- صحة البيئة: حماية صحة البيئة تطبيق لقاعدة إسلامية رئيسية وهي أن كل مسلم مسئول عن سلامة جماعة المسلمين تطبيق للقاعدة التي وضعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنها كالجسد الواحد، وأن من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم. وهذه الحماية تلزم المسلم ألا يكون مصدر ضرر للبيئة.

روى أبو داود حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" اتقوا الملاعن الثلاثة. البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل \". وروى الترمذي- عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: \" إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب، الجود، فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود \".

وقد دعا الإسلام إلى الوقاية من الأمراض الانتقالية بعزل المريض عن الأصحاء، روى الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال. \" لا يوردن ممرض على مصح \".

3- الوقاية من الحوادث: وضع الإسلام القواعد الأساسية للوقاية من الحوادث قبل أن يظهر علم السعادة ويتبلور في إجراءات محددة في مجالات الصناعة وحوادث الطرق وحوادث المنازل. فالإسلام يكره التواكل ولكنه يأمر باتخاذ الأسباب الدنيوية ثم بعد ذلك بالتوكل على الله. يقول - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم) (النساء: ا 7). وروى ابن حبان والطبراني أن أعرابيا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل يترك ناقته دون أن يربطها توكلا على الله - تعالى -فقال له النبي - عليه الصلاة والسلام -. \" اعقلها وتوكل \".

وعلم السلامة يقوم على مبدأ أساسي وهو أن لكل حادثة سببا وبتجنب الأسباب يمكن تجنب الحوادث. روى الشيخان عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال. \" لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون\".

 

المستوى الثالث: الطب العلاجي والتأهيل

أمر الإسلام بإصلاح البدن مما يصيبه من أمراض وإصابات وذلك بالعلاج والتأهيل فالجسم هو أداة العبادة، وسلامته شرط لأداء وظيفة الخلافة. وقد خلص الإسلام مهنة الطب من الخرافات والكهانة والسحر التي اختلطت بهذه المهنة منذ فجر التاريخ. روى مسلم وأحمد عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: \" من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد\".

وتخليص الطب من الكهانة والسحر يرتبط بمبدأ عام في الإسلام وهو رد الأمر والإرادة والقدرة على النفع والضر لله وحده كجزء من عقيدة التوحيد.

والأحاديث النبوية الشريفة في الأمر بالتداوي صريحة وواضحة وملزمة لكل فرد أن يسعى إلى استعادة الصحة المفقودة. وأوضحت الحد الفاصل بين الإيمان بالقضاء والقدر وبين طلب العلاج. روى ابن السني وأبو نعيم عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: سئل النبي - عليه الصلاة والسلام -: هل ينفع الدواء من القدر. فقال. \" الدواء من القدر، وهو - تعالى -ينفع من يشاء وبما يشاء \".

فالأمر بالتداوي لا ينافي التوكل وعلى كل مسلم أن يلتمس كافة الأسباب للوقاية والعلاج.

 

منهج الطب الإسلامي في العلاج

ترتكز نظرة الإسلام للعلاج على الأسس التالية.

ا- الأمر بالتداوي روى الشيخان عن أسامة بن شريك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \" تداووا. فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء. غير داء واحد هو الهرم \".

2- تقرير المنج العلمي في ممارسة مهنة الطب. وذلك بالقواعد التالية:

أ- قصر مهنة الطب على دوي الخبرة فيها: روى أبو داود والنسائي وابن ماجه عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \" من تطبب ولم يكن معروفا بالطب فأصاب نفسا فما دونها فهو ضامن \". ومبدأ ضمان الطبيب كان أحد عناصر نظام الحسبة في عهود الخلافة الإسلامية. والرسول - عليه الصلاة والسلام - لم يدع لنفسه القدرة على المداواة. روى أحمد عن هلال ابن يساب قال. دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مريض يعوده فقال: \" أرسلوا إلى الطبيب \". فقال له قائل: وأنت تقول ذلك يا رسول الله. قال: \" نعم \".

ب احترام التخصص في مهنة الطب فقد روى مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم - رضي الله عنهما - أن رجلا أصابه جرح فاحتقن الدم وأن رسول الله دعا برجلين من بني أنمار فقال: \" أيكما أطب \" فقال رجل: وفي الطب خير. فقال - عليه الصلاة والسلام -: \" الذي أنزل الداء أنزل الدواء \".

ج - العلاج يخضع لمنطق السباب واللنتائج. فلا دواء بعد معرفة الداء. ففي كتاب افصابة لابن حجر العسقلاني عن الشمردل بن ثبات الكعبي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: \" لا تداووا أحدا حتى تعرفوا داءه \".

وتأكيدا لمبدأ الأسباب والنتائج روي الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \" لكل داء دواء فإذا أصيب داء الدواء برأ بإذن الله - عز وجل - \".

د- دعوة العلماء للبحث عن أسباب الأمراض واكتشاف ما يجهلونه من وسائل العلاج فليست كل الأدوية معلومة ولكن تكتشف بالتدريج. روى أحمد عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \" إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله \".

والأمراض التي لم يكتشف علاجها بعد هي ابتلاء من الله - تعالى -للعبد فعليه أن يصبر ويحتسب وله الجنة.

روى الشيخان عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني أصرع وأني أتكلف فادع الله لي قال: \" إن شئت صبرت ولك الجنة. وإن شئت دعوت الله - عز وجل - أن يعافيك \". قالت: أصبر.

هـ - تقبل العلاج النافع أيا كان مصدره، فقد روى أحمد في مسنده عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: \" إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسقم عند آخر عمره فكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه فينعتون له الأنعات وكنت أعالجها له \".

 

3- الالتزام بالقواعد الشرعية في العلاج. ومن ذلك ما يلي:

أ- تجنب المحرمات في العلاج. والأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص بتحريمها. وقد روى أبو داود عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال. \" إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم \".

ب- الاهتداء بالتوجيهات الشرعية للإجراءات الطبية: فقد أرست الشريعة كثيرا من المباديء التي تنظم المعاملات وتناولها بالتفصيل علم أصول الفقه. وكثير من هذه المباديء يمكن تطبيقه على عملية العلاج. فقواعد المصلحة توضح أن الأصل في المنافع الإباحة والأصل في المضار التحريم. كما تقوم قواعد تجنب الضرر على مبدأ (لا ضرر ولا ضرار) وبالمفاضلة بين المنفعة والضرر يمكن استنباط رأي الشرع في الإجراءات العلاجية. أما قواعد دفع الحرج ومراعاة الضرورة فتوضح الرخص الشرعية التي تبيح للطبيب والمريض من المحظورات بقدر الحاجة. أما قواع الحقوق فتنظم الجوانب القانونية وآداب مهنة الطب.

كل هذه القواعد تقوم على مبدأ العدل والإحسان وتكسب الممارسة الطبية صبغة إسلامية متميزة.

 

خاتمة.

وهكذا يبين مما سبق أن للإسلام نظرية فريدة في الطب تنبثق من التفسير الإسلامي لرسالة الإنسان في الأرض من النظرة الإسلامية للكون والوجود والحياة. فالإسلام لا يفصل الدين عن الاقتصاد أو الطب أو السياسة أو الاجتماع وإنما يضعها كلها في إطار واحد هو الإسلام، بطريقة توظف الطاقات الروحية لخدمة التقدم الاجتماعي والاقتصادي والصحي. والغاية القصوى من هذا الازدهار البشري والتقدم الحضاري في الأرض هو إعلاء كلمة الله - تعالى -. يقول - سبحانه -: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز). (الحديد: 25).

فالمسلم مكلف بإقامة حضارة تعتمد على مصادر القوة المستنبطة من خيرات الأرض وخاماتها الطبيعية وتهتدي بما أنزله الله على رسله لتسير بالحق والعدل وهذه الحضارة لا تقوم إلا في مجتمع صحيح قوي قادر على نصر كلمة الله..

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply