بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم:
بقلم الدكتور حسن عبدالرزاق الجزائري
المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق البحر المتوسط
في هذا العام بلغت منظمة الصحة العالمية أشدها، وبلغت أربعين سنة من عمرها المديد إن شاء الله.
وإذا كان هذا النوع من المناسبات يستدعى وقفة تأمل، يلقي فيها المرء نظرة على ما تمكن من إنجازه، إن منظمة الصحة العالمية لتعتز بمنجزاتها من خلال، برامجها العديدة، التي يكمل بعضها بعضاً وتسير سيراً حثيثاً نحو تحقيق غايتها هادفة في مجموعها إلى إتاحة الصحة للجميع.
ولعل من أبرز ما تعتز به المنظمة، هو ما بدأ يلوح في الأفق من عمل مشترك يساهم فيه الجميع، لتعزيز الصحة والحفاظ عليها.
فالحقيقة التي لا تقبل جدالاً هي أن الصحة مسؤولية الفرد والمجتمع على السواء فالفرد أياً كان موقعه، وأياً كانت طبيعة اختصاصه، له دور أساسي في العمل الصحى. وليست الصحة من اختصاص الأطباء أو السلطات الصحية فحسب، بل لابد من مشاركة الجميع في توفير الصحة للجميع، استجابة لقول اللة - عز وجل -: \" وتعاونوا على البر والتقوى لا تعاونوا على الإثم والعدوان \". فالمرأة في بيتها، والفلاح في أرضه، والعامل في مصنعه، والأستاذ في مدرسته، والجندي في ثكنته، وكل فرد، كبير أو صغير، يستطيع أن يعمل من أجل الصحة أو ضدها. ودور الفرد لا يقتصر على الحفاظ على صحته، بالتزام السلوك الصحى، كالحرص على النظافة، والاعتدال في الأكل، وتخصيص دقائق من وقته للرياضة، بل إن عليه أن يبتعد عن كل ما يضر بصحته أو بصحة الآخرين.
فمن المعروف بداهة، أن ممارسة أي حق من حقوق الإنسان تقتضي منع عدوان الآخرين على هذا الحق. فالذي يمسك سلاحاً نارياً فيقتل ظلماً. واحداً من الناس، إنما يعتدي على حق الناي جميعاً في الحياة، \" فكأنما قتل الناس جميعاً \". ومثله الذي يلوث الماء، أو يفسد البيئة، أو يهمل تطعيم أطفاله، فيساعد على انتشار عوامل المرض وتكاثرها، فهو كذلك يعتدي على حق الناس جميعاً في الحياة الصحية. وبعد فلما كان للدين سلطان قوة في نفوس أبناء هذا الإقليم، وكان في الإسلام كثير من المباديء التي. تحفظ على الإنسان صحته، وتدعوه لما يحييه، وتنأى به عن التعرض للمخاطر والأضرار، وترسم له سبل اتقاء المفاسد والآثام، تقد رأى المكتب الإقليمي أن يستطلع رأي عدد من جلة علماء الدين، حول الحكم الشرعي في بعض الأمور التى تتعلق بالصحة. وكان موضوع \" الماء والإصحاح \" من أهم هذه المواضيع، لما لذلك من أثر بالغ في صحة الفرد والمجتمع على السواء.
وقد تكرم فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الفتاح الحسيني الشيخ، رئيس جامعة الأزهر، مشكوراً، بتزويد المكتب الإقليمي- بناء على طلب المكتب- بدراسة وافية حول الماء والإصحاح في الإسلام. وقام الدكتور محمد هيثم الخياط مدير حفظ الصحة وتعزيزها في المكتب بإعداد هذه الدراسة للنشر بعد إضافة الجوانب الصحية إليها، ليكون هذا العمل أكثر استيعاباً وأبلغ نفعاً بإذن الله.
وإنا لنرجو أن يستجيب قراء هذا الكتاب لما يقرأونه من حكم شرعي، ويعملوا على الانتفاع بالماء على أفضل وجه واتقاء إيقاع المضرة والمفسدة بأنفسهم وأهليهم ومواطنيهم، تلبية لقول اللة عز رجل: \" يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم \".
المحرم 1409 هـ
آب / أغسطس 1988
تمهيد
الماء من أهم المواد الضرورية للحياة، لا يستطيع الإنسان أن يعيش بدونه أكثر من أيام قليلة. فقد جعل الله منه كل شيء حي، إذ يؤلف ثلثي خلايا البدن، وتسعين بالمائة من سوائله (الدم واللمف والسائل النخاعي)، وفيه تجري جميع التفاعلات الحيوية في البدن، وهو يساهم في تنظيم حرارة الجسم بالتعرق.
والجسم يطرح كل يوم ما بين لترين وثلاثة ألتار من الماء، في الكليتين (1400 غ)، والجلد (855 غ)، والرئتين (800 غ)، والأمعاء (. بضعة غرامات)..ويعوضها بالماء الذي في طعام الإنسان وشرابه.
والماء ضروري لوضوء الإنسان واغتساله ونظافة بدنه: \"وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم يه \" (الأنفال: 11) وهو ضروري كذلك لنظافة مسكنه وحوائجه، وضرري أيضا للنظافة العامة، ولا غنى عنه للصناعة ولا الزراعة: \"وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا.به نبات كل شىء \" (الأنعام: 99).
وكل ماء عذب في الأرض كان أجاجاً، لأنه آت من ماء البحار التي تغمر ثلاثة أرباع سطح الأرض. ومن هذا الماء المالح يقطر الله للإنسان والحيوان. والنبات مالا غنى لهم عنه هن الماء العذب، يقطره بجهاز تقطير ليس كمثله جهاز، يسخن بأشعة الشمس العظيمة الحرارة. فإذا ما تبخر الماء بحرارة الشمس، تكثف في كثف ليس له نظير: الجو العلوي كله والجبال.. والرياح مسخرة تحمل البخار من الأرض إلى الجو، وتحمل السحاب في الجو إلى حيث يشاء الله أن تنزل الأمطار.. فإذا سالت الأودية وفاضت الأنهار، وحملت الخصب والنماء. إلى الأقطار، تبخر بعض الماء، وغاز في الأرض منه بعض، وصار باقية إلى البحر الذي جاء منه. فالماء بين البحر والجو واليابسة في دورة مقدرة متصلة لا انقطاع فيها ولا توقف ولا تعثر، عليها مدار الحياة في الأرض، ولا تنتهي أبداً إلا أن يشاء الله الذي أذن لها بالابتداء: \" والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها، كذلك النشور\" (فاطر: 9)... \" إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة، وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون \" (البقرة: 64).
ويقسم الماء العذب إلى ثلاثة أقسام: المياه الجوية، والمياه السطح، والمياه الغائرة أو الجوفية. فالمياه الجوية هي كل ما أمطرت السماء من مطر وثلج وبرد وما أشبه ذلك، وهي من أنقى المياه في طبيعتها لأنها مياه مقطرة: \" وأنزلنا من السماء ماء طهورا \" (الفرقان: 48). ولكن هذه المياه قد تتلوث قليلاً أو كثيراً، بما تجرفه أثناء نزولها، من غبار الهواء وغازاته وأقذاره، ولاسيما في بدء المطرأو في الأمطار الأولى خاصة. فلو جمعت هذه المياه بعد المطرة الأولى، وفيما بعد بدء المطر في كل مرة، كانت هذه المياه نقية تماما، ولو أنها فقيرة بالأملاح.
والمياه السطحية هي المياه التي على سطح الأرض. وتكون إما جارية كالأودية والأنهار، أو راكدة كالبحيرات.. وهي تجرف معها ما تقدر على حمله من الأجسام والمواد المختلفة من أنقاض نباتية وحيوانية، وذرا
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد