بسم الله الرحمن الرحيم
لمع في سماء المحافل الطبية في الآونة الأخيرة نجم الطب البديل ولاقى إقبال الكثير من الناس، ولاسيما العلاجات الرافدة من النبع الطاهر (الطب النبوي) التي حققت نجاحاً بارزاً في شفاء العديد من الحالات -التي وقف الطب الحديث عاجزاً أمامها-..
وتعد الحجامة إحدى أبرز هذه العلاجات الناجحة، وما ذلك إلا بفضل من الله أولاً ثم بفضل أطباء مسلمين اهتموا بإحياء سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الجانب الطبي.
ومن أبرز هؤلاء الأستاذ الدكتور أمير صالح رئيس الجمعية الأمريكية للعلوم التقليدية والحاصل على البورد الأمريكي في العلاج الطبيعي، والذي يعمل حالياً مستشاراً للعلاج الطبيعي والطب البديل بالمستشفى السعودي الألماني.التقيناه بالمدينة المنورة وكان معه هذا الحوار:
لكل شيء بداية.. فمتى بدأت علاقتك بالحجامة؟
- عندما كنت أدرس في أصول الفقه وعندما قرأت كلمة \"حجامة\"، أثارت الرغبة في معرفة هذا النوع من العلاج ولكن هذا لم يخرج لحيّز التنفيذ إلا عندما سافرت لأمريكا ووجدتهم يدرسونها في جامعاتهم ضمن مناهج الطب البديل، فشعرت بغيرة على ديني وأحسست بأننا نحن المسلمين مقصرون جداً في إحياء هذه السنة.
وعندما بدأت في دراسة الدكتوراة ما بين جامعة شيكاغو وجامعة القاهرة، وطلب مني عمل سبعة أبحاث، آثرت أن تكون الحجامة ضمنها إحياءً لهذه السنة الجليلة، ودوّنت باباً لدراسة تاريخ الحجامة عند الإغريق واليونانيين والفراعنة والصينيين وفي الإسلام. وبدأت أنقب في صحيحي البخاري ومسلم، وغيرهما، ثم ذكرت الأحاديث التي وردت في هذا الجانب حتى إن أساتذتي الأمريكان كانوا مندهشين من هذا الثراء الطبي الخاص بالحجامة في الطب النبوي، وذهب أحدهم لمكتبة جامعة إلينوي وطلب هذه المراجع \"صحيحا البخاري ومسلم\" للتأكد من صحة كونها مراجع بالفعل، فذكروا له أنها من أوثق وأصدق المراجع، وقال لي هذا الأستاذ: أنت علّمتنا الكثير في هذا الجانب!.. فمن يصدق أن العلاج بالحجامة يتم تدريسه في مناهج الطب في أمريكا كفرع مهم يسمونه (cupping therapy) ومن المؤسف بل المحزن أن نرى أطباء عرباً ينكرون هذا النوع من العلاج، في الوقت الذي أصبح علاجاً نافعاً للعديد من الأمراض الخطيرة في معظم عواصم العالم.
-ذكرتم أن الحجامة كانت موجودة عند الفراعنة والأغريق وغيرهم من الحضارات القديمة وفي نفس الوقت أنت ترجع أصلها للطب النبوي.. كيف ذلك؟
- الله - عز وجل - عندما خلق آدم علمه الأسماء كلها وهذه حقيقة يسلم بها كل مؤمن.. يقول الله عزوجل في محكم كتابه: {وَرُسُلاً قَد قَصَصنَاهُم عَلَيكَ مِن قَبلُ وَرُسُلاً لَّم نَقصُصهُم عَلَيكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكلِيماً} [النساء: 164].
فقد تكون الحجامة مما أقرّه أنبياء بعثوا للإغريق واليونانيين والصينيين وغيرهم قبل الإسلام، ولما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالحجامة وأقرّها، بل إنه قد تداوى بهذا النوع من العلاج فاحتجم لألم في رأسه -وهي الشقيقة (الصداع النصفي)- وألم في ساقه، واحتجم من السم الذي وضعته له اليهودية..
كما ثبت في السيرة أنه أتى بحجّام لأم سلمة - رضي الله عنها - ولقد قال رسول الله: « شفاء أمتي في ثلاث: شربة عسل وشرطة محجم وكيّ بنار، وأنا أنهى أمتي عن الكيّ ». فالله - عز وجل - خلق الجسد وجعل له منهجاً وأوامر ونواهي. فالأوامر إذا فعلناها صحّ الجسد وإذا ابتعدنا عن النواهي صحّ الجسد أيضاً، والرسول - صلى الله عليه وسلم - علمه من علم الله: {إِن هُوَ إِلاَّ وَحيٌ يُوحَى} [النجم: 4]. والمتأمل في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - يلاحظ أنه وردت كلمة شفاء ولم ترد كلمة علاجº لأن الشفاء هو الجانب الإيجابي في العلاج.
-ما الحجامة؟ وعلى أي أساس يتم تحديد مواضعها؟
- الحجم في اللغة هو المصّ، والحجامة هي عملية إخراج للدم من مواضع محددة -بيّنتها السنة المطهرة- على الجسم وذلك بإحداث جروح سطحية (خدوش) على الجلد وجمع الدم في المحجم. ويتم ذلك من خلال أربع طرق:
أولها: إثارة وتنبيه مناطق الألم.
ثانياً: تنبيه المناطق العصبية التي لها اتصال بالجلد، أو بمعنى آخر الوصلات العصبية المشتركة مع الجلد في مراكز واحدة. وهناك أمراض معينة يتم التنبيه من أجلها في أسفل الظهر حيث يكون الجلد مشتركاً مع الأعضاء الداخلية في أماكن حسية عصبية واحدة.
ثالثاً: استخدام ردود فعل (reflexology) حيث يتم التنبيه في أماكن معينة في الجلد فيحدث ذلك ردود فعل في الأعضاء الداخلية مثل تنبيه الغدد وتنبيه إفرازات الجهاز الهضمي.
ورابعاً: خارطة الإبر الصينية.
-هل هناك علاقة بين العلاج بالحجامة والعلاج بالإبر الصينية؟
- نستطيع أن نقول إن الحجامة هي الأصل، والصينيون كانوا يستخدمون هذه الوسيلة في العلاج. وكما ذكرت قد يكون بعث فيهم رسول من الله علمهم هذه الطريقة للعلاج. وكان الصينيون القدماء يجرونها على شكل جرح طولي، ثم تقلّصت بدلاً من الجرح الطولي إلى جروح صغيرة (خدوش) ثم تقلّصت إلى وخز بالإبر. ويمكن القول إن المعالج بالحجامة يمكن أن يستخدم نفس خريطة مراكز الإحساس في الجسم التي يستخدمها المعالج بالإبر الصينية لعلاج نفس الأمراض، ولكن في الإبر الصينية يتم تنبيه مراكز الإحساس بالإضافة إلى تحريك الدورة الدموية وتنبيه جهاز المناعة.
-هل يعترف الغرب بأن العلاج بالحجامة والعسل وغير ذلك مصدره الطب النبوي؟
- الغرب يعترف بأنها طب صيني لأن الصينيين نسبوا كل العلاجات القديمة لهم (علاجات الطب البديل) حتى العلاج بالأعشاب. مثلهم في ذلك مثل الغرب الذي قام بسرقة موروثات المسلمين في الطب للزهراوي وابن النفيس وغيرهما، وفي سائر العلوم الأخرى. لذا يجب أن تكون هناك وقفة ولو معنوية لأطباء المسلمين لإحياء هذه السنة واسترداد تراثنا الطبي.
-هل الحجامة تخصٌّص؟
- لا، الحجامة ليست تخصصاً، لذا فأنا أدعو إخواني الأطباء أن يمارسوها مع مرضاهم في مجال تخصصهم، لا سيما وأن هناك أمراضاً مختلفة عالجتها الحجامة.
-ما الأمراض التي تعالجها الحجامة؟
- الحجامة تؤدي بإذن الله إلى تحسن واضح في وظائف الكبد ومرض السكر وعلاج ضغط الدم المرتفع والصداع النصفي (الشقيقة) وعلاج بعض الأمراض الجلدية وحساسية الصدر (الربو)، كما أنني بفضل الله حقّقت خطوات مهمة في علاج الأطفال الذين يعانون من شلل مخي، وكذلك الشلل النصفي وشلل الوجه، حيث سجّلت تحسناً ملحوظاً في حالات عديدة، كذلك تعالج زيادة الكوليسترول والنقرس والخمول وتحسين كريات الدم الحمراء البيضاء والصفائح الدموية وأمراض النساء والولادة. وكذلك الكثير من الأمراض الجلدية.
-هل تغني الحجامة في علاج الأمراض التي تتطلب تدخلاً جراحياً؟
- الحجامة تكون عاملاً مساعداً قبل العملية الجراحيةº حيث إنها تضبط كريات الدم الحمراء والبيضاء وتقوّي جهاز المناعة، ولكنها لاتغني عن التدخل الجراحي لبعض الأمراض.
-متى ُيمنع المريض عن الحجامة؟
- ننصح بعدم إجراء الحجامة للمرأة في الثلاثة شهور الأولى من الحمل، وكذلك حالات \"سيلان الدم\" -إلا في حالة إجرائها بدقة شديدة من قبل الطبيب المعالج-. هذا بالنسبة للحجامة التي تتم بالتشريط، أما الحجامة الجافة فلا بأس بها. وهناك عدة طرق لها. كذلك من أصيب بمرض عقلي لا تصلح له الحجامة بالتشريط، لأنه قد يؤذي نفسه ويؤذي الطبيب. أيضاً ننصح بعدم إجرائها في فترة الحيض والنفاس عند المرأة، وكذلك بعد العمليات الجراحية (في فترة النقاهة) وعند الإصابة بنزلات البرد وارتفاع درجة الحرارة.
-هناك مقولة تتردد بأنه لا يصح إجراؤها للمرأة نظراً لتعرضها لفترات الحيض والنفاس وخروج هذا الدم الفاسد من الجسم.. فما تعليقكم؟
- هذا غير صحيح! فذاك شيء والدم الخارج من الحجامة شيء آخر.
-عند أي سن يمكن أن يتم عمل الحجامة؟
- منذ عمر شهر للطفل، ولكن يجب أن يقوم بها طبيب متمرس في هذا الجانب؟
-ما أوقات الحجامة؟
- بالنسبة لغير المريض -الذي يجريها كوقاية-، يستحب له إجراؤها في الأيام التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم -. فعن أبي هريرة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « من احتجم لسبعة عشر من الشهر وتسعة عشر وإحدى وعشرين كانت له شفاء من كل داء » (حديث حسن). أما وقت الضرورة -أي مع وجود المرض- فتعمل في أي وقت، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو صائم، واحتجم وهو محرم، وكان الإمام أحمد - يرحمه الله - يحتجم في أي وقت هاج به الدم، وفي أي ساعة كانت. والحديث الذي ذكر بكراهية إجرائها يوم الأربعاء بأنها تسبب البرص حديث ضعيف، ضعّفه ابن حجر العسقلاني والألباني وغيرهما.
-هل من نصيحة توجهها للأطباء والحجامين والمرضى؟
- للأطباء: أن يقوموا بهذا العمل ولايدعوه لغيرهم، فهم أحق الناس به، وليتذكروا جميعاً قول ابن قدامة المقدسي في مختصر منهاج القاصدين: \"قرية بلا حجام آثمٌ أهلها\"º لأنه وضعها ضمن الفروض الكفائية، فإذا قام بها بعض الأطباء سقطت عن باقي الأطباء.. وأحذّر ألا يجري الحجامة كل من قرأ وريقات عنها، أو سمع شريطاً، لأن جسد الإنسان أمانة سيسأل عنها من يجترئ عليه.
وللحجامين: وكما هو معلوم في الفقه من يشتهر عنه الطب فهو ضامن، فلذلك من يتصدى لأمور الطب وهو ليس بطبيب عليه أن يتحمل العضو التالف أو النفس المزهقة، وإن أصرّ الحجّام على القيام بالحجامة فعليه أن يتصدى للأمراض البسيطة، وأن يستخدم أدوات معقّمة ولمرة واحدة فقط، وأن يستخدم المشرط الطبي المعقم ويرتدي القفازينº حماية لنفسه من أمراض الدم، ويتخلص من الدم الخارج طبقاً لقوانين البيئة في التخلص من النفايات الطبية، إذ \"لا ضرر ولا ضرار\".
وللمرضى أقول: تذكّروا قول الله - عز وجل - {وَإِذَا مَرِضتُ فَهُوَ يَشفِينِ} [الشعراء: 80]، واتبعوا سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ففيها الخير الكثير في أمور الدنيا والآخرة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد