بسم الله الرحمن الرحيم
إن مقاومة التغريب الثقافي في حياة الأمة ليست مهمة الإعلام فحسب، بل هي مهمة شاملة.
وينبغي أن لا ينظر إلى ظاهرة التبعية الإعلامية بمعزل عن بقية ظواهر التبعية في حياتنا.
فهذه التبعية جزء من كل، بل ربما تكون انعكاساً لظواهر التبعية في الميادين الثقافية والسياسية والاقتصادية. لذلك فإن علاج التبعية الإعلامية لا يتم إلا وفق منهج شامل لعلاج أزمة التبعية بمختلف صورها وألوانها حتى تتمكن الأمة من المحافظة على هويتها الثقافية الذاتية وتعمل على تنميتها وترسيخها وتنطلق ـ بعد ذلك ـ للتفاعل مع الثقافات الأخرى: أخذاً وعطاءً.
إن الأساس الذي ينبغي أن ينطلق منه الإعلام الإسلامي في أدائه لدوره في مواجهة التغريب الثقافي هو تحرير الإعلام في عالمنا العربي والإسلامي من أثقال التبعية حتى يكون قادراً على تحمل تبعات هذه المواجهة.
ولن يتحقق هذا التحرر من أثقال التبعية إلا بإرساء قواعد متينة لنظام إعلامي جديد يستند إلى فلسفة إسلامية للإعلام تحدد إطاره الفكري العام وغايته الكبرى ووظائفه العامة والخاصة وأساليبه وطرقه ووسائله وقنواته ونظمه وسياساته. وبعد ذلك يتم تطبيق هذا النظام الإعلامي الإسلامي في الواقع العملي في ظل مناخ سياسي واجتماعي راشد يقوم على التميز الفكري وإرادة التغيير الحضاري في ظل حرية مسؤولية وتسامح مقبول.
وفي كنف هذا النظام الإعلامي الراشد يمكن للإعلام الإسلامي ـ ونعني به الإعلام المصطبغ في كل حركة من حركاته وفي كل وسيلة من وسائله، وفي كل وظيفة من وظائفه بروح الإسلام وتوجيهاته وتعاليمه وضوابطه ـ أن يقوم بدوره في مواجهة التغريب الثقافي عبر مسارين اثنين يكمل أحدهما الآخر. فمن جهة أولى يقوم الإعلام الإسلامي بتثبيت الهوية الذاتية للأمة وبناء ثقافتها المميزة وتنمية طاقاتها الإبداعيةº وذلك لأن البناء الثقافي للذات بناء قوي يسد الثغرات التي ينفذ منها غزو ثقافة التغريب إلى أجيالنا ومجتمعاتنا، وبدون هذا التحصين الثقافي الذاتي تكون الجهود الأخرى في المواجهة غير ذات جدوى.
ومن جهة أخرى يقوم الإعلام الإسلامي بصدّ عدوان ثقافة التغريب على ثقافة الأمة وفق منهج سديد يعتمد على الرصد الواعي، والتقويم الموضوعي، والتفنيد المقنع. ومع أهمية الجهد الوطني ـ الذي يقوم به أهل كل بلد عربي وإسلامي ـ في تحرير الإعلام من أثقال التبعية وتهيئة المناخ الملائم ليضطلع الإعلام بدوره المنشود في تثبيت هوية الأمة وبناء ثقافتها ومواجهة غزو ثقافة التغريب، فإن هذا الجهد قد لا يستطيع أن يؤدي الدور على الوجه المطلوب. لذا فإن تعاون أبناء الأمة في أوطانها العديدة وتكاتفهم ضرورة واقعية ـ فضلاً عن كونها فريضة شرعية ـ وعصر اليوم عصر التكتلات في الميادين المختلفة وقَدَر هذه الأمة أن تعتمد ـ بعد الله ـ على وحدة مشاعرها واتحاد جهودها لبلورة صيغة عملية لتعاون إعلامي عربي وإسلامي حتى تستطيع أن تقف على قدميها في عالم التكتلات الذي لا يرحم فيه القوي الضعيف أبداً.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد