الإعلام العربي بين الواقع والأمل !


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قد أصبح من مكرور القول أن نقرر بأن عصرنا الحاضر هو عصر الإعلام. وليس في هذا الوصف أدنى مبالغة، فقد تعددت وسائل الاتصال والإعلام، وتنوعت أساليبه، وتشعبت مجالات تأثيره، واستولت هذه الوسائل على أوقات الناس، واستقطبت اهتماماتهم، وغدت ظاهرة عالمية لا تقتصر معالمها على مجتمع دون آخر، ولا يصد آثارها الحواجز التقليدية، التي تعارف عليها الناس من حدود جغرافية أو اختلافات لغوية أو تباين ثقافي أو سياسي أو اقتصادي.

ولا بد لنا ونحن بصدد الحديث عن الإعلام العربي المعاصر وتشخيص مشكلاته وقضاياه أن نمهد لذلك بإلقاء الضوء على واقع الإعلام في عالم اليوم من حيث حجمه وسماته والقوى التي تهمين على حركته وتوجّه مسيرته.

 

واقع الإعلام الدولي المعاصر:

إن أبرز ما يميز واقع الإعلام في عالم اليوم أنه يتسم بما يسميه علماء الاتصال والباحثون الإعلاميون بـ(الاختلاف الإعلامي) بين دول العالم وشعوبه. ويتمثل هذا الاختلاف في عدد من المظاهر البارزة من أهمها:

1- احتكار الغرب لصناعة تقنية المعلومات، والاتصال والإعلام، وهي ما تسمى بأوعية الاتصال وأدواته.

2- سيطرة وكالات الأنباء الخمس الكبرى على الساحة الإعلامية من حيث استقاء الأنباء وتوزيعها على النطاق الدولي، حيث يحصل العالم على أكثر من 80% من أخباره من لندن، وباريس، ونيويورك، وموسكو. وهذه الوكالات هي: رويتر البريطانية، ووكالة الصحافة الفرنسية ووكالتا الأسيوشيتد برس واليونايتد برس انترناشونال الأمريكيتان، ووكالة تاس السوفيتية. ويتمثل الاختلال هنا في الأخبار المتبادلة بين العالم الصناعي، والعالم النامي، إذ تخصص هذه الوكالات الخمس ما بين 10% -30% فقط من أخبارها للعالم النامي كله!!

3- تميز التبادل الإخباري- أو التدفق - بين الدول الصناعية والدول النامية باختلال نوعي- إضافة إلى الاختلال الكمي- إذ أن نوعية الأخبار التي تبثها الوكالات الخمس الكبرى عن العالم الثالث تركز على الجوانب السلبية، كالكوارث، والاضطرابات، والقلاقل ونحوها، تبعاً للمفهوم الغربي للخير.

وهو ما عبر عنه أحدهم بقوله: (إذ عض كلب رجلاً فليس ذلك بخبر، ولكن إذا عض رجل كلباً فذلك هو الخبر).

4- هيمنة المادة الإعلامية الغربية، والمضمون البرامجي المنتج في بيئات غربية على النطاق الدولي. وتتضح هذه الهيمنة في المجال التليفزيوني من خلال سيطرة أربع شركات غربية رئيسة، هي وكالة الأخبار المصورة البريطانية، واليونايتد برس، والنيوز فيلم الأمريكيتان، والوكالة الألمانية- على مجال الأخبار التليفزيونية المصورة. كما تتضح من خلال حجم الأفلام والبرامج والمسلسلات والمواد الإعلامية التي تبيعها الدول الغربية- والولايات المتحدة بشكل خاص - لدول العالم.. فشركة (سي بي إس - CBS) الأمريكية مثلاً، توزع برامها وأفلامها في 100 دولة في العالم. بينما تصل شركة (إيه بي سي -ABC) إلى 60% من تليفزيونات العالم. وقد حدت هذه الظاهرة الباحث البريطاني (جيرمي تنستال- J. Tunstall) إلى تأليف كتاب هام أسماه (أمركة الإعلام) يحلل فيه ظاهرة (أمركة العالم تليفزيونيا ً)، كما ألف الباحث الأمريكي (هربرت شيلر-H. Schiller) كتابه الشهير والمثير (الاتصال الجماهيري والإمبراطورية الأمريكية).

5- توظيف العديد من القوى الدولية لوسائل الإعلام لخدمة أغراضها وأهدافها الأيديولوجية والسياسية والثقافية. ففي مجال الإذاعة المسموعة فإن الدول الصناعية الكبرى تتحكم في 90% من الموجات الإذاعية في العالم. وتقوم وكالة الاستعلامات الأمريكية بنشاط إعلامي واسع النطاق على المستوى الدولي من خلال إنشاء المراكز الإعلامية (178 مركزاً في 111 دولة) وإنتاج الأفلام السينمائية وتوزيعها (200 فيلم سنوياً)، وتوزيع أفلام الفيديو (200 فيلم سنوياً)، ونشر المكتبات التابعة لها، وبث ما بين 6 و10 آلاف كلمة إخبارية إلى العديد من صحف العالم ومجلاته. هذا بالإضافة إلى استخدام إذاعة (صوت أمريكا) الموجهة التي تذيع أكثر من ألف ساعة في الأسبوع بـ 42 لغة في العالم، وتهدف إلى بث الأخبار التي تعبر عن الوجهة الأمريكية، وتوضيح السياسة الأمريكية، والترويج لنمط الحياة الأمريكية ورموزها وتقاليدها.

بالمقابل يوظف الاتحاد السوفييتي وسائل الإعلام لخدمة أهدافه الأيديولوجية والسياسية من خلال العديد من النشاطات. وكان (لينين) من أوائل من أدركوا خطورة الراديو وقدرته على تجاوز الحدود وبث الأفكار، وكان يسميه (صحيفة بلا ورق ولا تعرف شيئاً اسمه الحدود) ويذيع (راديو موسكو) - الذي يحتل المرتبة الأولى بين الإذاعات الموجهة في العالم في عدد ساعات البث - حوالي 2200 ساعة في الأسبوع بـ 81 لغة ولهجة في العالم.

6- استغلال وسائل الإعلام من قبل العديد من أصحاب الأديان والعقائد الفاسدة والاتجاهات الفكرية، وتسخيرها لخدمة أغراضهم. فمؤسسات التنصير وجمعياته، تمتلك العدد من المحطات الإذاعية والتليفزيونية والصحف والمجلات، ومراكز الإنتاج والتوزيع الإعلامي. وتبث (إذاعة الفاتيكان)- التي أهداها (ماركوني) للبابا سنة 1931 م - برامجها عبر ست موجات قصيرة، وتصل إلى كثير من أنحاء العالم بـ 30 لغة. وتفيد الإحصاءات أن هناك أكثر من 40 محطة نصرانية في العالم تبث أكثر من ألف ساعة أسبوعياً لنشر أفكار النصرانية ومبادئها، وتسخر الصهيونية العديد من الوسائل الإعلامية للترويج لمبادئها وأفكارها، إذ تمتلك أكثر من 954 صحيفة ومجلة، تصدر في 77 دولة، ومنها 244 في الولايات المتحدة، 348 في أوروبا، 118 في أمريكا اللاتينية، و42 في أفريقيا، و30 في كندا، وخمس صحف في تركيا، وثلاث صحف في الهند، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من دور النشر والتوزيع، ومحطات الإذاعة والتليفزيون والمؤسسات المسرحية وشركات الإنتاج السينمائي. هذا فضلاً عن سيطرة اليهود على العديد من المحطات والشركات والصحف والمجلات في العديد من دول العالم. أما (إذاعة صوت إسرائيل) فتضم خمس محطات، وتذيع على خمس عشرة موجة عبر ست عشرة لغة عالمية ومحلية، وتقدر مدد البث بـ 276 ساعة في الأسبوع.

 

مظاهر التبعية الإعلامية في العالم العربي:

لا شك أن هذا الواقع الإعلامي على المستوى الدولي بما يمثله من هيمنة وسيطرة غربية محكمة، قد ترك آثاراً سيئة على وسائل الإعلام ونظمه في العديد من دول العالم النامي. وكانت دول العالم العربي والإسلامي ضمن هذه الدول التي تأثرت بهذا الواقع الإعلامي، واكتوت بناره وعانت- وما تزال تعاني من سلبياته ومشكلاته.

ولن نجانب الصواب حين نقول: بأن واقع الإعلام في عالمنا العربي والإسلامي يشكو من مرض بالغ الخطورة، يتمثل فيما يمكن أن نسميه بـ (التقليد والتبعية) مع استدراكنا بأن هذه الظاهرة المرضية تبدو بدرجات متفاوته في دول العالم العربي والإسلامي، التي ما تزال تبحث عن ذاتيتها وشخصيتها المستقلة، وترنو إلى الوصول إلى تميز حضاري، يتوافق مع ما تؤمن به من رسالة خالدة، وما تضطلع به من مسؤولية عظيمة، لا تقتصر حدودها على مجتمعاتها المحلية فحسب، بل تمتد إلى آفاق العالم الرحبة، وقيادة الإنسانية إلى النور والخير، ومصداقاً لقوله - تعالى -: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتهون عن المنكر وتؤمنون بالله) (آل عمران: 110).

ويمكن إيجاز الأعراض التي تدل على الظاهرة المرضية التي أسمينها بـ (التقليد والتبعية) في واقع الإعلام في العالم العربي فيما يلي:

1- الاعتماد على التقنية الأجنبية، والخربة الأجنبية، في بناء وتسيير البنى الأساسية للإعلام، وفي العديد من الدول العربية والإسلامية.

2- استعارة المفاهيم والنظم والنظريات الإعلامية الغربية التي أصبحت تمارس في واقع العمل الإعلامي، وتدرس في المعاهد والجامعات في العالم العربي والإسلامي.

3- استيراد المواد والبرامج الإعلامية من الدول الغربية. وهي لا تنبع من قيم ومبادئ وتقاليد المجتمعات الإسلامية، ولا تلبي حاجاتها ولا تعالج مشكلاتها وقضاياها، فضلاً عن أنها تروج لأفكار الغرب وحضارته وتقاليده وقيمه.

4- تسييس الإعلام وتسخيره لخدمة الأغراض السياسية والحزبية في كثير من دول العالم العربي والإسلامي، مما أفقده القدرة على الحركة والحرية والإبداع. وخلا الميدان - بذلك - من المخلصين والمبدعين، وأصبح مليئاً بالمقلدين والمهرجين والمرتزقة!!

5- تضخم الوظيفة الترفيهية لوسائل الإعلام، حتى طغت هذه الوظيفة على الوظائف الأخرى، مع اشتداد حاجة المجتمعات العربية- وهي تخوض معركة التنمية والبناء والتغيير- إلى توظيف وسائل الإعلام لخدمة أغراض هذه المعركة الحضارية والاجتماعية الحاسمة، ولا شك أن وسائل الإعلام - متى ما أحسن توجيهها - ستسهم بنصيب وافر ومؤثر في هذه المعركة.

6- ضعف الاهتمام بالجوانب الفكرية والعلمية للإعلام، مما كان له أثر في عدم توفير المناخ الملائم لتطوير الفكر الإعلامي العربي المسلم، الذي يتميز عن غيره ويختلف عما سواه في أصوله ومنطلقاته وأهدافه وغاياته، وطرق ممارسته، بما يتفق مع توجهات المجتمع وحاجاته، وبما ينسجم مع السياق الفكري والاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمعات العربية في مرحلتها التاريخية التي تعيش فيها.

 

التحرير من التبعية ضرورة ومطلب:

إن تحرر الإعلام العربي وتخليصه من التقليد، ضرورة لازمة، ومطلب حضاري لا غنى عنه. وليس هذا التحرر ببدع على إعلامنا العربي، فهو مطلب مشروع للدول النامية بشكل عام. وقد أقرت هذا المطلب اللجنة الدولية لدراسة مشكلات الإعلام المنبثقة عن هيئة اليونسكو في وثيقتها رقم (32) حيث تقول: (إن تحرير وسائل الإعلام الوطنية، لهو جزء لا يتجزأ من الكفاح الشامل من أجل الاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الذي تخوضه الغالبية العظمى من شعوب العالم، التي لا ينبغي أن تُحرم من حقها في بث الإعلام، وتلقيه بطرق موضوعية سليمة. ويتساوى الاستقلال إزاء مصادر المعلومات، في أهميته مع الاستقلال التقني، لأن التبعية في مجال الإعلام تؤدي بدورها إلى تعطيل النمو السياسي والاقتصادي).

وبالإضافة إلى كون هذا التحرر للإعلام العربي من التبعية مطلباً مشروعاً في ضوء مقررات ومبادئ الهيئات الدولية، فإنه- قبل ذلك وبعده - ضرورة لازمة، لأن الامة التي يعبر عنها الإعلام العربي ويخدمها هي أمة متميز، لها وضعها الخاص، ولها رسالتها الفريدة، فقد اختيرت لتكون أمة تحمل أمانة الإسلام، فتلتزم به عقيدة وشريعة، وتبلغ عنه دعوة وتبشيراً. ومن طبيعة الرسالة الإسلامية أنها رسالة عالمية لكل البشر، وما أشد حاجة الإنسانية اليوم إلى الإسلام، لتؤوي إليه تثوب إلى كنفه فيعطيها الأمن والسعادة ويحقق لها ما تصبو إليه من آمال، وما تتطلع إليه من طموحات.

إن تحرر الإعلام العربي من التبعية ليس حاجة وطنية وقومية فحسب، بل هو - بالإضافة إلى ذلك - حاجة إنسانية دولية. وهاهو العالم اليوم يصارع من أجل إيجاد نظام إعلامي عالمي جديد، يكسر احتكار القوى المتسلطة، ويوفر الفرصة لتحقيق توازن إعلامي رشيد. فهو إذن- يدرك تهافت النظام الإعلامي الحالي، ويعترف بقصوره، ويسعى إلى إسقاطه، ويبحث عن بديل له. وفي تصوري، أننا- نحن العرب والمسلمين - نملك القدرة على الإسهام الإيجابي الفعال في إيجاد ذلك البديل، الذي تبحث عنه الإنسانية في عالم اليوم. ولا نقول هذا الكلام من قبيل المبالغة والغرور الذاتي، بل هي الحقيقة التي يقررها الواقع. فقد جرب العالم كثيراً من الحلول، وطرق كثيراً من المنافذ، بحثاً عن الخلاص، ولكنه عاد خائباً محملاً بمزيد من المشكلات والمتاعب.

وفي يقيننا أن الإسلام - بمنهجه الرباني الثابت، وقدرته على التجدد والمرونة في آن واحد - قادر على أن يقدم الأصلح لعلاج المشكلات الدولية في مجال الاتصال والإعلام.

 

الإعلام العربي والأمل المنشود:

إن تحرر الإعلام العربي من التبعية والتقليد، هو الأمل المنشود الذي يتطلع إليه كل مخلص غيور. ولن يتحقق هذا التحرر إلا عندما تتوسع دائرة الاعتماد على الذات في جميع ميادين الإعلام: صناعة، وفكراً، ونظاماً، وممارسة. ولا بد - بادئ ذي بدء- من الإيمان العميق بأن نقطة الانطلاق في حركة تحرر الإعلام العربي من التبعية، تمكن في الإقرار العملي بأن النشاط الإعلامي- بمختلف صوره وأشكاله وأنماطه- إنما ينبع من التصورات العقدية والأيديولوجية للمجتمع الذي يعمل فيه، وينطبع بالقيم والتقاليد، ويتأثر بالظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لذلك المجتمع. ولذلك فإنه من الضرورة أن نعمل على صياغة نظام إعلامي عربي إسلامي مميز في روحه وجوهره، ومنطلقاته، وأهدافه، ونظمه، وقوانينه، وطرقه وأساليبه.

ولاشك أن الإسلام - بفكره وقيمه ومبادئه وحضارته- هو الأصل الذي ينبغي أن يصدر عنه ذلك النظام الإعلامي المنشود، وهو الأساس الذي ينبغي أن يستند إليه صياغته للنشاط الإعلامي، وتحديد أبعاده ووظائفه ومسؤولياته في المجتمع العربي. كما أن هذا النظام المنشود لا بد من أن يتفاعل مع الواقع الذي تعيشه المجتمعات العربية، وتتبلور أسسه وتنظيماته وممارساته بما يخدم مصالح هذه المجتمعات وحاجاتها، وبما لا يتعارض مع قيمها الأصيلة، وعاداتها وتقاليدها الصالحة، التي تعطيها التميز والاختلاف عن غيرها من المجتمعات التي تؤمن بالفلسفات والأفكار المادية الوضعية.

إن تحرير الإعلام العربي من ربقة التبعية والتقليد، والارتقاء به إلى مستوى الإبداع والاستقلال والذاتية، عمل شاق وكبير. ولذلك لا بد من أن تسهم في تحقيقه مختلف الفئات والجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالنشاط الإعلامي، سواء على المستوى السياسي، أو المستوى العلمي الأكاديمي، أو المستوى العملي المهني، أو المستوى الاجتماعي والاقتصادي. حسبنا في هذه العجالة أن نشير إلى بعض النقاط الهامة التي نعتقد أن عملية التحرير تنطلق فيها عبر المستويات المختلفة:

(أ) فعلى المستوى السياسي، لا بد من أن تؤمن الحكومات والأنظمة السياسية العربية بأهمية أن يكون نظام إعلامي عربي له شخصية الذاتية، وأن يركز هذا النظام على مبادئ الإسلام وقيمه، ويلي الاحتياجات الحقيقية للمجتمع، ويقوم على أكتاف مواطني ذلك المجتمع. ولا بد من أن ترسم لهذا النظام استراتيجية عامة واضحة المعالم، وسياسات عملية تقوم على أسس عملية واقعية، وأن يتمتع النظام بشيء من الحرية والمرونة التي تحقق المصلحة العامة، وألاّ يكبل النظام بالبيروقراطية والروتين.

(ب) وعلى المستوى الاجتماعي والاقتصادي، لا بد من العمل على تغيير النظرة التقليدية الدونية للنشاط الإعلامي التي تسود المجتمعات العربية. ولا بد من إقناع القطاع الحكومي والقطاع الأهلي بأهمية الاستثمار الاقتصادي في ميدان الإعلام، إذ أن النشاط الإعلامي اليوم- في كافة صوره ومستوياته - نشاط مكلف اقتصادياً، مما يتطلب معه أن ينفق عليه بسخاء، وأن يحظى بالعناية القصوى والاهتمام الكافي.

(ج) وعلى المستوى الأكاديمي، لا بد من العناية بافتتاح وتدعيم كليات وأقسام، ومعاهد التدريس الأكاديمي للإعلام في كل قطر عربي، ولا بد من أن تتوافر لهذه الكليات والأقسام والمعاهد الإمكانات البشرية والمادية الملائمة، التي تجعلها تستطيع القيام بمهمتها في إعداد وتهيئة الكفايات (الكوادر) الإعلامية المتخصصة، التي تسهم في دفع عجلة النمو الإعلامي، وتعمل على تحقيق سياسة الاعتماد على الذات. كما أن هذا الاهتمام بالكليات والأقسام والمعاهد الإعلامية الوطنية، سيقلل من كثرة الإبتعاث إلى الخارج والذي يعد - بصورته الحالية- تكريساً لحالة التبعية والتقليد، التي يعيش فيها الإعلام العربي المعاصر. ولا ينبغي أن تقتصر مهمة هذه الجهات الأكاديمية على الإعداد الأكاديمي والمهني الصرف، بل لا بد لها من أن تعنى بالإعداد الفكري والأخلاقي المتميز للكوادر التي تخّرجها..

(د) وعلى المستوى المهني الواقعي، لا بد من أن يستشعر العاملون في الميادين الإعلامية المختلفة - سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الأهلي - مسؤوليتهم العظيمة التي يضطلعون بها. ولا بد من العناية بحسن اختيار المسؤولين والعاملين في المؤسسات الإعلامية التوجيهية، وتنقية الساحة الإعلامية من الدخلاء عليها، كما أن توفير فرص التأهيل والتدريب للعاملين في القطاع الإعلامي يعد مطلباً أساسياً في سبيل تكوين وتهيئة كوادر إعلامية ذات قدرة وكفاءة وتميز.

 

التعاون العربي لتحقيق أهداف التحرر الإعلامي:

عربي. بل لا بد من أن يتكامل هذا الجانب المحلي مع الجانب العربي على المستوى القومي، فنحن أمة واحدة ذات رسالة متطابقة وهموم مشتركة وآمال متوافقة. ولا شك أن التعاون الإعلامي فيما بين دولنا العربية يعد جزءاً من سعينا الحثيث نحو الوحدة والتكامل في شتى المجالات والميادين. بل إن الوحدة العربية والتكامل العربي خطوة ممهدة للوحدة الإسلامية والتكامل بين دول العالم الإسلامي وشعوبه، حتى يصدق فيها قول الله - تعالى - في كتابه العزيز: (وإنّ هذِهِ أُمَّتُكُم أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبٌّكُم فَاتقون) (المؤمنون: 52).

وليس التعاون الإعلامي العربي الذي ندعو إليه ببدع في واقع العالم المعاصر. إن كثيراً من الأمم والدول اليوم تسعى إلى أيجاد صيغ قومية وإقليمية للتعاون فيما بينها في مجالات متعددة. ولو اقتصرنا على المجال الإعلامي لما أعوزتنا الأمثلة والشواهد الحية التي تؤكد لنا هذه الحقيقة، فدول الكتلة الغربية تتعاون فيما بينها عبر العديد من المؤسسات الإعلامية المشتركة، ودول الكتلة الشرقية تتعاون فيما بينها أيضاً عبر بعض الهيئات المشتركة.

ولسنا هنا في مقام إنكار وجود عدد من المؤسسات والهيئات العربية المشتركة التي تسهم في توفير مجالات متنوعة للتعاون والإعلامي بين الدول العربية، ولكننا نحس أن ما تحقق من خلال هذه المؤسسات ما يزال ضئيلاً، ولا يرتقي إلى مستوى طموحات المخلصين من أبناء هذه الأمة في مختلف أقطار العالم العربي.

ولا شك أن هذه المؤسسات العربية مثل اتحاد إذاعات الدول العربية، واتحاد وكالات الأنباء العربية، وأجهزة التعاون والإعلامي الخليجي المتعددة، تستطيع أن تقدم الكثير مما يحتاج غليه الإعلام العربي لتطويره وتنميته والارتقاء بمستواه. كما أن المؤسسات العملية والجامعات العربية التي تحتضن أقساماً للإعلام ينتظر منها الكثير مما لم تستطيع تحقيقه حتى الآن.

وسوف نؤكد باستمرار على أهمية أن تخطى قضية تحرير الإعلام العربي المعاصر من ربقة التبعية والتقليد بمختلف صورها باهتمام المسؤولين والعاملين في الميادين الإعلامية المتنوعة والإعلاميين، وأن تلقى من العناية ما تستحقه في ضوء تزايد خطورة وسائل الإعلام في المجتمعات العربية، وتعاظم قدرتها على التأثير على الأفراد والجماعات، سلباً كان هذا التأثير أو إيجاباً.

كما أن التحديات التي تواجه الأمة العربية المسلمة في الوقت الراهن سواء على المستوى السياسي، أو المستوى الفكري، أو المستوى الاقتصادي تفرض علينا أن نعمل على تسخير كافة إمكاناتنا ووسائلنا لمواجهة هذه التحديات الخطيرة، وخصوصاً ونحن ندرك أن أعداءنا قد استغلوا وسائلهم وإمكاناتهم الإعلامية لخدمة أغراضهم، وركبوا مطية الإعلام ليكون سلاحاً فعالاً من أسلحتهم لحربنا في عقيدتنا، وفكرنا، وانتمائنا، وفي وجودنا، ومعركتنا في البناء والتنمية. إن الإعلام اليوم أمضى الأسلحة في الصراع الحضاري الذي تدور رحاه في دنيا اليوم، وأن الأمة التي لا تمتلك إعلاماً قوياً فعالاً ينبع من شخصيتها الحضارية ويلبي احتياجاتها ويسهم في معركتها، هي أمة خاسرة في عالم لا مكان فيه إلا للأقوياء.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply