الأحزاب حول المدينة فأينه سلمان ؟!


بسم الله الرحمن الرحيم

مضى الربيع سريعا يا إخوتي...

و هاهي أجنحتنا تصارع الريح و تتكالب عليها الغربان و الكواسر...

و يصعب التفكير في النهايات...

هذه هي الأرض تطبق على صدورنا، يتداعى منها علينا الحاقدون من كل حدب و صوب...

هو الخندق يا سلمان فأعطنا معولك...

و المحيطون بمدينة العقيدة سوار من حديد محمى...

حقد القرون يا إخوتي و ثارات قديمة قدم هزائمهم...

و ريشنا هذا المتطاير في كل قفر، لا قلب يرق و لا عين تطرف...

و الأخدود...

و الله ربنا و لا رب للحاقدين زارعي الغرقد و رؤوس الشياطين...

و أمهاتنا المختمرات بدموعهن و أحلام أبنائنا المذبوحة...

اضرب يا سلمان ففي انقداح نار الصخرة الكبرى تأتي بشائر المد التي تجلدنا فوق أسوارها...

و يا سلمان اضرب فبين معولك و صخرة الخندق تشيح الوجوه الكالحة بالظلم و بغض المنان...

و يا سلمان يا سلمان يا سلمان يا المتخندق في قلوبنا و في تاريخنا علمنا كيف نحفظها المدينة من القابعين تحت خيام يضربها الريح حولها...!!!

مضى الربيع سريعا يا إخوتي و عادوا مع عواصف الشتاء يقرعون الأبواب بأحذيتهم الخشنة...

يركبون الخنازير و يتوضؤون بالدم و يذبحون نوق المصلحين...

و هذا قدار بن سالف في شدقيه الخمرة و في عينيه النار...

و المدية الرعناء تسافر في كبد الآية المرسلة...

لا مكان للآي في قلبه و لا مكان للآي في عينه و لا مكان للآي في صورة يرسمها للأرض...

مضى الربيع و زمن الصحو سريعا، و هذه البيادر التي جمعنا تطيّرها ريح السموم...

هذه اللوحة التي رسمنا تطمسها الأيدي الرعناء...

و لا بد من خندق فأين سلمان؟!

هذه دموع أكف أمهاتنا يا إخوتي تمسح شيئا عن عيون أبنائنا المروعين...

هذه عيون أبنائنا تبحث في الزوايا عن حقيقة بعد أن ضببوا فيها الحقيقة و صوروا لهم آباءهم بالفحم...

مساكين هم أبناؤنا يتصفحون وجوهنا كل مساء بحثا عن يد يقين تنقذهم من موج الشك...

يقلب الواحد منهم وجهه في وجوهنا و يكاد يسأل: (أنت يا أبي الملاك أم الشيطان؟... أراك يا أبي في المحراب تريق دمعك و مثل شمعة تضيء...

و تبسط في كفك يا أبي كف يتيم لترسم بشيء تدسه في الكف الصغيرة بسمة على الشفتين الصغيرتين...

أراك يا أبي تحب الله و الملائكة و ترحم المتوجعين دون دواء في ليالي البرد و الحزن، و تهدي لِحافٍ, مشرد يعبر حينا رمش عينيك إن لم تجد في جيبك ثمن حذاء...

لكني قرأت عنك في كل الجرائد الوافدة و سمعت في كل إذاعات الموجات القصيرة كلاما لا أحكيه...

فهل أنت يا أبي ما أرى أم أنت ما أسمع؟!

و القرآن يا أبي هل هو كما كنت تقول لي دائما أن السماء لا تكون زرقاء إلى فوق الذي يضمه أم أنه يا أبي كما يقولون من السماء نزل و إلى السماء يجب أن يعود، لأن الأرض لقيصر؟!

و عينا ابنك هذا الصغير الذي هو أنا تدور يا أبت بين المشرق و المغرب فولني يا أبت قبلة أرضاها...

هذه يا إخوتي بعض نبتات الشك التي غرسوها في القلوب...

فمن نحن؟!

و ما هذا الذي بأيدينا و قلوبنا؟!

الآيات الطرية المتلألئة...

و هذه الأيدي الممتدة بالعرض المغري...

نبيع يا إخوتي مثلما باع الكثيرون؟! فدعونا إذن نبحث عن جواب لمنكر و نكير في أول ليلة في القبر...

دعونا نفكر في جواب لنعبر الصراط...

و بلال حجة الله علينا...

بلال لم يبع...

وهبوا للرمضاء شحم ظهره و صدره للحجارة...

و وهبوا للسوط جراحه النازفة...

ترانا نبيع...؟!

تعالوا نعد بأصابعنا...

سنة ستمر...

سنتان ستمران...

ثلاث سنوات و مائة....

و بعد المائة؟!

من من قارئي رسالتي أو سامعيها سيكون ظله فوق التراب بعد مائة عام؟!

سنكون هناك يا إخوتي...

هناك يلتقي المتربصون خلف أسوار مدينة الله، و الممسكون قلوبهم داخلها ممن تداعت عليهم جحافل الشر و فلول الظالمين...

هناك لا تسمع إلا همسا...

فهل نبيع يا إخوتي أم يعمد الواحد منا إلى يده ليقطعها كي لا تقدم لهم الكتاب المُنزل

و تقبض ثمنه...؟

مضى الربيع و كنا تعاهدنا أننا النخل...

لا يسترحم قاطعه و لا يهتز لغير أذان الحرم...

تذكرون كم تحلقنا حول أبينا ذاك الذي مضى و نحن أحوج ما نكون إليه؟!...

كان صوته دافئا كصدر أم، و كانت نصائحه تضمنا خوفا علينا كجناح حمامة مضروب على أفراخها.

فمن يهز نخل الذكريات قليلا لتساقط علينا كلمات ابن باز و نحن حوله يمد يدين نحيفتين و يصنعنا كأواني من فخار...

بماء العقيدة عجننا الشيخ فكيف يدعي المدعون اليوم أننا بغير لون يد الشيخ...؟!

يا إخوتنا...

لكَم قتل في جبال المقدس من أنبياء و لكم أدمي من رسول...

هذه قطرات دم محمد - عليه الصلاة والسلام - في تراب الطائف فتلمسوا ترابا قريبا من بستان هناك تجدون قطرات جفت عليه من رجلي الحافي الطيب الذي جاءهم بالزهر فقابلوه بالخنجر...

و في جبل مؤاب و درب الجلجلة و كهوف حول بيت المقدس دماء لعابرين بالخير من هناك.

فلماذا تستنكرون اليوم خناجر قاتلي الأنبياء في جلودنا و نحن ورثة ما جاء به الأنبياء؟

فإن لم نكن نحن الذي ورثنا عن المرسلين الهدي في قلوبنا و الخنجر في ضلوعنا فمن من بين الأمم؟

هذه الشمس الطالعة في هذا الكتاب الذي لا ريب فيه،

أليست كافية لتداعي نافخي الشمس الذين ما فتئوا ينفخون أشداقهم بريح الحقد يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم؟!

فلماذا نقلب أيدينا و نقول إنها لفتن تجعل الحليم حيران؟

فبالله أينها الفتنة و أين ما تضيع فيه نوق الحقيقة؟!...

هذه هي البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك...

تراتيل سفينة الحق و عواءات موج الباطل...

هذه هي البيضاء...

الكعبة و الفيلة...

الشمعة و النافخ...

النخل و العاصفة...

الظهر و السوط...

العين و المخرز...

أو لنسمها صريحة: المصحف و النار...

و لن يرقّ لحالنا اليوم عداس و في قلوب أبنائنا و أمهاتنا صرخة محبوسة...

فهم مفجوعون فينا، يحبسون دمعة يرسمونها كل يوم حين يودعوننا صباحا و يمسحونها مساء حين نعود إليهم سالمين...

فهات المعول أخي فإني أرى عيونهم الزرقاء حول المدينة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply