سؤال فوق العادة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

بخط رديء كتب على السبورة الخضراء، التاريخ السابع عشر من شهر رمضان لعام شاهد ومشهود بعد قتل التوأم السيامي خلف المحيط. عنوان الدرس \"الصلاة\".

محيط الفصل مستطيل و يجلس التلاميذ على الجانبين و كأنهم في حافلة، أشياء كثيرة في هذا الفصل مستطيلة: اللوحات، الإضاءة الحائطية، ممسحة السبورة، وجه المعلم، النوافذ...

بعد أن فرغ من كتابة عناصر الدرس استدار ليواجه الفسائل الخضراء وشرع يشرح بنفس مطمئنةº فلا أسئلة من العيار الثقيل تندفع لتمحص قدراته. على هذا النحو منذ أن خنقه السلك التعليمي. قاد معلم الصبية تلاميذه بنجاح في تحقيق متطلبات الدرس إلى أن وصل إلى جزئية من لا تجب عليه الصلاة.

المجنون يا أعزائي لا تجب عليه الصلاة حتى يفيق بزوال حالة الجنون التي كان عليها.

رفع أحد التلاميذ يده.

معلم الصبية متجهمًا: لن يخرج أحد من الفصل تحت أي ظرف كان، فاخفض يديك يا بني.

أصر التلميذ على موقفه وظلت يده تلوح في الهواء.

لم يدر في خلد معلم الصبية أنه يريد أن يسأل، فالخوف منه يكمم الأفواه. تدخل حصته ليطبق عليك جو كئيب متمثل في قائد كتيبه عسكرية بوظيفة معلم، صارم في تعامله لا يسمح بالمسموح يلقي ما في الكتاب ويغادر بصمت.

اقترب منه مقطب الحاجبين: ماذا تريد (يا معتز)؟ فقد أربكت الحصة وشوشت على زملائك. توجهت أنظار الفصل إلى السائل، لم يشعر (معتز) بالخوف فقد أمدته تلك النظرات بإحساس آخر: لدي سؤال يقلقني يا معلمي وهو مرتبط بشكل رئيس بالدرس.

فك معلم الصبية الصراع الدائر بين حاجبيه واستقامت التعرجات التي انتابت جبهته، تراجع للخلف سبع عشرة خطوة و تراجعت معه خبرة سبعة عشر عاماً. حك جدار عقله عله يفلح في تذكر آخر مره سُئِل فيها. هز الطبشورة التي في يمينه وأشار إلى معتز: من حقك أن تسأل و عليَّ أن أجيب.

يقول الناس عن ابن خالتي إنه مجنون ولكنه يصلى الفروض الخمسة في المسجد فهل أخبره أنها لا تجب عليه علماً أنه لا يأتي بفعل المجانين أمامي؟

ضيق معلم الصبية عينيه وازداد وجهه المستطيل استطالة وتحولت حلمات لسانه إلى علامات استفهام: ما السبب الذي جعل الناس ينعتونه بالجنون؟

إنه ينادي في الناس بشيء اسمه الجهاد فيضحكون عليه وينعتونه بالجنون. فهل الجهاد مرض يصيب الإنسان وينقله إلى حالة الجنون؟

تخلى معلم الصبية عن هيبته المعتادة وضحك ملء فيه والكل في حالة ذهول. هدأ قليلاً ومسح بمنديله الدمع الذي صاحب ضحكاته. استرجع السؤال ليزلزل زلزالا ًعظيماً و يحتشد في الفصل أكثر من ألف وأربع مئة عام على صدر كل عامٍ, كتب بخطوط متنوعة ولغات حية وميتة (الجهاد ماضٍ, إلى يوم القيامة). لم تَقوَ قدماه على حمله، جلس على الكرسي، شحن عقله ببطارية عمرها ممتد. حرك شاربه فالتصقت في يده شعرة، تبادر إلى ذهنه أن بين الجهاد والجنون شعرة اسمها مكافحة الإرهاب، قطع الصمت صوت الجرس، غداً أجيبك عن سؤالك يا بني.

انتهى اليوم و انتهى يوم آخر ولازال (معتز) ينتظر غداً الذي يسمع فيه الإجابة عن السؤال.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply