تأتي ليلى ....!


بسم الله الرحمن الرحيم

تريد أن ترى ما حولك يسير بطريقة صحيحة... أنت لا تستطيع أن تتحكم بما حولك.

 

يحزنـك التناقـض.. التناقض فعلا محزن. هل اخترقك التناقض يوما... هل جربته؟ هل أحسست به، صوتا يصرخ في أعماقك، يتقلب بعنف، يمد يدا، ويحاول أن ينتزع بدموية، (قناعا) عن وجهك. هل مزقك الصراع بين الشهوة والمثال... ؟ هل تمزقت بين ما تريد، وما يراد لك.. ؟

 

هل تستطيع أن تفسـر، لماذا حينما تــرى عصفــورا، تسيطــر عليك رغبــة خفية بأن تقذفه بحجر.. ؟

 

تتمنى لو تصطاده، لو تقتله. شهوة القتل فقط، هي التي تتملكك لحظتها، شهوة الاقتناء والتملك، شهوة الاستحواذ على الأشياء، شهوة أن تكون.. أنت وحدك.. ولا أحد سواك.

 

هل تستطيع أن تفسر، لماذا حينما ترى زهرة جميلة، تتأجج فيك الرغبة بأن تطبق يدك عليها، أو حينمــا ترى مساحة خضراء، لا يبقى في عقلك، الظاهــر والباطــن، إلا العطش لأن تدوسهــا، وتدوسها... ؟ وتسكرك اللذة والناس يتفرجون عليك.. لأنك وحدك. هل قال لك أحد أنك نتاج (ثقافة فردية)... تمجد الألم، الذي يقع على الآخر.. المخالف.. ؟

 

هل تعرف أين يبدأ الخلل؟ حينما يكون هناك اختلال في أولويات النسق القيمي... حينما تتقدم الشهوة على القيمة.. حينما تتخطى الرغبة المبدأ.... حينما تصر بأنانيه، أن تمارس لذة فردية عابرة. هل شعـرت بـ (ذات) التناقض، وأحسست بـ (القناع)، وأنت تقول لامرأه: أنا أحبـك؟ وأحترم حقوقك. هل تعرف الجسد...؟ هو المحرض على كل خطيئة. هل تعرف الروح.. ؟ هي التي ندعيها كذبا، وعيننا على الجسد. حينما تخلو إلى نفسك بعد كل حالة تناقض... بماذا تحدث نفسك... ماذا يعتريك؟ حالة من الندم، أم نشوة مسكرة؟

 

- هل تخاطبني.. ؟... سألني. لم أجبه... - يا رفيقي.. هل تصدق... أخاطبه؟... قال: ماذا؟ صرت لا أطيق أجواء المدينة، تخنقني أضواؤها، أنفر من أسواقها. أخاف الشوارع، وأكـره أن ألتفت حينما أقـف بسيارتي عند الإشارات، وامتنعت عن التحديق في السيارات الواقفة بجانبي.

 

أصبحت أرى بداخلها (تماثيل) بيضاء... بعضها جميل، لكنها باهتة كالزجاج الشفاف. نظــراتها بلهاء، تتمدد في الفراغ، مثل طوابير العاطلين عن العمــل... عدوانية... غوغائية، غرائزية.. مستفزة.

 

أنا يا صاحبي، أنفر من طوابير العاطلين.. ولا أحب التماثيل، ولا النظرات البلهاء، ولا الغرائز الغوغائية، وسلوكها العدواني... ولا اللذة العابرة. أنا لا أبحث عن (نظرة) تعطل تفكيري... أتوق إلى صوت، يفجر كوامن الإبداع في داخلي. يحيطني بعينيه... يجمع لي النور بإحدى كفيه، ويضع الأخرى على فم المكيف، ليحد من ضجيجه... ليستحثني على التأمل، ويمنحني القدرة على الكتابة. يتأملني وأنا أخط تلك الكلمة.. ويرقبني وأنا أشطب الأخرى... ثم بعد أن انتهي، وأحس ببرودة العرق في جبيني، ينسكب علي دافئا، كبقايا شمس في يوم بارد.

 

- قال: عن ماذا تبحث؟... قلت عن ذاتي...

 

- هل تفقد ذاتك؟

 

- لا... ولكن الذات تظل في حال عدم استقرار، حتى يصطلح لديها العقل والقلب.

 

-.. ولماذا لا يحدث ذلك.. ؟

 

- لأن العقل والقلب، كمكونين للذات، لا يقومان بنفسيهما. يظلان في حال (صراع)، حتى تأتي ذات (أخرى) تؤلف بينهما. الذات الأخرى لا تغلب طرفا على طرف، ولكنها تضفي حالا من الوئام.

 

- هل تعني أن الذات لا تقوم بنفسها... ؟

 

- لا... الذات قد تقوم بنفسها، لكنها تكون، أسكن ما تكون، إذا ذابت في ذات أخرى.

 

-... ومتـى تذوب الذات في ذات أخرى؟

 

- حينما تتوحد الغايات، ويكون الهدف هو الهدف.

 

- كيف... ؟

 

- حينما تحس كل ذات أن ما تقوم به الذات الأخرى، هو نفس ما يمكن أن تقوم به هي.

 

- أليس ذوبان الذات في الذات، تضييـع لمعالم إحــدى الذاتين لصالح الذات المسيطرة؟ بعبارة أخرى، ألا يؤدي ذوبان الذات في الذات الأخرى، إلى تبعية تلك الذات للأخرى المسيطرة، تبعية عمياء؟

 

- لا... إن المشكلة أحيانا تنشأ من تعريف التبعية. اتفـاق الذات مع الأخرى لا يعني تبعيتها لها، ولا يعني انسياقا أعمى وراءها. إن وحدة الهدف وتوحد المشاعر، يخلق ذاتا تطير بجناحين. ذات لا تتمزق حينما تحلق في فضائها، ولا تنقسم حينما تأوي إلى مستقرها.

 

- إني أشفق عليك من الاحتراق في عالم (المثال)، في هذا الزمن، الذي تزدهر فيه إعلانات (العزاء) و (التهاني)، المدفوعة الثمن.

 

- لماذا كلما حدثتك عن الحلم، صفعتني بالواقع.. ؟

 

- الواقع.. ؟ ما علاقة هذا بصوت (وقع) الحذاء، على أرضية رخامية ملساء، في بهو طويل، تنتصب فيه أعمدة عالية، تتأبط بشتك، وكلما لامس أذنك صوت قرع الحذاء، تشبثت أكثر بمشلحك، وشعرت أكثر بطول مسيرتك، التي لا تنتهي عند الباب الخشبي الفخم، الذي انتصب بمهابة في نهاية الممر. تمشي ولا شيء حولك يحمل معنى الحياة، إلا رائحة المقاعد الجلدية الوثيرة، التي صفت بترتيب متعمد في فناء قبالة الباب. في إحدى زوايا الفناء إناء يحتضن زهورا اصطناعية، وفي الزواية الأخرى مرآة. ربما لترى وجهك، وتبصر كيف أن كل شيئا مصطنعا، بما في ذلك وجهك، الذي خلا من أي نبض حي، كقطعة بلاستيك، وليس فقط مشاعــرك وسلوكك.. ومسيرتك الطويلة. -................ - عندي لك (أسماء) كثيرة لكني أخاف عليك منها... -........ - ما نوع سيارتك... أعرف أنها ليست (شبح)... وأن حلمك ليس في العقارية، ولم تقطع التخصصي جيئة وذهابا، بحثا عنه.. ولم تحمل مبخرة يوما ما. انتهت القصة... هل تريد أن توقعها باسمك مجردا، أم الدكتور... ؟

 

-.............. - لا.. لا تسء فهمي، أنـا لا أقصد أن أقول أن حصيلتك، وحصاد عمرك، ورقة شهادة، لم تضف شيئا، إلا حرفا يتقدم اسمك، وما سوى ذاك... - لماذا كلما استيقظ الحلم حاصرته بالشكوك عبث... كل ما أنت فيه عبث. الصوت.. ماذا يعني لك الصوت... ؟ على أي شيء هم يصطرعون.. ؟ إلى أين تهرب... ؟ إلى ذاكرتك... أم إلى تاريخك... ؟ ماذا بقى لك غير الذكريات المرة.. تلوكها.. لك ذكرياتك... ما أنت إلا مشروع إنسان فاشل... ظامئا.. جائعا.. تبحث عن (الفراغ)، الذي صنعت منه مثــالا جميلا، موجود فقط في ذاكرتك المثخنه.

 

فأنت من الفراغ.. إلى الفراغ... ومثالك وهم مملوء بالفراغ. تريدها كما تشاء.. ألم أقل إنك مشروع إنسان فاشل.. ؟ ماذا حققت خلال سنواتك العشر الماضية..؟ تقدم مثالا للعطاء والتضحية..؟ أنت أول من يعلم أنك فيه المستثمر الخاسر.لا أحد يريد أن يدخل في لعبـة التضحيــة السخيفــة. ولا أن يصــدق خرافة العطاء.. ألم أقل إنك صانع وهم هاو.. غير محترف.. ؟ لماذا لا يأتي الصباح.. ؟ لأنك آمنت بمفهوم الإنسان الشمعة. لماذا لا يأتي الصباح.. ؟ لأن بريق (الدولار) يكفي...

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply