موكب السلطان


 

بسم الله الرحمن الرحيم

مسرحية من فصل واحد

 

المكان: بيت لعائلة في بلد عربي.

الزمان: العصر الحديث.

الأشخاص:

- خالد: وهو صبي في التاسعة من عمره.

- جد خالد: وهو رجل عجوز.

- أسامة: وهو صديق خالد وزميله في المدرسة.

(يرفع الستار على الجد وهو جالس في الغرفة وحده.. الحزن بادٍ, عليه.. ثم يرفع يديه ويتوجه بالدعاء إلى الله).

الجد: يا رب اشفِ ابنتي أم محمود.. يا رب أخرجها بالسلامة من المستشفى.. وفك أسر ولدها، اللهم انتقم من الظالمين، يا رب العالمين.

يدخل خالد بعد انتهاء الدعاء وهو ينادي

خالد: جدي جدي هيا نخرج فقد ارتديت ملابسي.

الجد: (متظاهراً بالنسيان)إلى أين؟

خالد: إلى المستشفى لزيارة عمتي ألم نتفق على زيارتها اليوم؟

الجد: بلى ولكن الطرق مغلقة والمواصلات معطلة سيمر موكب السلطان فاليوم عيد ميلاده.

خالد: (بغضب) ألم يجد السلطان غير هذا اليوم ليمر فيه؟

الجد: (بلهجة حازمة) كف عن الثرثرة وهات كتابك حتى أُسمّع لك الدرس.

(يذهب خالد بتثاقل وعدم ارتياح، يرجع بنفس الهيئة ومعه الكتاب ثم يجلس على كرسي قرب الجد، يظل الكتاب مغلقاً وعلامات عدم الرضا بادية عليه. الجد: (يبتسم ويحاول أن يسترضيه)

الجد: يبدو أنك غير مستعد على درسك الجديد.

خالد: (بانفعال) من قال ذلك؟ يفتح الكتاب بعصبية ويقلب صفحاته ويستقر عند إحداها.

الجد: ما اسم الدرس الجديد يا بني؟

خالد: (الحيوانات الأليفة).

الجد: اقرأ يا بني.

خالد(يقرأ على طريقة الأولاد الصغار في القراءة)الحيوانات الأليفة، البقرة حيوان أليف تعطينا اللبن، ومن اللبن نصنع الجبن والزبدة. والشاة حيوان أليف نأكل لحمها ونشرب لبنها، والحمار حيوان أليف يحرث أرضنا ويحمل أمتعتنا، والكلب حيوان أليف يحرس بيوتنا وأغنامنا ويساعدنا في الصيد والقط حيوان..

الجد: (مقاطعاً) وهكذا يا بني فإن لكل واحد من هذه الحيوانات فائدة أو أكثر، ولذلك يجب علينا أن نطعمها ونسقيها ولا نؤذيها، وإذا رأينا أحداً يضربها فعلينا أن نزجره عن ذلك.

خالد: أمرك يا جدي.. ولكن لدي سؤال.

الجد: تفضل يا بني سل ما بدالك.

خالد: تعلمنا في المدرسة بأن الأسد هو ملك الحيوانات فلماذا لا نشتري أسداً ونربيه؟

الجد: الأسد يا بني حيوان متوحش يأكل أغنامنا ويفترس الأولاد الصغار فكيف نربيه؟ إن أي مخلوق لا ينفعنا لا يستحق منا أي حب ولا رعاية.. أفهمت يا بني؟

خالد: نعم يا جدي.

الجد: يقوم من مكانه ويتوجه نحو باب داخلي، سأتركك قليلاً لأضع شعيراً وماءاً للشاة ثم أعود (يخرج الجد) بينما هو يظل واقفاً وهو يشيع الجد بنظراته ويبدأ يكلم نفسه..

خالد: إن جدي على حق، وأي مخلوق لا يفيدنا لا يستحق منا أي حب ولا رعاية، ولذلك وقبل أن نحب أحداً علينا أن نعرف ماذا يفيدنا؟ أمي مثلاً، أبي، جدي، الأستاذ، إمام المسجد، الطبيب، السلطان… صحيح ماذا نستفيد من السلطان؟؟!..

(يقرع الجرس قرعات متواصلة يذهب خالد ويفتح الباب، يدخل صديقه أسامة)أسامة: السلام عليكم.

خالد: وعليكم السلام ورحمة الله تفضل.

أسامة: أما زلت في البيت؟ قم حتى نشاهد موكب السلطان، لقد وصل الموكب إلى مدرستنا تصور أن جنود السلطان قد داسوا على أزهار حديقة المدرسة، كنت أحب أن يراهم المدير ليضربهم بخيزرانته الطويلة، هيا يا خالد قبل أن يبتعد الموكب عن الحارة (تسمع هتافات غير بعيدة بالروح بالدم نفديك يا سلطان)

خالد: لا رغبة لي بالخروج اذهب أنت وأخبرني بما يجري.

أسامة: إذن فأنا ذاهب، إلى اللقاء يا خالد، (يخرج).

خالد: إلى اللقاء يا أسامة - (يغلق الباب ويعود يكلم نفسه) وصلنا عند فوائد السلطان، يحك رأسه) فوائد السلطان، فوائد السلطان... لنبحث عن أضرار السلطان فهذا أسهل.

السلطان حرمنا اليوم من زيارة عمتي في المستشفى، وعمتي هذه مريضة لأن السلطان حبس ابنها محمود بدون ذنب، جنود السلطان أتلفوا اليوم أزهار الحديقة، العم أبو سليم بائع الهريسة لم يبع اليوم ولا بقرش فالمدرسة مغلقة والطلاب معطلون، وكل ذلك بسبب عيد ميلاد السلطان، ونحن الطلاب ضاع علينا يوم دون أن نتعلم شيئاً و... (يدخل الجد من الباب الداخلي ثم يقول)

الجد: من الذي قرع الجرس؟

خالد: أسامة … صديقي كان يريد أن يصحبني لمشاهدة موكب السلطان ولكنني اعتذرت.

الجد: لماذا؟ ألا تحب أن تشاهد سلطاننا المحبوب؟

خالد: المحبوب؟ أهذا اسم آخر للرئيس؟

الجد: أقصد سلطاننا الذي نحبه ويحبه جميع الشعب.

خالد: لماذا؟ … لماذا نحبه ويحبه جميع الشعب؟؟

الجد: (يرتبك ولا يدري ما يقول)

خالد: ألم تقل لي أن أي مخلوق لا يفيدنا لا يستحق منا أي حب فما هي الفوائد التي يقدمها لنا السلطان حتى نحبه؟

الجد: (لا يزال مرتبكاً وفجأة يبدأ بالسعال بشكل مفتعل)

خالد: مالك يا جدي؟

الجد: أ.. أح.. أحضر لي كو.. ب… ماء (مع السعال) (يذهب خالد والجد يحك رأسه ويكلم نفسه)

الجد: ماذا أقول لهذا العفريت؟

خالد (يحضر الماء): تفضل يا جدي.

الجد: بسم الله (يشرب) الحمد لله سلمت يداك يا بني لقد أتعبتك معي.

خالد: هنيئاً مريئاً يا جدي المهم سلامتك أرجو أن يكون قد ذهب عنك هذا السعال المفاجئ.

الجد: لم يبقَ له أي أثر.. إن يدك مباركة يا بني.

خالد: إذن لنعد إلى موضوعنا.. فوائد السلطان.

الجد: (يعاود السعال من جديد).

خالد: هل أحضر لك ماء يا جدي؟

الجد: (مع السعال) لو سمحت (يذهب خالد بينما يكلم الجد نفسه) هذا العفريت لا يريد أن ينسى سيوقعنا في داهية كيف سأجيبه؟ (يلتفت حوله)..

آه وجدتها الجريدة تمتلئ صفحاتها بالحديث عن إنجازات السلطان، عن دجله، (بمرارة)، وخداعه الذي لا يخفى على أحد، المهم أن أسكت الصغير لأنه لو تكلم في هذا الموضوع خارج البيت فلن يرحموا سنه، ولن يعرف الجن ولا الذباب الأزرق مكانه.. سيخربون بيته وبيتي وينكّلون بجميع الأسرة (يدخل خالد وبيده الكوب)

خالد: تفضل يا جدي.

الجد: (يتناول الكوب ويضعه على الطاولة دون أن يشرب) ناولني تلك الجريدة.

خالد: (يحضر الجريدة ويظل واقفاً).

الجد: اجلس يا بني حتى أقرأ لك بعضاً من أعمال السلطان، وخدماته المذكورة في هذه الجريدة وفي المساء نجلس أنا وأنت أمام التلفاز كي نشاهد آخر أعمال السلطان ومشاريعه المفيدة.

خالد: (يظل واقفاً) ألا يمكن مشاهدة فوائد السلطان وخدماته إلا عن طريق الجريدة والتلفاز؟ ألا نستطيع أنا وأنت الإحساس بهذه الفوائد مباشرة دون واسطة؟ كما هو الحال بالنسبة لفوائد المعلم والطبيب؟؟

الجد: ي.. ي.. يمكن طبعاً ولكن لأن خدمات وفوائد السلطان كثيرة فمن اللازم تسجيلها حتى لا تنسى.. ولذلك تذكر في الصحف وتعرض في التلفاز.. اجلس لنقرأ معاً.

خالد: (لا تبدو عليه علامات الاقتناع ومع ذلك يجلس قرب جده الذي يبدأ بالشرح)...

الجد: انظر يا بني ها هو السلطان يفتتح مستشفى لعلاج المرضى مجاناً، وقد بناه من ماله الخاص.

خالد: أهو غني جداً؟ يبدو أنه يعمل في مهنة تكسبه ذهباً.. أو ربما يكون قد ورث عن والده مالاً كثيراً!!

الجد: (غاضباً) من قال لك ذلك أيها الغبي؟

خالد: أهناك طرق أخرى لجمع المال غير ما ذكرت!؟ أفهمني.

الجد: ستفهم عندما تكبر (يقولها بمرارة وهو يربت على كتف خالد)، سامحني يا بني على الكلمة التي قلتها ولننظر الآن إلى فائدة أخرى، (يشير الجد إلى مكان آخر في صفحة ثانية). هذه الكتائب العظيمة من الجنود أسسها السلطان فهو الباني لجيشنا الباسل.

خالد: وما فائدة الجيش؟

الجد: يدافع عن الشعب والبلاد ويقاتل الأعداء.

خالد: أي أعداء؟

الجد: المستعمرون.

خالد: لكن الجيش انسحب ولم يقاتل المستعمرين.

الجد: السلطان الخائن أعطاهم أسلحة فاسدة وأمرهم بعدم القتال.

خالد: سلطاننا خائن؟

الجد: أقصد السلطان السابق.

خالد: والسلطان الحالي ماذا فعل؟

الجد: إنه يعمل على تدريب الجيش لقتال العدو لذلك (يقول بألم وتهكم) فإن السلطان يكلف الجيش بالقيام بأعمال عسكرية على الشعب، في المخيمات والجامعات والمدن، وكذلك القيام بهجمات وغارات تدريبية... على الدول الشقيقة.

خالد: لم أفهم.

الجد: ستفهم عندما تكبر.

خالد: وهل أنا صغير يا جدي حتى تقول لي هذا الكلام وتكرره؟

الجد: لا يا بني.. بل إني لأرى لك عقلاً كبيراً، و.. (يُقرع الجرس فيذهب خالد ليفتح الباب)

خالد: أهلاً أسامة.

أسامة: السلام عليكم.

خالد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته... تفضل.

أسامة: (يتحدث بحماس) انتهى الموكب تصور أنني رأيت والدك والعم منصور في الموكب!!

خالد: والدي والعم منصور!

أسامة: نعم نعم حتى إنني ناديت عليهما بصوت مرتفع فلم يردا علي.

الجد: (متدخلاً) وكيف تريد منهما أن يتكلما معك وهما يقومان بحراسة السلطان؟

أسامة: حراسة السلطان!! ممن؟

الجد: من أعدائه.

خالد: وهل للرئيس أعداء من الشعب؟.

الجد: السلطان وأعوانه كثيراً ما يقومون بسجن الناس أو قتلهم ومصادرة أموالهم ألا تذكر ابن عمتك محمود؟

خالد: بلى ولكنك ذكرت قبل قليل بأن سلطاننا محبوب من قبل أبناء الشعب.

الجد:..

أسامة: ولكن.. ما الداعي للحراسة والسلطان قوي جداً ويستطيع أن يغلب جميع الناس وحده؟!

الجد: السلطان يا بني بشر مثلنا.

خالد: أنسيت القصة التي أخبرنا بها الشيخ في المسجد عن السلطان وزميله في المدرسة.

أسامة: عندما سرق السلطان وهو طالب من زميله قلماً ودفترين؟

خالد: فتقاتلا وكانت النتيجة أن صرعه زميله وأنزل الدم من فمه وأسنانه، وذهب السلطان يشكو إلى الأستاذ وهو يبكي مثل البنات… وقد أفهمنا الشيخ في ذلك الدرس بأن السلاطين الظالمين ليس لهم قوة ذاتية لإخضاع شعوبهم، وإنما قوتهم من الجنود الذين يحرسونهم … والجنود كما تعلم هم أبناء الشعب مثل والدي والعم منصور، الشعب يحرس الحاكم الظالم ثم يخاف منه، ويخضع له ويحتمي به!!

خالد: ما أحسن ما يعلمنا الشيخ!.

أسامة: حقاً حقاً (ثم يقول كمن تذكر فجأة) على ذكر الشيخ فقد لقيني وأنا قادم إليك وطلب منا أن نوافيه في البيت لنحضر الدرس عنده.

خالد: تقصد في المسجد.

أسامة: بل في البيت فالسلطان أمر بإغلاق المساجد بعد انتهاء الصلاة... ومنع إعطاء الدروس الدينية فيها.

خالد: السلطان أيضاً؟؟ ألا يأتي من هذا المخلوق إلا الأذى؟!.

الجد: (يضع يده بسرعة على فم خالد ويقول بإشفاق) أخفض صوتك حتى لا توقعنا في داهية.

أسامة: هيا بسرعة حتى لا يفوتنا الدرس، أم أنك لا تحفظ الآيات المطلوبة؟

خالد: كيف ذلك؟ لقد حفظت الآيتين عن ظهر قلب.

الجد: آيتان فقط!! لقد كنت تحفظ عشرين آية في المرة الواحدة فماذا دهاك؟

خالد: الشيخ لم يطلب منا إلا حفظ آيتين … فقط من سورة يس … قال إن معناهما كبير... كبير جداً الجد: وما معناهما؟

خالد: ما ذكرناه قبل قليل … الجاهليون القدامى كانوا يعبدون الأصنام حتى تنصرهم، وهم حراسها وجنودها… والجاهليون الجدد في القرن العشرين... يخضعون للحكام الظالمين ويخافون منهم ويطمعون في نصرتهم... مع أن هؤلاء الحكام قوتهم من جنودهم الذين يحمونهم.

الجد: ما أجمل هذا المعنى!! ولكن أسمعني الآيتين اللتين تتحدثان عنهما.

أسامة: هيا يا خالد فقد تأخرنا (يتحركان باتجاه الباب الخارجي).

خالد: (وهو يمشي) معذرة يا جدي فنحن على عجل سأسمعك الآيتين عندما أعود.

الجد: أسمعني الآن فأنا بشوق لسماعهما.

(يخرج أسامة من الباب ويختفي... يقف خالد بالباب ووجهه إلى الداخل).

الجد: (بإلحاح ورجاء) أسمعني يا بني.

خالد: (يقرأ بصوت معبر وخاشع) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، \"واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون، لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون\".

(يخرج خالد... ويُبدأ بإسدال الستار... بينما يقرأ الجد بينه وبين نفسه بتدبر وتفكر)

الجد: \"واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون، لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون\".

ستار

 

 

انتهت

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply