\" شاعر تـفـجر الشعـر في قـلبـه كما تفـجرت الصخرة بالماء لقوم موسى دون سابق عهد، فتعهده بالشكر والجهد فما انبجس كما انبجست، ومد يديه إلى السماء، ورنا ببصره إلى العلياء، واستسقى من الله، وطلب منه العطاء فأعطاه، و اشترط عليه الجهد، فاجتهد، فكان.
شعره ليس نظما كالناظمين، بل سيل جارف من الألم والأمل، وحنان قلب مفعم بالحب والخير \"
جنين تلك المدينة الوادعة في فلسطين والتي شهد العالم أظافر العدو وأنيابه تمتد إليها، كانت بمثابة عصى موسى لقلب شاعرنا عبد الناصر رسلان، حيث شهد ثبات أهلها، فوقف محتارا أمام هذا العجز العربي والإسلامي، فعزفت أوتار قلبه لحنا مرا على حالة مرة، ونطق لسانه بما خالج فؤاده وبما عجز عنه الكثيرين:
جدَّدتِ نصــرَ المؤمنيــــن *** وهتكتِ سَتــــرَ الفاسقيـــــن
لمَّــا سموتِ كقلعـــــــــــةٍ, *** في وجــهِ كــلِّ الغاصبيــــن
فسجدتُ مــرفــوعَ الجبيـن *** ودعوتُ للحــــقِّ المبيــــــن
وهتفتُ في صمتٍ, رزيــــن *** قد زانـــــهُ حــبُّ وديـــــــن
يحميـــكِ ربٌّ العالميــــــن *** من كلِّ غــــدرٍ, يا جنيـــــــن
وسرت هذه الألحان في جوارحه، فانتفض ليذود عن أمته بلسانه، فاتخذ اليراع سلاحا، وغمس مداده من قلب طالما تأوه لأوضاع الأمة، وعرف أنه إذا لم يحدد الهدف كان ممن تنزل عليه الشياطين فأعلنها مدوية:
أنـــا للــــهِ صحـــوةً صُغـتُ شعري *** بخضـــــوعٍ, يشــــوبـــــــهُ تقصــــــــيري
لســـتُ أقــــوى على ســـماعِ نــواح ٍ, *** مـــن جـــريــحٍ,، وأنــــــــة ٍ, مــن فقيـــــــر ِ
كلما هُــــزَّت أمتــــــي بمصـــــــاب ٍ, *** مسحتــــهُ قصـــــائدي بــــالعبيــــــــــــــر ِ
مـــا حيـــاتي إن لــم أُزح بحـــروفي *** ظُلمـــةَ الجهــــلِ..؟ مـــا مـــدى تعبيـري؟
بيــــد ٍ, أزرعُ ابتســــــامــــةَ قلــــــب ٍ, *** وبأخــــرى أصُوغهــــــــــــا مـــن نــــور ِ
مــن رؤى القــرآن ِ اقتبستُ حروفي *** فاحملينــــــــي... أيا حــروفــي وطيـــري
ولا عجب في ذلك ألم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - \" جاهدوا بأيديكم وألسنتكم وأموالكم\" النسائي عن أنس
لقد كانت قضايا الأمة محورا هاما في قصائد الشاعر عبد الناصر رسلان، فهو لا يفتؤ يذكر فلسطين الحبيبة، وانتفاضتها المباركة ويظهر مفاصل عديدة في حياة الفلسطينين مبتدءا من آلامهم ومنتهيا بآمالهم:
بيدي حجـري بيدي كفني *** أتحدى آلامَ المحــــــــــن ِ
ومعي ربي لن يخذلنـــــي *** ربي اقبل هذا منــــــــــي
ومعي كلٌّ شعوبِ الدنيــا *** من كوسوفا حتى اليمـــــن
هذا الكدٌّ لن يضنينـــــــي *** حتَّى ألقَ ثوبَ الكفـــــــن ِ
ولتَشهد اقطابُ الدنيــــــا *** وليعترفوا هذا وطنــــــي
ويرسم لوحة من لوحات الحقيقة الغائبة، بريشة فنان لا بقلم شاعر، فيصف العالم وغفلته بالشهوات، والعرب وسلاحها الوحيد وربما الأخير:
وضميرُ العالمِ ماخـورٌ *** هذا يرقص ذاكَ يُغنِّــــي
وبلادُ العُربِ مدافعهـــا *** تنديداً وهُتافاً يُثنـــــــــي
ويختلج في صدره، حلم يراود كل عربي ومسلم فيفصح عنه، ويشدو به، ويرسم ملامحه:
قــلتُ: يــا أقصـــى تمهـَّــل *** إنَّ فــــي القـــدس ِ صـلاح
إنَّ فـــي القــدسِ رجـــالاً *** أبصـــروا دربَ الفــــــلاح
إنَّ فـــي القــدسِ يتــــامى *** أنبتـــوا ريـــشَ الجنـــــاح
إنَّ فـــي القــــدسِ جبـــالاً *** راسيـــاتٍ, لا تُـــــــــــــزاح
أيقنــــــوا أنَّ الظـــــــــلامَ *** ســوفَ يجـــلوهُ الصبـــاح
هــــيَّا أقصــــى لننســــــى *** كــــــلَّ أيــــــامِ النــــــواح
نتَّــــبع نهــــــجَ الرســــولِ *** إنــَّـــهُ ســـــرٌّ النجـــــــاح
ردَّدَ الأقصــــــى بهمــــس ٍ,: *** (كــأنَّـــهُ صــوتُ صلاح)؟؟
وتبرز القضية العراقية بقوة على الساحة العالمية، فينبري لها شاعرنا، ليجاهد بلسانه وقلمه، ويشيد بالمقاومة العراقية:
كفكــف دمــوعكَ واركــبِ السُحبــا *** وارفـــعِ الراياتِ أطلــق شُهبـــــا
قِــف علــى بغــدادَ وانظر فتيـــــــةً *** أيقظــوا الشــرقَ وهـــزّوا العربا
تلــكَ اُســـــــدٌ جـــــــدّدت إيـــمانها *** فتـــرى المــــوتَ إليهــــــم حُبّبا
شاقهــــم يــومُ اللقـــا فـــانــدفعـــوا *** كـــرمــــــادٍ, كـــادَ أن يــلتهبــــــا
ويتكلم عن أحرار الأمة وعزتهم
إنَّــا لنأبــى أن نعيــشَ أذلــة ً *** والخطــبُ باتَ على العراق ِجليــلا
ويحدد الملامح المستقبلية للمقاومة العراقية، ويؤكد على ثمن النصر والحرية مهج النفوس، وفلذات الأكباد
النـصرُ لا يُعطــى ولكـن يُشترى *** بالنفس ِ، لن أرضى سواهُ بديـــــلا
لــم يبقى إلا السيفُ ضاقَ بغمده ِ *** ذرعـــاً، فأقصى غِمــدهُ ليصــولا
هيَ صحـوة ٌ بعثت لشعبي مجدهُ *** من بعــدِ ما حمــلَ الهـــوانَ طويلا
وعلى الرغم من أن شاعرنا قد أنطقته الأوضاع المزرية للأمة، فتوجه إلى أهمية الجهاد ومقارعة الأعداء لكنه لم ينس أن وراء هذا الجسد روح تدفعه إلى العلياء، وقرب من الإله يرقى بهمته إلى الجوزاء ففاض قلبه بالمناجاة، فرقت بكلامه القلوب، وسرت بمناجاته الدموع:
دعوتــكَ والعيــونُ بهـــا دليــــــــلُ *** بــوحــدتــي والفــؤادُ بـــهِ ذهـــولُ
وقلـــتُ ونحــنُ في كــربٍ, عظيــمٍ, *** إلــى الإيمــان ِ قـد صغــتِ العقولُ
نتـــوبُ إليـــكَ يــــا ســــتَّــارُ عمّـا *** زللنــــا فقـــد تعـــذَّرت ِ الحلــــولُ
ومـــن يجـــلو همــومــاً عـن فــؤادٍ, *** إذا مــــاجت بقســـوتهـــا الحمـــولُ
ويسير بشعره الركبان، وتصل قصائده إلى قلوب الناس قبل مسامعهم، ويتساءل لماذا نعيش في غربة ونحن أتباع أشرف دين
يا سائلي ماذا حفظتَ وما وعيتَ منَ الكتــــاب
ماذا حفظتَ ونورُ أحمدَ عن سما دُنيــــاكَ غاب
ماذا قرأتَ عنِ الذي قد كانَ طُهراً في إهــــاب
أنسيتَ كم صدَّ الغزاةَ.. نسيتَ ألوانَ العـــذاب
ومشى أمامكَ في دروبِ النصرِ يهزأ ُ بالصِعاب
فــي بُـعدِ أحمـدَ والصحاب.. أليسَ تشعرُ باغتراب
وتصل كلماته هذه إلى منشد الرافدين محمد العزاوي فيبدع في إنشادها ويضفي عليها معان جديدة وفريدة
لقد زادت قصائد هذا الشاعر المجتهد والملتزم عن الأربعين قصيدة، وعلى الرغم من قلتها إلا أنه بسب جودتها وتنوعها حجز مقعدا بين كبار الشعراء المعاصرين وصار علما لامعا من أعلامهم، فأسهم بمداد قلمه، وقوة عزيمته، ورؤيته الواضحة بتغير خارطة الشعر والشعراء حتى أجبرها بالمرور من قصائده.
فبارك الله بهذا الشاعر وبأمثاله ممن يجاهدون عن الأمة بألسنتهم وأقلامهم ولا نملك إلا ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحسان: \" أيدك الله بروح القدس \"
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد