أمير الجماعة الإسلامية في باكستان


 

بسم الله الرحمن الرحيم

قاضي حسين أحمد: حكامنا العسكريون يخدمون مصالح الاستعمار ومشاريعه في المنطقة

* في البداية طلبت إلى فضيلته إطلاع القارئ على مجمل الأوضاع وفق رؤيته..؟

*باكستان دولة تأسّست على شريعة الإسلام.. لكن للأسف، منذ أول يوم لاستقلالها، كانت هناك عناصر تريد هدم هذه الأسس، واقتلاع الجذور الإسلامية للدولة.. رغم أن الدستور الباكستاني إسلامي، وقرار الأهداف الذي هو جزء من هذا الدستور ينصّ على إدارة الدولة وفق تعاليم القرآن والسُنّة وفي حدودهما، وأن تكون الحاكمية الأعلى لله - عز وجل -، إلا أن باكستان لم تحظَ بأيّ حكومة تضع هذا الأساس في اعتبارها، ولو ليومٍ, واحد، خلال إدارتها شؤونَ البلاد.

وممّا يدعو أيضاً للأسف، وجود جيل ربّاه الاستعمار الإنجليزي للحفاظ على مصالحه، مازال مُمسكاً بمقاليدَ السلطة ودفّةَ الحكم وقيادةَ الجيش.. وتغيير أوضاع الدولة وإصلاح أحوالها مرهون بذهاب هؤلاء العملاء وتسليم السلطة لرجال أوفياء للشعب ومخلصين للتضحيات التي قدّمها عند انفصال باكستان، رجالٍ, يسيرون في نور الله وهدي رسوله الكريم.

هذا هو أساس كلّ مشاكلنا، وبسببه تنبع وتعلو نعرات قومية مختلفة تستهدف سلامة باكستان ووحدتها.

ومنذ أول يوم لإنشاء باكستان كانت هناك عدّة قضايا تواجهناº الأولى خاصّة بالدستور، هل يكون إسلامياً أم علمانياً؟ واستمر الصراع، حتى قرّر الشعب بأغلبية ساحقة أن يكون الدستور الباكستاني إسلامياً، لكن هذا الدستور لم يُنفّذ، لافتقاده الأيدي المؤهَّلة لتنفيذه.

والقضية الثانية، كانت صلاحيات وحقوق الولايات واستقلالها داخل إطار فيدرالي، وقد عولجت هذه القضية وتمّ حلّها في ضوء الدستور، ولكن هذا الحل أيضاً لم يرَ النورº لأن القيادة الدكتاتورية المدنية ثم العسكرية لم ترغب في منح الولايات صلاحياتها، فعلت أصوات ونعرات مختلفة من ولايتي \"بلوشستان\" و\"السند\" مطالبتين بحقوقهما.

والقضية الثالثة، أن تكون محاكم القضاء العدلية مستقلةº فلا يتدخل أحد في شؤونها، وأن يكون هناك ضمان لحقوق المواطنين بمن فيهم الأقليات والنساء.. وهذه القضايا الثلاث أكّد الدستور على حلها في ضوء تعاليم الإسلامº إذ تنصّ بنوده على أن الإسلام هو الحبل القوي المتين الذي يجب أن تتمسّك به الدولةُ حكومةً وشعباً، وأن الحاكمية لله - عز وجل -، لكنّ أياً من هذه البنود لم يتم تنفيذه حتى الآن.. والقوى الإسلامية في باكستان تبذل قصارى جهودها كي تحقق آمال الشعب في حلّ ومعالجة هذه القضايا في ضوء القرآن الكريم والسُنّة النبوية المطهّرة.

 *لكن يبدو أن الدستور والقوى الإسلامية يسيران في اتجاه، والنظام العسكري الحالي يسير في اتجاه آخرº مدعوماً من أمريكا وغيرها.. فماذا ستفعلون في مستقبل الأيام؟

لدينا يقين بالله وأمل كبير في أن تعلو إرادة الشعب يوماً ما على هذه الطبقة التي تتحكّم في مصير البلاد بعيداً عن الدستور، فاللمرة الأولى أعلن فيها الشعب الباكستاني رفضه الصريح لأي حكومة عسكرية بقيادة \"برويز مشرف\" أو غيره.. وكنا سابقاً نجتهد ونقوم بتحركات شعبية لإسقاط الحكوماتº مدنيةً كانت أو عسكرية، ثم يأتي جنرال آخر ويتحكم في مصير البلاد.. وكان الشعب يرحّب بأولئك الجنرالات، لكنه أصبح اليوم يرفض أيّ حكومة عسكرية، وكلّنا نسعى لتشكيل حكومة دستورية مدنية.. وقد تعلّم السياسيون درساً مهمّاً بألا ينخدعوا بمثل هذه الدكتاتوريات مرة أخرى، وأن على الجميع أن يستظلّ بالدستور، وأن يعرف كل فرد ما له من حقوق وما عليه من واجبات.

 

* وما أهم العوائق التي تقف في طريق الشعب لتحقيق ما يصبو إليه؟

أكبر العوائق أمامنا هي الجهل بالدين والأميّة وانتشار الفقر، وهناك جهات داخلية وخارجية تستثمر هذه العوائق الثلاثة للسيطرة على الشعب واستغلاله.. لذا جعلنا في مقدّمة أولوياتنا تعليمَ الناس أمورَ دينهم، وإعطاءَهم ما يسدّ احتياجهم، ودعمَهُم بأعمال إغاثية وخيرية حتى يمكنهم مواجهة مشاكلهم، وهذا عمل ليس سهلاً وطريقه شاقّ وطويل.. فحكامنا العسكريون يخدمون مصالح الاستعمار ومشاريعه في المنطقة، ولا يمكن تخليص الشعوب من هذه الأيدي الآثمة إلا بنشر التعليم الديني الصحيح بين أفرادها، والقضاء على الأمية والفقر.. وقد أصبحت الطبقة الحاكمة جزءاً من الطبقة الإقطاعية بعد اشتغالها بالأعمال الاقتصادية المدرّة للأرباح، ونبذل جهودنا لتخليص الشعب من هذا الظلم، وأعتقد أننا نحرز تقدّماً في هذا المجال.

 *هل تلتقون كمعارضة مع \"برويز مشرف\" للحوار وإسداء النصح والتنبيه للأخطار؟.. وما نتيجة هذا الحوار؟

*(ضاحكاً).. نتيجة هذا الحوار أننا توصّلنا إلى اتفاقية وعد الشعب بها وأعلن عنها، وهذا الإعلان أصبح جزءاً من الدستور، وهي أنه سيتخلى تماماً عن الحكم العسكري بنهاية ديسمبر 2004م، لكنه أخلف وعده وخان تلك الاتفاقية.

*تتردّد أقوال عن انفصال محتمل لإقليم بلوشستان بعد مقتل زعيمها وحاكمها السابق \"نوّاب أكبر خان بوجتي\"، وأن هناك اتفاقات صهيونية مع بعض القبائل لنزع هذا الإقليم من باكستان، وإعلانه دولة مستقلة.. فما تعليقكم على هذه الأقوال؟

*إقليم بلوشستان يقع في منطقة إستراتيجية حسّاسة قريبة من الخليج العربي، وهو إقليم غني بالبترول والغاز الطبيعي، ولذا فمن الطبيعي أن تكون هناك أطماع ومخططات لنزعه من باكستان وتقسيمه إلى دويلات صغيرة، وزعماء القبائل يطمعون في أن يصبحوا رؤساء لهذه الدويلات بإيعاز ومساندة من أمريكا و\"إسرائيل\" والهند.

 *وبرأيك، كيف يمكن مقاومة مثل هذه المخطّطات؟

لا يمكن مقاومتها إلا بالتمسّك بالإسلام، فهو أساس قوميتنا، والحكومة العلمانية وجنرالات الحكم في باكستان يحاولون إضعاف هذا الأساس القومي بتحريض من الأمريكان، ولهذا السبب يغلب على البلوش التعصبات والنعرات القبلية.

*خضع العالم النووي الباكستاني الدكتور \"عبد القدير خان\" إلى عملية جراحية مؤخراً، فهل زال عنه الخطر؟.. وهل مازالت السلطات الأمريكية والغربية تطالب بتسلّمه للتحقيق معه في تسريب أسرار نووية خارج باكستان؟

*الدكتور \"عبد القدير خان\" أُجريت له عملية جراحية ناجحة في مستشفيً خاص بمدينة كراتشي بعد إصابته بسرطان البروستاتا، وقد بدأ يتعافى بعد الجراحة وأكد أطباؤه أن حالته مستقرّة.. واتخذت السلطات احتياطات أمنية غير معهودة حول المستشفى وعلى الطرق المؤدّية له، ولم تسمح لأحد بزيارته.. وهو رهن الإقامة الجبرية في العاصمة إسلام آباد منذ مطلع العام 2004م، بعد اتهام واشنطن له ببيع أسرار نووية إلى إيران وليبيا وكوريا الشمالية.. ولا تستطيع السلطات الباكستانية تسليمه إلى أمريكا أو غيرهاº لأن كل الباكستانيين يحبّونه ويوقّرونه ويعتبرونه بطلاً شعبياً ورمزاً قومياً لإسهامه في تحويل باكستان إلى دولة ذات قوة نووية.

*وماذا عن قضية كشمير؟ ولماذا هدأت نبرة الحديث عنها؟.. وهل تخلّت الحكومة الحالية عن القضية الكشميرية، أم دخلت في مساومات مثلاً مع الهند؟

*كشمير ليست جزءاً من الهند بل هي أرض محتلة، ولن يقبل الكشميريون أن يصبحوا هنوداً يوماً ما، فهم مصرّون على الحرية والاستقلال، ومستعدّون للتضحية بأرواحهم للحصول عليها.. ولا شكَّ في أن هناك مفاوضاتٍ, ومساومات، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا السياق هو: لماذا يستنفد الجيش الباكستاني نصف ميزانية الدولة تقريباً، ثم يقف عاجزاً أمام حلّ القضية الكشميرية!! ورغم أن هناك هدوءاً حالياً تجاه هذه القضية إلا أنه \"هدوء حَذِر\"، فتحت الرماد تكمن النار، ولا أستبعد أن تشتعل انتفاضة كشميرية على غرار الانتفاضة الفلسطينية، فالمقاومة مستمرّة والمعركة ممتدّة حتى يتم حل هذه القضية.

  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply