حوار حول \ البحث العلمي \


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

د. سعيد حارب المهيري مستشار مدير جامعة الإمارات العربية المتحدة من المهتمين بمجال البحث العلمي، شغل منصب الرئاسة في بعض المؤسسات العلمية كمجلس أمناء جامعة الخليج العربي بمملكة البحرين، ولجنة جائزة راشد للتفوق العلمي بدبي.

كما أنه عضو في عدد من المؤسسات العلمية مثل: المكتب التنفيذي لاتحاد الجامعات العربية بالأردن، المجلس التنفيذي لرابطة الجامعات لإسلامية بالقاهرة، المجلس العلمي للمركز العربي للتعريب التأليف والترجمة والنشر بدمشق، اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم دولة الإمارات العربية المتحدة، لجنة التعليم المستمر وخدمة المجتمع بدول مجلس التعاون، مجلس أمناء جائزة الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني بقطر، مجلس أمناء جائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للتميز التعليمي بدبي، مجلس أمناء مؤسسة حميد بن راشد النعيمي للتطوير والتنمية البشرية بعجمان.

وهو محكم علمي لبعض المجلات المتخصصة، وممتحن خارجي لبعض الكليات.

 وله تجربة في الكتابة والتأليف فمن مؤلفاته:

1. العلاقات الخارجية للدولة الإسلامية: دراسة مقارنة بالقانون الدولي العام.

2. الثقافة والعولمة.

3. العرب على مشارف القرن الحادي والعشرين.

4. مستقبل التعليم وتعليم المستقبل.

5. مشكلة التعريب في التعليم العالي.

6. التحديات التي تواجه التربية في ضوء المتغيرات العالم.

 

*البحث العلمي يعطى أهمية كبرى في بعض الدول، فمن خلال صلتكم بالجامعات والمراكز العلمية، هل ترى اهتماما بهذا الجانب وخاصة في دول الخليج؟

 

*أولا أنا أسجل تقديري وترحيبي لما قرأته هنا في قطر من اهتمامها بتخصيص صندوق للبحث العلمي كما نشرت الصحف، وأن تخصيص جزء من الناتج القومي أو من الدخل الوطني هو 2.8 % أو قريبا من هذا الرقم للبحث العلمي.

وأنا أعتقد أن هذه أول دولة عربية تخصص رسمياً جزء من ناتجها القومي للبحث العلمي، طبعا بلا شك أن هناك الدول العربية تصرف على البحث العلمي، ونقلت التقارير أن نسبة ما أنفق على البحث العلمي كذا، لكن أن تخصص نسبة للبحث العلمي هذه من الإيجابيات وخاصة أننا في مجال البحث العلمي مازلنا دون الدرجة الأولى وأشير إلى ذلك بالأرقام:

أعلى دولة عربية دون أن نسمي تنفق على البحث العلمي 0.03 من ناتجها القومي فكيف سينتج عندنا بحث علمي، في حين دول شبيهه لنا قريبة من ظروفنا مثل كوريا تنفق حوالي 2% من ناتجها القومي على البحث العلمي دعك من روسيا ومن أوروبا الغربية ودعك مما تنفقه هولندا وهي دولة بسيطة صغيرة يعادل البحث العلمي ميزانية إحدى الدول العربية، عدد الباحثين في أحد مراكز الأبحاث في فرنسا قريبا من عدد الباحثين في كل الدول العربية، هذه الأرقام حقيقة تشير إلى ما نحن عليه في البحث العلمي، فلا يمكن لأي تطور في أي مجتمع في مجال الصناعة أو الاقتصاد أو التعليم إلا أن يتم من خلال البحث العلمي هناك محاولات لكنها خجولة وضعيفة.

 

*هل لك أن تحدثنا عن بعض المشكلات التي تواجه البحث العلمي؟

* أولا: أننا نبحث لغيرنا أعني بذلك أن معظم بحوثنا العلمية التي تقدم في الجامعات وغيرها تذهب إلى الدول الغربية وتنشر في مجلات البحث العلمي الغربية ويستفاد منها هناك وهذا أمر جدير بأن تنشر هناك، لكن علينا أن نحول هذه الأبحاث العلمية إلى جوانب تطبيقية في مجتمعاتنا وإلا ما الفائدة أن نعلّم الإنسان حتى يصبح عالما ثم ينتج بحثا يستفيد منه غيري وأنا الذي أنفقت عليه، للأسف في الجامعات مازالت فكرة البحث العلمي موجهة إلى عملية الصرف على الإنسان أو الأستاذ، يبحث من أجل أن يترقى ثم إذا ترقى ذهب بحثه إلى المجلة العلمية وبقي على الرف.

ومما يؤسف له أيضا أن لغة البحث هي لغة غير عربية، نسبة ما ينتج من البحث العلمي باللغة العربية لا يتجاوز 5%، مما ينتجه الباحثون العرب 95% من البحث ينتج أولا باللغة الإنجليزية ثم بالفرنسية ثم بالألمانية فنحن لم نثري اللغة العربية بأبحاثنا العلمية وإنما أثرينا الآخر.

كم من الأبحاث العلمية التي تقدم لا تساوي شيء مما يقدم من البحوث العلمية في كل الدول العربية من المحيط إلى الخليج لا يتجاوز 20% مما يقدمه الباحثون الهنود وهم قريبون منا ودولتهم قريبة من ظروفنا، هذه الأرقام أنا لا أريد من ذكرها أن تحبط الإنسان، ولكنها مؤشرات على الطريق ترينا أن علينا أن نولي هذا البحث اهتماما كبيرا.

 

* ما هي الخطوات والوسائل المطلوبة من أجل الاهتمام بالبحث العلمي ?

أولا: إعداد الباحثين، فقد تنفق كثيرا ولكن ليس عندك باحثين.

ثانيا: توفير الإمكانيات وأول هذه الإمكانيات هي أرضية البحث العلمي والقضايا المهمة في مجتمعاتنا.

ثالثا: توفير الموارد المالية أو الإنفاق على البحث العلمي.

رابعا: وهو الذي يغيب عن معظم بحوثنا وهو إنزال الأبحاث العلمية منزلة التطبيق حتى يستفيد منها المجتمع.

بكل هذه الحصيلة أكرر وأقول بأن ظاهرة البحث العلمي عندما نرى هذا الواقع العربي الإسلامي في مجال البحث العلمي، ونجد الخطوة التي خطتها دولة قطر العزيزة، نجد أهمية هذه الخطوة ليس في نهضة بلد واحد كقطر وإنما في نهضة الأمة العربية والإسلامية إن شاء الله.

 

*لو تطرقنا إلى قضية اللغة العربية ودورها في البحث العلمي، فهل ترى أن اللغة العربية يستطيع أهلها بها أن يواكبوا الحضارات الأخرى أم أن هناك إشكاليات تواجه البحث باللغة العربية؟ وما مدى الاهتمام بهذه اللغة عند العرب أنفسهم؟

أنا أولا أطرح تساؤلات أيها أكثر انتشارا وأعمق تأثيرا اللغة العربية أم اللغة العبرية؟ أيها أكثر انتشارا وأكثر تعبيرا وأعمق تاريخا اللغة العربية أم اللغة الكورية؟ أم اللغة الملوية لماليزيا؟ أو اللغة البوسنية؟ لغة التدريس في البوسنة وهي دولة صغيرة خرجت من رحم المشكلات والصراعات من فترة قريبة لا تتجاوز الآن 10 سنوات أو 12 سنة ومع ذلك لغة التدريس فيها هي اللغة البوسنية حتى في الطب، علما بأن المتحدثين بالبوسنية عدد محدود، وعندما ناقشنا زملائنا في هذا وهذا ما نريد في مجتمعاتنا، قالوا إن ذلك لا يعني أن نتخلى عن لغاتنا، فاللغة الموازية لنا هي اللغة الألمانية وخريجينا يتحدثون الألمانية بشكل جيد ولكننا نريد أن نوصل إليهم المعرفة ولا يمكن توصيل المعرفة إلا من خلال اللغة الأم.

الأمر الآخر: لا يمكن تأسيس أي قاعدة علمية في أي مجتمع إلا من خلال استخدام اللغة الأم لإيجاد هذه البيئة العلمية، أنت حتى تستخرج عالما متميزا تحتاج إلى 100باحث في المجال العلمي، وحتى تكوّن هؤلاء المائة فإنك تحتاج إلى لغة يستطيع أن يستوعبها هؤلاء ويستطيعون أن ينزلوها منزلة الحوار، القول بأن اللغة العربية لغة متخلفة أو لغة غير قادرة على التعبير هذا كلام تجاوزه الزمن، الدراسات والأبحاث تشير إلى أنه بإمكان هذه اللغة ولكن كما يقال:

ألقاه في اليم مكتوفا وقال له * * * إياك إياك أن تبتل بالماء

أنت تأخذ اللغة العربية وتعزلها عن الحياة العلمية ولا تطور مفرداتها العلمية ولا تطبقها في الواقع، وتتحدث حتى في الشارع بلغة أجنبية ومعاملاتك كلها بلغة أجنبية، ثم تقول في النهاية والله اللغة العربية عاجزة، العجز فيمن قام بهذا وليس باللغة العربية، ليس هذا حماس للغتنا الأم ولا لكونها لغة القرآن، ولكن هذا الواقع الذي يفرض علينا، لن تنهض أمة من الأمم في حضارتها إلا بلغتها، هذه اليابان وهذه الصين وهذه ماليزيا، أنا تعمدت أن أضرب أمثلة في الشرقº لأن هؤلاء أمثالنا في الظروف أو في الأحوال الطبيعية، الآن الشرق مقبل على نهضة علمية وصناعية وكلنا نتحدث اليوم عن اليابان أو عن الصين أو غيرها، وهؤلاء ينهضون بلغتهم بل ويعتزون بلغتهم، نحن في مؤتمراتنا حتى في ندواتنا في البلاد العربية نتحدث باللغة الإنجليزية وكل الحاضرين أو معظمهم من العرب.

في أحد المنتديات في الدول العربية المتحدث عربي وكان قد أجرى مقابلة بالتلفزيون باللغة العربية في أحد الدول العربية لأن التلفزيون كان بالعربي لكنه عندما صعد إلى المنصة ألقى ورقته باللغة الانجليزية، وفي نفس المؤتمر كان هناك ممثلا صينيا يتحدث عن الحياة العامة باللغة الإنجليزية، ويتحدث في وسائل الإعلام باللغة الإنجليزية، ولكنه عندما صعد إلى المنصة قرأ ورقته باللغة الصينية دون أن يعتذر، تحدث لأن هذه لغته وأجبر القائمين على المؤتمر أن يوجدوا مترجما وكان يترجم إلى اللغة الإنجليزية بعد أن يتحدث، وهذه أمور يحترمها الناس، عندما نتكلم يبرز إلينا من يقول اللغة العربية لا تصلح للحياة وهذه جوانب عاطفية وأنت لا تريد أن تتعلم اللغة الانجليزية، نقول إن حديثنا عن اللغة العربية لا يعني تماما أن نعتزل عن لغات العالم، نتحدث لغات العالم بأكبر قدر ممكن، سيدة مسلمة عربية تكلمت باللغة العربية وهي تعيش في سويسرا منذ سنوات، وفي تقديمها أنها تتحدث العربية والإنجليزية والفرنسية وتجيد الألمانية والإيطالية، فعندما صعدت إلى المنصة كان بإمكانها أن تتحدث بإحدى هذه اللغات التي تجيدها لكنها تحدثت بلغتها العربية، وكان ذلك موقف فخر واعتزاز منها ومن الحاضرين، ونحن لا نريد من الناس أن يتخلوا عن لغاتهم، ولكننا نريد ألا يدفعنا أحد أن نتخلى عن لغتنا.

 

*هل من كلمة توجهها للمواقع الإسلامية بالذات، والتي من بينها موقع الشبكة الإسلامية؟

ـ بشكل عام أقول أطلع على بعض ولا أقول معظم المواقع الإسلامية، وموقعكم الكريم من المواقع المتميزة وأرجع إليه حقيقة أحيانا في استخدام التفسير ومصادر الحديث أحيانا في بعض الموضوعات.

وهذه حقيقة من نعم الله على البشرية أن ييسر لها هذه الوسائل ليستفاد منها علميا، ولهذا أقول هناك رسالة لهذه المواقع الإسلامية، رسالة التعريف بالإسلام والتواصل به كذلك، ولكن رسالتها تعظم حين نعلم مدى الدور التي تقوم به المواقع الإلكترونية، فموقع واحد هو أبلغ من ألف خطيب، وأكثر انتشارا من ألف كتاب، وأكثر تأثيرا من ألف رواية، ولهذا تعظم المسؤولية بعظم الدور، ولا شك أن للمواقع الإسلامية دور عظيم في أن تعرّف بالإسلام أولا، ثم في أن تعالج قضايا الإسلام الواقعية، نحن نعتز بتراثنا ونعتز بديننا ونعتز بما أنتجه أسلافنا، ولكننا نعيش في عصر غير الذي عاشوه، وفي غير الزمن الذي مروا به، توجد مستجدات ومحدثات من الأمور لم تحدث في عصرهم، فعلينا أن نعالج هذه القضايا بروح تجمع بين أصالة الإسلام وبين معاصرة الواقع الذي نعيش فيه، وأعتقد أن المواقع لما لها من تأثير قادرة إن شاء الله على أن تقوم بهذا الدور.

نتمنى للموقع مزيد من التطور والنجاح ونسأل الله أن يعين القائمين على هذا الموقع وأن يجزيهم خير الجزاء وأن يثيبهم وجزاكم الله خيرا.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply