الشيخ الدكتور عمر عبد الكافي : الأمة الإسلامية لن يصلحها إلا الدين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

*-تعيش الأمة الإسلامية اليوم حالا من التشتت والضياع والتفرقة، الأمر الذي يثير في نفوس المسلمين اليأس والتشاؤم، كيف ترون ذلك؟

*ينبغي على المسلمين دائما التفاؤل لأن من ينظر برؤية التشاؤم لن يرى إلا راية الباطل قد رفعت واجتمع حولها أصحابها ومن ينظر بعين التفاؤل يقول إن راية الحق ما رفعت بعد، ولو رفعت لاجتمع حولها أهلها بدليل ما شاهدناه أخيرا من غضب جل المسلمين للرسومات الكاريكاتورية التي تسخر من رسولنا الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - فالمسلمون في مشرق الأرض ومغربها بدأوا في الاستيقاظ الحقيقي للوقوف في وجه من يريد أن يستأصل شأفتهم، حيث أصبحت الصورة واضحة تماما والإسلام هو المرفأ الوحيد الذي تستطيع البشرية أن ترسوا عليه عند لحظة الاختيارات الكبرى، ولكن بعض أهل الجهل وأصحاب الحقد والمطامع الخاصة لا يقدرون الإسلام حق قدره لأن الإنسان عندما يغلبه هواه تكون الصورة لديه معكوسة. والمسلمون اليوم ينقسمون إلى جانبين واضحين هما جانب شباب الصحوة والأخوات الملتزمات وجانب آخر ممن نسوا أنفسهم وهؤلاء آيبون راجعون لمجرد أن يجدوا قدوة ترفع علم الإسلام فيسيروا خلفه.

و التفاؤل مطلوب فنحن خير أمة أخرجت للناس وعندنا كتاب قد تكفل الله بحفظه، وبحفظ طائفة من الناس تظل على الحق. والواقع اليوم يؤكد أننا راجعون للريادة وللحضارة لأن هذه هي سنة التداول والتدافع، فعندما وجدت الحضارة كانت شرقية ومن ثم غربية ثم عادت شرقية والآن غربية والمستقبل سيكون إن شاء الله لهذا الدين.

وبالإمكان معرفة صحوة الأمة بطائفتين من الناس هما الشباب والمرأة. ففي خمسينيات القرن الماضي كانت المرأة مغرر بها على غرار المرأة الغربية، والشباب كان منصرفا عن الدين ومغيب عن طريق وسائل التعليم الخاطئة ووسائل الإعلام الموجهة، ومنذ السبعينات بدأ عصر الصحوة حيث منّ الله علينا ببعض العلماء النابهين الذين جمعوا بين فقه الشرع وفقه الواقع وبالتالي استيقظت الأمة وخير دليل على ذلك المجتمع الإسلامي اليوم.

وعندما نرسم صورة واقعية لحال المسلمين يجب أن نلزم بها المسلمين ككل من حاكم ومحكوم ورئيس ومرؤوس كل مسؤول على هذا السؤال: ماذا قدمت لدين الله؟! ومن هنا تبدأ الصورة في التحسن.

 

*-إذن ما هي ركائز النهضة التي ترتكز عليها الأمة الإسلامية لتغيير وضعها الحالي؟

*يقول ابن خلدون: إن العربي لا تصلحه إلا رسالة، فأي إنسان يظن أنه يستطيع إصلاح حال الأمة من خلال حل مشكلات الصناعة أو الزراعة أو الجوانب المادية نقول له إن هذه الخطوة تكون في وقت لاحق. هذه الأمة لن يصلحها إلا دين لأن العربي دون دين لا يستقيم فالعرب هم مادة الإسلام، ولكنهم يغفلون جهود 75% من المسلمين الجادين نتيجة التعالي والنظرة الضيقة التي يبغضها رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم -. فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف نبدأ؟! يجب علينا العمل داخل منظومة واحدة، فإذا كنت ألقي محاضرة ثم تأتي أغنية فتهدم كل شيء لا يهم فلو كان هناك ألف بان وخلفه هادم واحد لكفى. وصحوة الأمة ليست مرتبطة بالدعاة فقط لأنهم عبارة عن حلقة في سلسلة المنظومة التي ينبغي أن تتكامل مع باقي المنظومات كذلك يجب إعادة النظر في تاريخنا، إلى جانب وضع الخطط لعشرات السنين من قبل الخبراء والمخلصين والغيورين على دينهم. وبالتالي سنصل إلى ما وصل إليه الغير وهكذا علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فالقضية الآن أننا لا نستطيع تغيير حال الأمة في لحظة ولكن هذا الأمر يحتاج إلى عقود من الزمن فهل عندنا النفس الطويل؟!

وهذه العملية لابد من أن يشترك فيها كل أطياف المجتمع من الدعاة والعامة وأصحاب الفكر وأصحاب القرار والمؤسسات...إلخ.

 

*-أين يتمثل دور العلماء والدعاة؟

 

*دورهم يتركز في أن يحببوا الله لعبادة، لأنه إذا أحب الناس دينهم حبا جما صار كل واحد منهم حجر بناء لصرح الإسلام الكبير. فعندما يقوى الوازع الديني لدى المسلمين ثق تماما بأننا سننهض.

والعلماء عليهم حمل ثقيل في أن يعيشوا واقع الأمة ليطوعوا الواقع على النص، بالإضافة إلى النظر مرة أخرى فيما ورثناه من كتب السلف لتنقيتها مما دخل عليها من اسرائليات.

 

*-ما رأيكم في وضع الشباب حاليا الذي ضيعت هويته وأصبح يسير بلا هدف؟

 

*الواقع يقول أن الأب قد انصرف لتكاليف الحياة والأم أصبحت عاجزة عن الولد، ولأنه لم يأخذه الأب منذ الصغر إلى المسجد ليألف المسجد والإيمان.

في الوقت نفسه هناك أمثلة للشباب الجاد والنافع للأمة الإسلامية.

فاشغال الناس اليوم بالتفاهات أحدث خللا في واقع الأمة، الأمر الذي يستدعي أن نترفع عن هذه الملهيات. كذلك يوجد دور مهم لأبنائنا الدعاة من الشباب الذين ينبغي عليهم الاقتراب أكثر من الغافلين لإرشادهم إلى الطريق الصحيح وتصحيح مسارهم المعوج وذلك من خلال المحبة والقدوة وتليين القلوب، فإذا علم هؤلاء الشباب التائهون حقيقة الدين بأنه انطلاق وليس قيود انتهت القضية.

 

*-دأب الغرب في إثارة الشبهات على الإسلام والمسلمين، فماذا تقول حيال ذلك؟

*قبل أن أنظر إلى عيوب الغير يجب أن أصلح عيوبي بمعنى أنه لو زارنا رسولنا الكريم - عليه الصلاة والسلام - هل يُسرّ بنا أم يحزن؟ الخلل عندنا ونحن قصرنا كثيرا فهناك حوالي 30 مليون مسلم في الغرب لم يستطيعوا إلى الآن إنشاء قناة إعلامية بلغة القوم ليوضحوا فيها معالم الإسلام!! كذلك نحن لا ننتظر من الغرب إلا الجهل أو الحقد وهذا هو الذي يحركه. الأمر الذي يترتب عليه أن نكون مبادرين لا أصحاب ردة فعل.

 

*-شاع في الآونة الأخيرة مصطلح الوسطية، ولكن إلى الآن لم نجد له معنى ثابتا ومتفقا عليه، فما رأيكم؟

 

*الأمة ارتضت الخلاف الفقهي على مر الزمن حيث يوجد عندنا الأحناف والحنابلة والشافعية والمالكية ولكنها إلى الآن لم ترتض الخلاف الحركي أو الفكري لأننا كعرب لا نجيد أدب الاختلاف والحوار. أما الأمة الوسط فهي أمة محمد-  صلى الله عليه وسلم - (وكذلك جعلناكم أمة وسطا). فكل من يسير وفق الكتاب والسنة دون بدعة أو خرافات فإنه يمثل منهج الوسطية، ولكن المصيبة تكمن في تمايز الجماعات على الساحة. فكل جماعة على الساحة تسير على وفق هذا المنهج فهي وسطية طالما لا تبتدع ولا تضيف ولا تحذف. فكل شخص يعمل لنصرة الدين الإسلامي فهو يندرج تحت مصطلح الوسطية.

 

*-هل هناك علاقة بين الفنون وخدمة الإسلام؟

*طالما في الأمور التي لم ينه عنها الشرع الحنيف فمرحبا بها. فإذا كانت هذه الفنون تخدم الفكرة ولا تقوم على الكذب أو أي شيء محرم أو لا تشذ عن القواعد المعمول بها في شرع الله فأهلا بها. فالإسلام يعطي مساحة للحرية فيما لا يسيء للآخرين ولا يتعدى حدود الله.

 

*-أين ترى وسائل الإعلام الإسلامية على الساحة الإعلامية؟

*مازالت في طور البداية لأنها جديدة، فالبعض منها يريد التقرب أكثر من الناس وبالتالي يدخل في مسألة التيسير الزائد عن حدة في المقابل هناك طائفة أخرى تعمل بالأحوط فتمسك بزمام الأمور في كل شيء وبالتالي تثقل على بعض الأنفس فكلا الطرفين لا نحتاج إليه، والأمر يجب أن يخضع لمنهج الوسطية، فأرجو أن تحسن وسائل الإعلام الإسلامية من نفسها وترفع من كفائتها لأننا نأمل فيها الكثير من الخير إن شاء الله.

 

*-ما رأي فضيلتكم في المشاركة السياسية للمرأة؟

*المرأة ليست نصف المجتمع ولكنها المجتمع كله. فإذا عطلنا المرأة فإننا بذلك عطلنا نصف المجتمع. فلماذا لا تكون هناك معلمات وفقيهات ومربيات؟! فتعطيل المرأة أو إطلاقها يمثل إجحافا في حقها والأمر الذي نؤكد عليه والعودة للوسطية مرة أخرى.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply