بسم الله الرحمن الرحيم
أجرت صحيفة \"دي فيلت\" الألمانية حوارًا مع \"صامويل هنتنجتون\"، الأب الروحي لنظرية صدام الحضارات، وهو أستاذ علوم سياسية بجامعة هارفارد، اشتهر بتحليله للعلاقة بين العسكر والحكومة المدنية وبحوثه في انقلابات الدول. في 1993 أشعل هنتنجتون نقاشًا مستعرًا حول العالم في العلاقات الدولية بنشره في مجلة فورين أفيرز (العلاقات الخارجية) مقالاً شديد الأهمية والتأثير بعنوان \"صراع الحضارات\"، ثم قام لاحقاً بتحويل مقاله إلى كتاب صدر في عام 1996 بعنوان صراع الحضارات وإعادة صياغة النظام العالمي.
وفي كتابه \"من نحن؟..تحديات الهوية الوطنية الأمريكية\" الصادر في مايو 2004º ينادي هنتنجتون بمعاداة الإسلام كدين وحضارة من أجل إعادة تشكيل الهوية الوطنية الأمريكية والحفاظ عليها خلال الفترة الراهنة وفي المستقبل المنظور.
فرغم أن هنتنجتون لا يرى في كتابه الجديد أن الإسلام هو أحد التحديات الأساسية التي أدت إلى تراجع شعور الأمريكيين بهويتهم الوطنية خلال العقود الأخيرة، فإنه يرى أن العداء للإسلام والحضارة الإسلامية قد يساعد بشكل كبير في تحقيق التفاف الأمريكيين المنشود حول هويتهم الوطنية في المستقبل المنظور.
وإليكم الآن نص الحوار:
· تقوم نظريتكم في صراع الحضارات على فرضية أن السياسة الدولية أو سياسة العولمة في عصرنا الحالي تتحدد ملامحها من خلال الصراع الرهيب بين الحضارات المختلفة والأديان المتعددة. هل ترى أن نظريتك أسيء استخدامها وتم استغلالها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001؟! وهلا قمت اليوم بتعديل نظريتكم حول \"صدام الحضارات\"؟!
· صامويل هنتنجتون: حسبما أعتقد فإن العلاقات بين دول العالم في السنوات العشر القادمة على أقصى تقدير سوف تشهد تغيرًا في طبيعتهاº حيث إنها سوف تعكس ارتباط كل دولة بثقافتها والصلات والتناقضات الثقافية لكل دولة على حدة أكثر من قدرتها على عكس أية ظروف أو أحوالٍ, أخرى، فمن الواضح تمام الوضوح أن القوة سوف تلعب من الآن فصاعدًا الدور المركزي في السياسة العالمية كما هو الحال دائمًا، إلا أنه من المعتاد أن تندلع الحروب والصراعات بسبب أمور أخرى غير ذلك.
في القرن الـ18 بأوروبا كانت الملكية تقف ضد الحركة الجمهورية الناشئة والتي ظهرت في أمريكا أولاً ثم في فرنسا بعد ذلك، وفي القرن 19 كانت الحركة القومية هي السائدة، بينما شهد القرن الـ20 اعتلاء الفكر الأيديولوجي لسدة الحكم في معظم فتراته، ولم يكن هذا نتيجة للثورة الروسية فقط.
ودخلت الفاشية والشيوعية والديمقراطية الليبرالية في صراع تنافسي من أجل سيادة كل فكرة بدلاً من الأخرى، أما الآن فعلى ما يبدو انتهى هذا كله، وباتت الديمقراطية الليبرالية ولو نظريًا على الأقل مقبولة في مختلف أنحاء العالم ومعترف بها حتى وإن كانت غير مطبقة تمامًا، والسؤال الذي أطرحه الآن: ما هي بؤرة الصراع خلال العقد القادم؟! لا زلت أرى أن الهوية الثقافية والتناقضات والانتماءات لثقافة دون أخرى لن تلعب دورًا فقط بالنسبة للعلاقات بين الدول، بل إنها سوف تكون صاحبة الدور الأهم والأكثر حيوية في تلك العلاقات.
· هل توجد فرصة للتقارب بين العالمين الإسلامي والغربي؟!
· هنتنجتون: العالم العربي يتعاون مع الدول الإسلامية والعكس نظرًا لأن السياسة الدولية لا تزال سياسة معقدة للغاية، فالدول لها مصالح متباينة، وتلك المصالح هي التي ربما تقودها إلى تحالفات عجيبة وغير معتادة، فعلى سبيل المثال فإن الولايات المتحدة الأمريكية تحالفت ولا تزال تتحالف حتى الآن مع ديكتاتوريات عسكرية، حيث يبدو الموقف أننا كأمريكا نريد أن تتحول تلك الديكتاتوريات إلى ديمقراطيات، ولكن انطلاقًا من مصالح قومية نقوم بتلك التحالفات كما هو الحال مع باكستان وأفغانستان والبقية تأتي.
· لقد ادعيتم أن الليبرالية الديمقراطية في أمريكا في تزايد لدرجة أنها أصبحت أيديولوجية أمريكية.. فما تعليقكم؟!
· هنتنجتون: لقد كانت الليبرالية الديمقراطية هي الأيديولوجية الأمريكية على الدوام، إلا أنني حاولت في المطلق أن أتجنب مصطلح الأيديولوجية في هذا السياقº إذ إنني أتحدث من منطلق القناعات والقيم الأمريكية.
· هل تعتقد أن الثقافة الإسلامية سوف تصير في المستقبل مترابطة؟!
· هنتنجتون: بالتأكيد لاحظنا حركات تسير في هذا الاتجاه ألا وهو اتجاه الترابط والتلاؤم فيما بينها، وبلا شك فإن هناك جماعات إسلامية سياسية متعددة تسعى للحوار مع كل المجتمعات الإسلامية، لكنني في قناعتي الذاتية لديّ شك أن ينجح المسلمون في الانصهار داخل بوتقة نظام سياسي مترابط، وأعتقد أنه بمقدورنا التعاون مع زعماء العالم الإسلامي والعربي في العديد من القضايا وكذلك أيضًا بإمكان المجتمعات الغربية، وبالنسبة لي فإني لا استبعد إمكانية قيام منظمة إسلامية أو على الأقل عربية على غرار منظمة الاتحاد الأوروبي، إلا أن لديّ قناعة بأن منظمة كهذه لا يحتمل وقوعها قريبًا، وإن كان إنشاؤها قابل للتصور والتخيل.
· الثقافة الإسلامية - كما كتبتم - هي المسئولة الأولى عن عدم وجود الديمقراطية في العالم الإسلامي، إلا أن العديد من الدول الإسلامية توجد بها أنظمة ديمقراطية مثل السنغال ومالي وإندونيسيا والهند التي يوجد بها أعداد كبيرة من المسلمين... فما تفسيركم؟!
· هنتنجتون: ليست لديّ إجابة محددة على سؤالك لأنني لست خبيرًا بالشئون الإسلامية، إلا أن ما يمكنني قوله وما أعرفه جيدًا هو أن معدل انتشار الديمقراطية في العالم الإسلامي البطيء نسبيًا وخاصة في الدول العربية أمر مثير للاندهاش والغرابة.
· هل تتبنى نفس وجهة النظر التي يعتقدها الكثيرون بأن السبب وراء التوتر في الشرق الأوسط هو الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟!
· هنتنجتون: من الواضح أن الخطوط الحمراء في صراع الشرق الأوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين تتزايد عبر السنوات وهذا أمر معتاد في الصراعات، حيث حدث من قبل بين إسرائيل ومصر وبين الجماعات المختلفة في لبنان وبين حزب البعث العراقي والمعارضة، فالشرق الأوسط يشهد العديد من الصراعات، ومن غير الواضح من سوف يكون صاحب القوة المسيطرة في الشرق الأوسط. ففي أمريكا الجنوبية عندنا البرازيل، ووسط إفريقيا توجد نيجيريا وجنوب إفريقيا، وفي شرق آسيا اليابان والصين، وفي جنوب آسيا الهند، والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو: أين ستتمركز القوة العظمى بالشرق الأوسط؟! إسرائيل لديها القوة والسلاح النووي الذي تفوق به أية قوة أخرى بالشرق الأوسط، لكنها دولة صغيرة، إضافة إلى أن معظم سكان المنطقة من المسلمين، ما يجعل سيادة إسرائيل على المنطقة أمرًا صعبًا، كما أن إيران ربما تكون هي الدولة المرشحة لهذا الدور ولكنها دولة شيعية، والعرب معظمهم من السنة المسلمين، ما يجعل سيادة إيران أمرًا مستبعدًا أيضًا، إضافة إلى أنها دولة غير عربية ومعظم السكان في منطقة الشرق الأوسط من العرب، أما تركيا فهي دولة مهمة ولكنها دولة غير عربية هي الأخرى، كما أنها تركز أطماعها في البترول الموجود شمال العراق، إذًا لن يخرج دور القوة المؤثرة بالمنطقة عن الدول العربية، ومن الواضح أنه لا توجد دولة تستطيع الترشح لهذه المهمة، فالسعودية تمتلك المال ولكن عدد سكانها محدود نسبيًا، وقد كانت العراق هي الدولة الوحيدة المرشحة لهذا الدور من حيث قدراتها العسكرية كدولة كبيرة ولديها كميات كبيرة من النفط وشعب على قدر جيد من التعليم والتدريب لكنها اختارت الطريق الخطأ.
· البعض ينظر إلى تركيا باعتبارها جسرًا بين العالم الغربي والإسلامي؟!
· هنتنجتون: لا أميل إلى هذا الرأي، لأن تركيا تسعى وراء تحقيق مصالحها، تاريخيًا استعمرت وحكمت أجزاءً كبيرة من العالم العربي، والعرب خاضوا حروبًا للتحرر من سيطرتها، هذا هو الماضي بطبيعة الحال وليس شرطًا أن يؤثر على الأحداث المستقبلية، لكن الناس على كل حال يتذكرون كل هذه الأحداث.
· هل منع سيطرة أية قوة على الشرق الأوسط يقع ضمن أولويات واشنطن بالمنطقة؟!
· هنتنجتون: هذا يتوقف على سؤال يجب طرحه أولاً وهو: من هي تلك القوة المسيطرة؟! فالولايات المتحدة ترى أنه من الناحية النظرية قامت بإنجازات بصورة أفضل مما إذا كانت هناك دولة قائدة بالمنطقةº لأن المرء ربما يقوم ساعتها بالذهاب إلى قادتها ويقول للهند مثلاً: في بنجلاديش توجد الكثير من المشاكل ويجب أن نفعل شيئًا ضد هذه المشاكل.. ماذا تقترحون؟! حينما لا يوجد المكافئ للهند فإن المرء سوف يطير من عاصمة إلى عاصمة من أجل تكوين تحالف، وهو ما يعد أمرًا بالغ الصعوبة في العالم العربي، بالنظر إلى المنافسة هناك المدارس المذهبية المختلفة في الإسلام.
· إلى أي مدى تؤثر الأصولية على السياسة الحالية؟!
· هنتنجتون: الاتجاهات والحركات الأصولية توجد في كل المجتمعات والثقافات، ومن المؤكد أننا نعيش في الولايات المتحدة حركات أصولية تعارض بروح عدائية الهجرة وتجنيس المهاجرين، وهذه الحركات هي حركات عالمية نوعًا ما. والخطورة تكمن حينما ينفك عقال هؤلاء الأصوليين وتصعب السيطرة عليهم ويصبحون قوة فاعلة بالمجتمع، ما يؤدي إلى ظلم الأقليات وشن الحروب ضد المجتمعات المجاورة ذات الثقافات المختلفة، لذا فإنه من المهم مراقبة الأفكار والاتجاهات المتطرفة ووضعها تحت السيطرة.
· كيف تفسر أن التوتر بين المسلمين والجماعات الأخرى في أوروبا أكثر من مثيله داخل الولايات المتحدة الأمريكية؟! وإلى أي مدى تنطبق نظريتكم على الثقافة والهوية لدى جماعة \"هيسبانيك\" \"المهاجرين من أصول إفريقية ولاتينية\" داخل أمريكا؟!
· هنتنجتون: يعود هذا التباين بين أوضاع المسلمين في أوروبا وأمريكا إلى عدة أسبابº من بينها: أولاً: فإن عدد المسلمين المقيمين داخل القارة الأوروبية أكثر منه في أمريكا، ثانيًا: فإن المهاجر الذي يأتي إلى أمريكا فإنه قطع آلاف الأميال وعبر بحارًا ومحيطات، ولم يقتصر الأمر على تسلل الحدود، ولم يأتِ من خلال مركب بحري لم يستغرق وقتًا طويلاً في رحلته، إضافة إلى أننا في أمريكا لا نلاصق أو نجاور دولاً إسلامية، وهذا يظهر الخلاف الجوهري بين الموقفين، أما عن وجه الاختلاف بين المسلمين في أوروبا والهيسبانيك في أمريكا فالاختلاف بينهما جذريº لأن أمريكا دولة مهاجرين والهيسبانيك القادمون معظمهم من المكسيك، وأمريكا الجنوبية يدينون بالكاثوليكية وهو الدين الذي يعتنقه ثلث مواطني أمريكا، فهم كاثوليكيون، وهذا لا يعطي نفس التأثير، ويتحدثون البرتغالية والإسبانية وهي لغات مألوفة لنا ولا تسبب نفس النوع من المشاكل في التعايش كما هو الحال مع اللغة العربية، وأيضًا فالوضع مختلف تمام الاختلاف عن أوروبا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد