بسم الله الرحمن الرحيم
من أعظم ما تحارب فيه الأمم العقيدة، وأمتنا الإسلامية وهي مقبلة على محن تعقبها بإذن الله المنح، ومع شكل من أشكال الحرب التي لا تنتهي يعمد أعداء الدين على طمس أصول عقيدتها (الكتاب والسنة). أعداء من الداخل والخارج قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر. ونحن نستقبل أول أيام رمضان - هذا الشهر الذي ترتبط فيه الأمة جميعا عبادة وسلوكاً
يسرنا أن نجري هذا الحوار الممتع النافع بإذن الله مع شخصية بارزة في المجتمع.
أيها الأحبة ضيفنا في هذا الحوار عالم برع وبرز في مسائل العقيدة تأصيلاً وتعليماً.
حصل ضيفنا على درجة الماجستير من خلال بحثه المقدم بعنوان: (القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة)، ونال درجة الدكتوراه من خلال بحثه المقدم بعنوان: (موقف ابن تيمية من الأشاعرة)، وله عدة مؤلفات من أبرزها: (الحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه)، (أخطاء عقدية)، (وقفات مع أسماء الله الحسنى، اسمه تعالى السميع). ضيفنا أستاذ في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد ابن سعود بالرياض. فنرحب جميعاً بفضيلة الشيخ الدكتور / عبد الرحمن بن صالح بن المحمود.
بدأنا فضيلة الشيخ بهذا السؤال:
فضيلة الشيخ: كما تعلمون حفظكم الله أن شهر رمضان له خصوصيته لدى الأمة الإسلامية، فما توجيهكم في ذلك؟ وكيف للأمة أن تستشعر وحدتها من خلال هذا الشهر؟
الحمد لله رب العالمين، فهذا الشهر الذي تستقبله الأمة كل عام، ويمتد شهراً كاملاً تعيشه الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها لا شك أن له خصوصيته الكبيرة، ويكفي فيه أنه أحد أركان الإسلام، وأن هذا الشهر أيضاً هو شهر تذكير المؤمن بعبادة ربه - سبحانه وتعالى - وإخلاصه له وتقواه، كما أنه أيضاً تذكير لكل مسلم بأصول دينه التوحيد مصدره القرآن إلى آخر الأمور التي تعيشها أمة الإسلام في هذا الشهر الكريم، ما بين عبادة وقراءة وصلاة وذكر وصدقات، ويكفي في هذا الشهر الكريم قول الله- تبارك وتعالى -: \"لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ\" (البقرة: من الآية183)، والتقوى، هي: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، وذلك بفعل ما أمر الله به وترك ما نهاه، فخصوصية هذا الشهر الكريم بالنسبة للأمة الإسلامية ظاهرة، ولهذا نرى أن الأمة الإسلامية من أولها إلى آخرها تستقبل هذا الضيف الكريم استقبالاً خاصاً، وتغير من نمط حياتها لأجله طاعة لله - سبحانه وتعالى -، ومن ثم فكل مسلم يظهر إسلامه ويبين إذا جاء شهر رمضان المبارك، حتى تلك الأسر التي ضعف فيها العلم والإيمان، نجد أن من أعظم ما بقي فيها احترام هذا الشهر الكريم وصيامه والأمة الإسلامية يمكن أن تستشعر وحدتها في هذا الشهر الكريم من خلال ما يلي:
أولاً: أن الله - سبحانه وتعالى - ربط دخول هذا الشهر الكريم بعلامة كونية وهي رؤية الهلال التي تتعدى نطاق هذه الأرض، حتى تعلم الأمة الإسلامية أنها إنما تصوم لربها الذي خلق السماوات والأرض والذي بيده مقاليد كل شيء، وحتى تعلم هذه الأمة أنها لا ترتبط لا بشرق ولا بغرب، وأن هذه الأمة هي أمة ربانية إنما تتعبد لربها - سبحانه وتعالى -.
ثانياً: إجماع وإطباق الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها على صيام هذا الشهر الكريم فما من بيت أو أسرة في منطقة نائية أو في جزيرة من الجزر أو في أقصى البلاد إلا وتشعر بأنها تصوم هذا الشهر الكريم مع إخوانها المسلمين، ولا شك أن هذه علامة على الرابطة الإيمانية القوية التي تربط هذه الأمة في كل مكان إنها رابطة التقوى والإيمان والطاعة لله - سبحانه وتعالى -.
ثالثاً: تبرز وحدة هذه الأمة في اجتماعها لقيام الليل الذي سنّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الشهر، فتجد الأمة الإسلامية مرتبطة بمساجدها فتُعمر المساجد بالصلاة وقراءة القرآن وبالأمور الخيرية واجتماع المسلمين وتعرّف بعضهم على بعض، حتى إن الكثيرين ربما يمر قرابة عام لا يعرف بعض إخوانه إلا في رمضان نظراً لكثرة من يأتي إلى هذا الشهر الكريم ويجلس فيه حتى إن بعض الناس قد لا يكون ممن يترك صلاة الجماعة إلا أنه لا يكاد يبكّر أو لا يكاد يجلس بعد الصلاة، فيأتي هذا الشهر الكريم لتتوحد جماعات المسلمين في أحيائهم وعند مساجدهم، وهذا واضح والحمد لله.
رابعاً: من الأمور التي تبرز فيها وحدة هذا الشهر الكريم أنه شهر القرآن الذي هو كتاب الله وكلامه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فهذا الشهر هو شهر القرآن وأمة الإسلام هي أمة القرآن، وفي هذا الشهر الكريم تبرز العلاقة القوية بين المؤمن وبين كتاب ربه - سبحانه وتعالى - يسمعه ويتلوه ويجلس إليه ويقرأ أحياناً تفسيره فهذا تفكير عظيم لأمة الإسلام أنها ترتبط بكتاب ربها الذي هو دستورها ومرجعها مع بيانه من سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - (وحتى تعلم هذه الأمة أنه لن يستطيع أحد النيل منها في جملتها لأنهº لن يستطيع أحد النيل من كتابها الذي - حفظه الله - فتتعلم هذه الحقيقة الكبرى، وأنها إنما تلتقي على ذلك، ولا شك أن القرآن العظيم هو حبل الله المتين ونوره المبين وصراطه المستقيم متى ما اعتصمت به هذه الأمة كان لها عزها ونصرها.
وتبرز أيضاً وحدة الأمة الإسلامية من خلال صلاتها في جميع الصلوات، ومن خلال لهفها وشوقها إلى بيت الله الحرام فمن الملاحظ أن الأمة الإسلامية كلها تتابع من خلال الوسائل الإعلامية الآن الصلوات والقيام في بيت الله الحرام الذي يصلي فيه المسلمون هناك عند الكعبة التي تستقبلها أمة الإسلام في كل مكان ثم إن هذه الأمة أيضاً إنما تتوجه في عباداتها وصلواتها إلى بيت الله الحرام، فإذا ربطنا المكان والزمان وأضفنا إلى ذلك قراءة القرآن تبيّن كيف أن هذه الأمة هي أمة راسخة مهما نال منها أعداؤها ومهما حاولوا، بيت الله الحرام قبلتها تتوجه إليه وتهفو إليه القلوب من كل مكان شهر رمضان ركنها في الصيام تلتقي معه كل عام صلاتها في كل يوم خمس مرات، وهكذا فإن حقيقة مظاهر وحدة الأمة الإسلامية كثيرة جداً، وعلينا في هذا الشهر الكريم أن نستشعره وأن نذكّر إخواننا، سواء كان على المستوى الصغير من أسرنا وجي
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد