القيادي في جماعة الإخوان المسلمين عصام العريان


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحركات الإسلامية متجددة والإصلاح الذاتي ضمن أولوياتها 
عصام العريان

لإصلاح الذاتي داخل بنيان الحركة الإسلامية في العالم العربي موجود ومستمر..قد يتعطل أحيانا أو يتباطأ بسبب الظروف الداخلية والخارجية، وانسداد الطريق السياسي أمامنا في أغلب الأوقات، لكن الإصلاح لم يتوقف يوما، والغرض النهائي هو رضا الله ثم خدمة البلاد والعباد.

هذا بعض مما أجاب به القيادي البارز في حركة الإخوان المسلمين الدكتور عصام العريان على أسئلة الجزيرة نت حول قضية الإصلاح الذاتي في بنية الحركات الإسلامية في الوطن العربي.

 

حوار/ محمد السيد غنايم

 بداية، باعتبارك قياديا في حركة إسلامية بارزة، بنظرك ماذا يعني \"الإصلاح الذاتي\" للحركات الإسلامية؟

الإصلاح الذاتي من وجهة نظري هو قضية تحد أساسية، لأننا إذا كنا نقول إننا قادرون على إصلاح المجتمع، بل وأستاذية العالم في نهاية المطاف أي إصلاح العالم، فلابد أن نبدأ بإصلاح أنفسنا وتجديد دمائنا. وأنا هنا لا أعني فقط مجرد التركيز على مسألة الانتخابات داخل تلك الحركات -على سبيل المثال- ولكني أقصد إصلاح البنية الداخلية كلها، والتي تبدأ من الفكر وتنتهي باختيار القيادات وأساليب العمل.

وأنا أعتقد أن الحركات الإسلامية المنطلقة من مدرسة الإخوان المسلمين هي بطبيعتها حركات تجديدية بمعنى أنها تريد أن تجدد في حياة المسلمين وأن تجدد في الفكر الإسلامي والاجتهادات الفقهية لتتواكب مع الحياة المعاصرة، وبالتالي فإن أي كلام عن الإصلاح الذاتي داخل الحركات الإسلامية هو كلام مقبول ويجب أن يحترم وأن يتم تفعيله وألا يكون مجرد شعارات.

 

هل يعني ذلك أن \"الإصلاح الذاتي\" أولوية ملحة في الحالة الإسلامية؟

 

الإصلاح الذاتي هو إحدى الأولويات لكنه لا يمكن أن يكون الأولوية الأولى، فالحركة تسير في محاور عديدة، تتحرك في داخل محورها الداخلي وعلى محور المجتمع، وعلى المحور السياسي، تتحرك كذلك على محور الخطاب في الخارج أو مع الدول الخارجية، ولاشك أن الإصلاح الذاتي الداخلي قد يحتل أولوية متقدمة.. فبدون تحقيقه لن نستطيع أن نحسم بقية الملفات ونمضي بها قدما.

الإسلاميون يدعون للديمقراطية والتعددية في العالم العربي، ولكن أين هم مما يدعون إليه؟ هل يوجد داخل الحركات الإسلامية تعددية وتداول حقيقي للسلطة؟

\"الضغوط الأمنية من جهة، والانسداد السياسي من جهة أخرى، يمنع إعطاء الفرصة للحركة الإسلامية لمزيد من الإصلاح والتجديد داخلها وخارجها\"

أقول بكل اعتزاز نعم، داخل الحركات الإسلامية كوعاء واسع توجد تعددية، صحيح أن هناك مدارس في داخل الإطار الإسلامي العام متنوعة وبينها خلافات، لكنها لم تصل إلى حد التفرق المذموم أو الاقتتال الداخلي، هناك مدرسة الإخوان المسلمين وفصائلها المتنوعة، هناك مدرسة السلفيين، الجهاديين، الصوفيين، الدعوة والتبليغ.. إلخ وهذه اجتهادات، وقديما قال حسن البنا \"العلاقة التي بين هذه التيارات الإسلامية المتنوعة يجب أن تكون الحب والإخاء والتعاون والولاء، وأن تجتمع على الأهداف والمقاصد الكبرى\".

 

وإذا انتقلنا إلى الفصيل الرئيسي وهو مدرسة الإخوان المسلمين فسنجد أن هناك تنوعا أيضا داخل هذه المدرسة، لكن هذا التنوع لا يمنع إطلاقا من التعاون، ثم إذا جئنا إلى داخل كل فصيل بمفرده كإخوان مسلمين، نجد أن هناك تنوعا في الآراء وتنوعا في الاجتهادات والرؤى، نجد احتراما للتخصصات، وهذه تحسم داخل الإخوان إما بآلية الأغلبية عند اتخاذ القرارات، أو بآلية التصويت والترشيح والانتخاب عند اختيار القيادات.

 

لكن جماعة الإخوان المسلمين -على سبيل المثال- متهمة بأن شخص مراقبها أو مرشدها العام يكون في العادة معروفا مسبقا، والعملية الانتخابية هي مجرد عملية صورية، ما ردكم؟

 

هذا فيه ظلم للواقع، وسأضرب مثالا حدث أخيرا، المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن لم يدَّع أحد قبل يوم واحد من انتخابه أنه سيكون الأستاذ سالم الفلاحات، الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي، الحزب الإسلامي في الأردن المعبر عن الإخوان المسلمين، لم يقل أحد أنه سيكون زكي أرشيد، إلا قبل اختياره بأيام قليلة جدا، ومعنى ذلك أن هناك اختيارا وهناك تداولا على الرأي والتزاما بنتيجة التصويت في نهاية الأمر.

 

وقد أعلن المرشد العام للإخوان المسلمين أنه سيتقدم باقتراح لمجلس الشورى العام ليجعل مدة المرشد في منصبه فترتين فقط، بحد أقصى ثماني إلى عشر سنوات، وأعتقد أن هذا استجابة لتطورات عصرية ضغطت من أجل إعطاء صورة ومثال لأنه إذا لم نكن قادرين على إعطاء قدوة من داخلنا فالناس ستفتقد فينا المصداقية.

 

في رأيك هل هناك معوقات فعلية تحول دون إحداث إصلاحات حقيقية داخل بنية الحركات الإسلامية في الوطن العربي؟

 

نعم.. هناك معوقات خارجية وداخلية، المعوقات الخارجية أشد وأقسى، وهي الضغوط الأمنية من جهة، والانسداد السياسي من جهة أخرى، والذي يمنع من إعطاء الفرصة للحركة الإسلامية لمزيد من الإصلاح والتجديد داخلها وخارجها.

 

ثم هناك معوقات داخلية وهي تقاليد أبوية موجودة في المجتمع، تقاليد شرقية تجعل احترام الكبير يصل إلى درجة أكبر من مجرد الاحترام، بحيث ينقلب التوقير والأدب المطلوب من الصغير للكبير إلى نوع من عدم الرغبة في إغضابه، وبطبيعة الحال فإن الشعور بمجرد أنه إذا ترك منصبه فسيغضب يجعله يستمر فيه.

 

هل تجد في ذلك مبررا كافيا لبطء عملية الإصلاح في بنية الحركات الإسلامية على الساحة العربية؟

 

\"الإصلاح داخل جسد الحركة الإسلامية العربية لم يتوقف يوما لكنه يسير وفق الطاقة وقدر الاستطاعة\"

أريد لفت الانتباه إلى قضية مهمة، فكما أن التباطؤ في الإصلاح خطأ فالتسرع أو التعجل فيه أيضا خطأ وخطر، هذا النوع من التعجل الذي يؤدي إلى الإحساس بأنه لا يوجد أمل في الإصلاح، فنخرج من هذه الجماعة إلى غيرها أو نشق التنظيم إلى تنظيمين كما حدث في كثير من الحالات الإسلامية في أكثر من بلد، هذا يؤدي إلى التشظي في الحركة الإسلامية، وهذا الأمر كان سمة أساسية للحركة الشيوعية المصرية تحديدا.

 

وهذه المشكلة خطيرة حقا، لأنها ستؤدي إلى خروج من يتبنون ويرفعون شعارات الإصلاح والتجديد إلى خارج الجسد الرئيسي للحركة الإسلامية.

 

وعلى ذلك يجب أن نحترم التنوع والاجتهاد داخل الصف كما نحترم التنوع والاجتهاد في الوسط الإسلامي العام وفي كل مدرسة من المدارس ويجب أن يسود الاحترام المتبادل وأن تكون هناك قواسم مشتركة بين كل العاملين للإسلام أيا كانت مشاربهم ويبقى الهدف الرئيسي هو رضوان الله - سبحانه وتعالى - ثم تحقيق مصالح البلاد والعباد.

 

أخيرا، كيف تقيم سير عملية \"الإصلاح الذاتي\" داخل بنيان الحركة الإسلامية في الوطن العربي؟

 

الإصلاح داخل جسد الحركة الإسلامية العربية لم يتوقف يوما.. هناك إصلاح مستمر، فمنذ انضمامي للإخوان المسلمين على سبيل المثال- فوق ما يزيد عن الثلاثين عاما، وأنا أشعر كإنسان عاش هذا العمر في إطار هذه الجماعة أن الإصلاح لم يتوقف، قد يتعطل أحيانا ويتباطأ أحيانا أخرى، لكنه لم يتوقف بحال من الأحوال لأن هذه سنة كونية إلهية، تسير وفق الطاقة وقدر الاستطاعة.

 

وأنا أعتقد أن الأصل في هذا الموضوع، أنه عندما يتوافر مناخ موات وبيئة اجتماعية تؤدي إلى إعلاء صوت العقل والحرية وصوت العدل والشورى، هذه البيئة تؤدي إلى تفتح أزهار كثيرة، أما الضغط الأمني فيؤدي إلى العكس تماما.. مزيد من التسلط والتماسك الشديد لمواجهته، وبالتالي تعطيل الإصلاح بكافة مستوياته.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply