بسم الله الرحمن الرحيم
الرئيس سليمان تيهتش
البوسنة تشق طريقها نحو الاستقرار...
نريد \"دولة\" مواطنين.. لا \"دولة\" طوائف
أعرب الرئيس البوسني سليمان تيهيتش عن رغبة بلاده في أن تصبح عضوًا فعالاً في منظمة المؤتمر الإسلامي عما قريب. وأشار إلى وجود توجه دولي يهدف لإصلاح أخطاء اتفاقية \"دايتون\" التي أنهت الحرب في البوسنة في 21 نوفمبر 1995 وأكد في حواره مع المجتمع أن البوسنة سيصبح لها رئيس واحد بدلاً من المجلس الرئاسي المكون من ثلاثة أعضاء. وكان الرئيس سليمان تيهيتش قد حضر الاجتماع الطارئ لمنظمة المؤتمر الإسلامي الذي عقد مؤخراً في مكة المكرمة وألقى فيه كلمة مطولة..
مضى أكثر من 10 سنوات على اتفاقية \"دايتون\"، ومازالت هناك مساعٍ, لإصلاح الاتفاقية وبناء المؤسسات المركزية لدولة البوسنة والهرسك، هل هناك أمل في تحقيق ذلك؟
بدون شك هناك أمل كبير، ونلمس ذلك من خلال مواقف الأطراف الدولية، التي ترى في استقرار البوسنة استقراراً للمنطقة ولأوروبا والعالم.
ماذا عن انضمام البوسنة للاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي؟
الانضمام للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي يتطلب استكمال الشروط، وتحقيق المعايير الموضوعة من قبل هاتين المنظمتين الدوليتين، والمتمثلة في الإصلاحات العسكرية والأمنية والاقتصادية، والجمارك والضرائب وغير ذلك. أما بالنسبة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، فنحن نسعى للانضمام إليها لنصبح عضواً كاملاً، حيث نحظى حالياً بصفة مراقب فحسب، وقد أعربت المنظمة عن ترحيبها بضم البوسنة إلى عضويتها، ولكن للأسف، لا يوجد أي توافق بيننا وبين شركائنا في الوطن حول ذلك حتى الآن.
كانت هناك فرصة سانحة للبوسنة لأن تصبح عضواً في منظمة المؤتمر الإسلامي أثناء الحرب، وكان بإمكانكم تجنب الوضع الحالي.. ما رأيكم؟
بالفعل كان ذلك ممكناً سنة 1994، في زمن الراحل علي عزت بيجوفيتش - يرحمه الله - ولكننا في ذلك الوقت كنا نُتهم بمحاولة إقامة دولة إسلامية في قلب أوروبا، وهو ما جعلنا نؤجل اتخاذ تلك الخطوة، وأنتم تعلمون أن الحرب كانت قائمة في ذلك الوقت، وبإمكان الدعاية السوداء أن تستغل ذلك. الآن الوضع تغير حيث يتحتم علينا أن نحصل على موافقة جميع الأطراف الموجودة في البوسنة وأعني الصرب والكروات.
لكن الانضمام لمنظمة المؤتمر الإسلامي سيعود بالفائدة على الجميع بمن فيهم الصرب والكروات لا سيما في المجال الاقتصادي.
هذا ما نقوله لشركائنا في الوطن، وللجهات الدولية الأخرى، انضمامنا لمنظمة المؤتمر الإسلامي، سيعود بالفائدة على الجميع كما ذكرت، فالأعضاء كاملو العضوية في منظمة المؤتمر الإسلامي يحصلون على امتيازات كبيرة. وأعتقد أن من مصلحة جميع الأطراف في البوسنة الموافقة على عضوية البوسنة في منظمة المؤتمر الإسلامي، فهذا يخدم جميع الأطراف.
كيف تقيمون انضمام البوسنة المستقبلي إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي مقارنة بمنظمة المؤتمر الإسلامي؟
هناك فرق بين الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وهو أن المنظمة تدعونا للانضمام إليها بدون شروط، في حين ليس من السهل الانضمام للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، فالانضمام للشراكة الأوروأطلسية تتطلب استراتيجية مهمة للسياسة الخارجية البوسنية. ولكن علينا قبل ذلك تحقيق المعايير التي تضم 31 شرطاً. وهذا يتطلب منا ما بين 6 و12 سنة من العمل والتطوير على جميع الأصعدة وفي كل المجالات. وهذا طريق لا مفر من السير فيه للأسباب التي ذكرتها آنفاً. وفي نفس الوقت لا يمكننا الاستغناء عن منظمة المؤتمر الإسلامي.
لو عدنا للوضع الداخلي في البوسنة، ومفاوضات تغيير الدستور، كيف تسير الأمور، لا سيما أن المحادثات أجّلت إلى 3 يناير القادم؟ وهل طالبتم بإزالة الحكم الإداري الذي يهيمن عليه صرب البوسنة؟
دعني أبدأ من آخر السؤال، لأنه مهم جداً بالنسبة لنا، فقد تمكنا من إزالة الصفة الصربية عن عدد من المدن والبلدات والجهات والضواحي، وأنت تعلم أنه كان هناك ما يسمى \" سراييفو الصربية \" و\" صربسكي برود\" و\"صربسكي جوراجدة \" وغيرها، وهي الآن غير موجودة بعد صدور حكم قضائي يمنع ذلك، وتم تغيير تلك الأسماء وعادت الأسماء الحقيقية لتلك المواقع. أما اسم \"ربيبيلكا صربسكا \" فنحن لا نزال نطالب بإزالته، رغم أننا لم نتظرق إليه في المباحثات التي أشرت إليها والتي أجلت إلى مستهل العام القادم بالفعل، وأعتقد أن ذلك سيتم بعد الانتخابات سنة 2006 والسبب في ذلك هو أننا مشغولون حالياً بما نراه أهم وهو تغيير الدستور، ليتسنى انتخاب رئيس واحد وإقامة حكومة مركزية وبرلمان مركزي قوي.
كيف ترى الوضع الآن، بعد عودة السياسة الأميركية لتلعب دوراً في المنطقة بعد أن هجرتها في ولاية بوش الأولى؟
أعتقد أن هناك تغييراً كبيراً في الموقف الدولي، وأدرك الجميع كما يبدو أن أمن واستقرار البوسنة، شرط لأمن المنطقة وأوروبا والعالم، وليس هذا منحصراً في موقف مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية نيكولاس بيرنس، وإنما الاتحاد الأوروبي أيضاً، وخاصة مفوض شؤون توسيع الاتحاد الأوروبي أولي رين، والرسالة واضحة ومحددة، رئيس واحد، ورئيس وزراء واحد، وبرلمان مركزي، وهو موافَق عليه من قبل الأطراف الثلاثة في البوسنة، من حيث المبدأ ونحن ندرس التفاصيل حالياً.
هل هناك خطوات أخرى ستعقب، عملية تغيير الدستور، التي وصفها البعض بالراديكالية؟
أعتقد أن هناك خطوات أخرى، مثل إزالة الكيان الإداري الذي يهيمن عليه صرب البوسنة، فلا يمكن أن يكون هناك دولة داخل الدولة. ولا يمكن وصف التغييرات الحالية بالراديكالية، لأنها لم تتضمن إزالة الحكم الإداري في هذه المرحلة. وأعتقد أن المجتمع الدولي سيتفهم هذا الموقف لاحقاً. ففي البوسنة يوجد بوشناق وصرب وكروات، ولا يمكن أن تطلق صفة أو شعار طائفي على أي من مؤسسات الدولة، فضلاً عن الأقاليم، والمدن والمقاطعات. وقد قلت في مناسبة سابقة، إن على البوشناق والصرب والكروات أن يكونوا بوسنيين، وهذا ما يجب ترسيخه لمصلحة الدولة، فنحن نريد دولة مواطنين لا دولة طوائف.
كيف سيتم انتخاب الرئيس القادم للبوسنة والهرسك؟
سيتم انتخاب الرئيس من قبل البرلمان، وسيكون له نائبان، وسيكون الرئيس من طائفة، ورئيس الوزراء من طائفة أخرى ورئيس البرلمان من طائفة ثالثة، ولن يكون في المستقبل وجود لاسم مجلس الرئاسة، أو رئيس مجلس الرئاسة، وإنما الرئيس البوسني. وعلى كل حال المفاوضات لا تزال جارية، ولا يمكن استباق الأحداث.
اجتمعت مؤخراً أقوى ثمانية أحزاب بوسنية في واشنطن، وتطرقت لمسألة انتخاب رئيس واحد بدل المجلس الرئاسي، بكل مشكلاته المعروفة، وكانت هناك خلافات بين الأطراف المشاركة، فما طبيعة هذه الخلافات؟
هذا صحيح، الخلافات كانت حول مدة ولاية الرئيس، فنحن طالبنا بأن تكون 4سنوات، بينما الصرب يريدون أن تكون 16 شهراً، ونحن أردنا أن يكون الرئيس رئيساً للدولة، وهم يريدون أن يكون رئيساً لمجلس الرئاسة، وهو مخالف لروح التغيير المطلوب. نحن نريد تغييراً جوهرياً وهم يريدون تغييراً شكلياً، وهذا ما رفضناه. وسيكون لرئيس الدولة نائبان من الطائفتين الأخريين.
البعض قال إن الرئيس سيكون بوشناقياً ورئيس الوزراء من الصرب ورئيس البرلمان كرواتي، وهناك من يرى أن صلاحيات رئيس الوزراء ستكون أكبر من الرئيس والتي ستكون مهمته بروتوكولية، ما تعليقكم؟
لم نبحث هذه التفاصيل، ولا أريد الخوض فيها الآن، دع الأمور تُطبخ على نار هادئة، ولا تستبق الأحداث.
البعض ذكر أنك طالبت في واشنطن، بإزالة الكيانين في البوسنة، ما رأيك؟
لم أطالب بذلك في واشنطن، وإن كنت دعوت إليه في السابق، وهذا موقف لن أحيد عنه. صحيح أن الكروات طالبوا بذلك في واشنطن، وأنا أعلنت دعمي لهذه المطالب. ولكني كنت أعلم أن ذلك غير ممكن في الوقت الحالي، لأن الأمور تحتاج للتدرج، ولا يمكن تغيير كل شيء في لحظة واحدة.
هل سيكون ذلك بعد الانتخابات؟
آمل ذلك.
ماذا تنتظرون في سنة 2006؟
ننتظر الكثير لا سيما وأن العام القادم سيكون حافلاً بالتطورات، حيث سنحصل على جيش وطني واحد، وستجرى الانتخابات، ونوقع اتفاقية الاستقرار والتقارب مع الاتحاد الأوروبي، ويتم تغيير الدستور، وعودة أغلب المهاجرين لديارهم بعون الله.
مضت 10 سنوات على انتهاء الحرب، ولا يزال المتهمون بارتكاب جرائم حرب فارين!
هذا أحد التحديات التي تواجهنا، وتواجه المجتمع الدولي، لا بد للعدالة أن تأخذ مجراها، وبدون اعتقال رادوفان كراجيتش، والجنرال راتكو ملاديتش، لا يمكن بحال من الأحوال، أن تسير الأمور على ما يرام. العدالة شرط للاستقرار بمفهومه الفردي، والجمعي، والدولي. بلادنا في حاجة للتعايش والمصالحة، والعدالة وحدها من يقدر على فعل ذلك.
تتعرض البوسنة لهجمة، تحاول أن تغطي على مساعي الإصلاح، بالتركيز على الجريمة المنظمة، والفساد، وإعطاء انطباع سيئ عما يجري في البوسنة بعد 10 سنوات من انتهاء القتال.
للأسف البعض لا ينظر للبوسنة، بالعين المجردة، بل بمنظار خاص به، ونحن كدولة قامت من بين أنقاض الحرب، لدينا نقائص كثيرة. أما ما يقال فلا يمكننا منع الناس من ذلك، وإنما نطالبهم بالنزاهة، وأخذ المعلومات من مصادرها. فجميع الدول فيها مشكلات مختلفة، ولكن نظامنا الأمني والقضائي أثبت كفاءته. فهناك من يحاول أن يعطي صورة سلبية عن البوسنة، وهؤلاء لهم أغراضهم الخبيثة تجاه البوسنة.
كيف تقيمون الجبهة الداخلية؟
نحن حزب تحكمه لوائح، ونظم، نسير عليها جميعاً، وبالتالي لا يمكن للخلافات أن تتطور إلى ما لا يحمد عقباه كما هو الحال في أحزاب أخرى انقسمت على نفسها، وتبقى الاجتهادات والآراء ووجهات النظر الشخصية، لها مكانتها سواء تم الأخذ بها، أو رجحت كفة أخرى وفق المعايير المتفق عليها بين الجميع. حزبنا قوي، وأثبت جدارته القيادية، وسنواصل الدرب الذي خطه زعيمنا الراحل علي عزت بيجوفيتش - رحمه الله -.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد