الإعلام الإسلامي في تركيا


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

رغم انتماء تركيا في العصر الحاضر إلى منظومة دول العالم الثالث إلا أنها شذت عنها أمور كثيرة ومنها الإعلام، فالإعلام في تركيا حر بكل معنى الكلمة ولا يحتاج الأمر ترخيصًا من وزارة إعلام أو إدارة مطبوعات لإصدار دورية (جريدة أو مجلة) أو إنشاء قناة إذاعية أو تلفزيونية هذا الانفتاح الإعلامي والذي لا يتجاوز عمره عشر سنوات أثمر العشرات من الصحف اليومية ومئات المجلات الدورية أما في جانب الإعلام المرئي والمسموع فيوجد الآن 1500 إذاعة ومعظمها محلي على نطاق موجه (إف. إم) وقليل جدًا منها إقليمي يغطي منطقة معينة، وبالنسبة للتلفاز فهناك 300 قناة تلفزيونية منها ثلاثون قناة فضائية تغطي كافة الأراضي التركية من خلال القمر الصناعي ترك سات إضافة إلى أجزاء من آسيا وأوروبا، أما الباقي فهي قنوات محلية البث في نطاق المدينة أو المنطقة.

هذا الانتشار الواسع لوسائل الإعلام في تركيا وبتنوع لا مثيل له في البلدان النامية بل حتى البلدان الأوربية والذي أشبه ما يكون بالإعلام الأمريكي من حيث التعدد والانتشار مع فارق وحيد أن اللغة التركية محصورة في مناطق محدودة من العالم وليست لغة دولية كالإنجليزية.

هذا التنوع في أدوات الإعلام، مع الكثرة الفاحشة جعل للإعلام سلطة فاعلة وحركة أساسية في المجتمع. يختلف الباحثون والمراقبون للشأن التركي في القوة الأولى التي تحكم البلد، فالبعض يقول إن القوة الأولى الجيش والإعلام القوة الثانية أما الفريق الآخر فيرى العكس، والحقيقة أن الإعلام في كل الأحوال هو الذي يحرك الجيش ويستفزه لضرب أي توجهات إسلامية ولو كانت محدودة ومحصورة، بل لا يعبأ أن يحرّض في كثير من الأحيان الجيش على التدخل المباشر والقيام بانقلاب عندما يرى العلمانيون أن التوجه الإسلامي قد يهددهم أو أن الصحوة الإسلامية بدأت ترفع الرأس وتتنسم الهواء الطليق، لا يريدون وجودًا قويًا مؤثرًا في البلد خلاف العلمانيين فكيف يقبلون ببروز إسلامي صاعد؟ يكاد يتفق المتابعون للشأن التركي أن سقوط حكومة التحالف الإسلامي / العلماني أسقطها الإعلام وبشكل أخص الصحافة اليومية العلمانية ذات النفوذ والانتشار الواسع.

(هناك مجموعتان إعلاميتان علمانيتان صباح، دغوان تسيطران على 35% من الدوريات وكانوا من أسباب إسقاط حكومة أربكان).

من غرائب الإعلام التركي وحريته، أن وجدت محطات تلفزيونية وإذاعية تقدم خدمات خاصة لأصحابها وتقوم بحماية مصالحهم الشخصية الاقتصادية، وأحيانًا بطريقة فجة، فهناك قناة تلفزيونية مهتمه بالدفاع عن كازينوهات القمار تسوق لها وتقعد لفوائدها وآثارها الاقتصادية على المنطقة المحلية وأنها مصدر دخل قوي للعملة الصعبة - خصوصًا من إسرائيل ـ بدلاً من الدراهم القليلة من السياح العرب المتخلفين.

من جانب آخر يعتبر الكثير من الصحف اليومية العلمانية أن من مقومات الصحافة العري والتفسخ فيندر أن يخلو عدد من هذه الصحف من صور نسائية عارية أو شبه عارية وبشكل متكرر ومقزز تشبها بالصحف الشعبية الإنجليزية (التابلويد) ولكن بنساء تركيات (مسلمات على الأغلب)، هذا الأمر لا يوجد ـ على حد علمنا ـ في أي بلد مسلم، ويلاحظ وجود دعم غير مباشر من الحكومات العلمانية للصحف اليومية كي تغض النظر عن الأخطاء وتركز جهودها فقط لتتبع الإسلاميين وأنشطتهم وإثارة العامة والجيش عليهم. [يحصل رئيس تحرير إحدى الصحف اليومية واسعة الانتشار على 000. 1000 دولار شهريًا من الحكومة رشوة مقنعة].

 

الإعلام الإسلامي في تركيا:

نظرًا للجهد الضخم والإرث التراكمي للدولة العلمانية ومؤسساتها في محاربة الإسلام من جذوره، فإن أي جهد لمقابلة هذا المد أو حتى التخفيف من دوره وأثره يصب في خانة الجهد الإسلامي باعتبار أن القائمين عليه من أهل القبلة وذوي نيات حسنة وإن خالفوا أحيانًا المنهج الإسلامي الصحيح.

 

قبل الحديث عن النشاط الإعلامي فإنه يجب معرفة الفئات النشطة وهي:

* الحركات الصوفية النقشبندية وهي ذات انتشار واسع في أوساط عامة الناس وبخاصة القرويون وهي ذات عمق تاريخي بعيد من أيام الخلافة العثمانية.

* حركة النورسيين وهي حركة إسلامية منظمة واسعة الانتشار تهتم كثيرًا بالتعليم يتبعها آلاف المدارس داخل تركيا وأيضًا خارج تركيا، تعتمد على نفسها كليًا في الإنفاق على نشاطها وهي صوفية في الكثير من توجهاتها.

* حزب الفضيلة (الرفاه سابقًا) وهو حزب سياسي بالدرجة الأولى ولكن له أنشطة متنوعة اقتصادية وتعليمية وثقافية وله حضور واسع، ويستفيد ـ في الانتخابات ـ من الجماعات الصوفية.

* تجمعات أخرى:

بخلاف الجماعات السابقة فإنه يوجد في تركيا تجمعات محلية محدودة متنوعة الاتجاهات بعضها سلفي وبعضها إصلاحي عام لكن أثرها محدود وانتشارها ضيق وأتباعها قلة.

رغم هامش الحرية الإعلامية الواسع فإن الإعلام الإسلامي تحت المجهر وسيف الدستور العلماني في وجه التحركات الإسلامية الإعلامية رغم تعقلها واتزانها وقصورها أيضًا في جانب ما تقدمه من مواد إسلامية.

بمعنى آخر الحرية قاصرة إلى حد كبير على الإعلام العلماني ليقدم ما يشاء من انحلال وتفسخ وحتى تشويه الإسلام أم خلاف ذلك فالأصل التتبع والمحاكمة وحتى السجن للمخالفين.

 

إذن عند تقديم النشاط الإعلامي الإسلامي لابد من أخذ الاعتبار للعديد من العوامل المحلية ومنها:

* قسوة النظام العلماني.

* الحرية العرجاء.

* الإرث العلماني (الكمالي).

* انتشار التصوف.

* حداثة الحركة الإسلامية نسبيًا.

* حداثة التجربة الإعلامية الإسلامية.

* التنوع الواسع الانتشار الكثيف لوسائل الإعلام.

* قوة الجيش وهيمنته ودوره (حماية الدور العلماني).

 

بدايات الإعلام الإسلامي:

كانت فترة الستينات هي فترة ظهور الإعلام الإسلامي في صيغته البسيطة والضعيفة، كانت البداية جريدة أسبوعية ثم يومية (الاتحاد، 1966) ثم آسيا الجديدة الأسبوعية ثم الهلال التي استمرت طويلاً ثم توقفت كذلك صدرت هذا اليوم والصباح (التي تحولت إلى علمانية فيما بعد).

 

وكانت هذه الفترة تتميز عمومًا بضعف هذه المطبوعات وتقطع صدورها وتوقف أغلبها.

بعد ذلك ظهرت جريدة تركيا (عن جماعة حسين حلمي الصوفية). ثم في عام (1973) ظهرت جريدة الوطنية عن حزب الرفاه.

بدأ النشاط الإعلامي الإسلامي القوى والواسع الانتشار في الثمانينات وترسخت أقدامه في بداية التسعينات حيث كانت الأوضاع مهيئة بعد الانقلاب العسكري (1987) حيث استفاد الإسلاميون كما استفاد غيرهم من الديمقراطية المعقولة في ذلك الحين (عند أوزال) وكان ـ وما يزال ـ جل الجهود مركزًا على تقديم إعلام هادئ متزن يهادن العلمانية في كثير من الأحيان كي لا يضطر إلى المصادمة معهم، وذي توجهات إسلامية بحسب الجهة المصدرة.

 

الأنشطة الإعلامية الإسلامية:

يمتلك الإسلاميون بمختلف ميولهم وتوجهاتهم العديد من وسائل الإعلام فلهم خمس قنوات فضائية تلفزيونية إضافة إلى بعض القنوات المحلية والعشرات من الإذاعات المحلية. إضافة إلى بعض الصحف اليومية والعشرات من المجلات المتنوعة.

 

أبرز الأنشطة الإعلامية الإسلامية:

 

أولاً: الصحافة اليومية:

صحيفة الزمان: أوسع صحيفة إسلامية يومية، توزع ما يقارب 000. 300 نسخة تدعمها وكالة أنباء خاصة بها (جيهان)، تصدر عن جماعة النورسيين، تهادن الدولة ولا تتصادم مع العلمانيين، تتبع النهج التبليغي في الدعوة، تعتبر جريدة سياسية دعوية عامة.

صحيفة الوطنية: جريدة يومية سياسية دعوية لسان حال حزب الفضيلة (الرفاه سابقًا).

صحيفة تركيا: ذات توجه صوفي يسايرون العلمانيين.

صحيفة العقد:

 

ثانيًا: الدوريات الإسلامية:

هناك العديد من الدوريات الإسلامية (أكثر من 250) من صحف يومية وأسبوعية ومجلات أسبوعية وشهرية، أغلبها محلي مرتبط بأحزاب أو جماعات أو تجمعات إسلامية.

 

ثالثًا: القنوات الفضائية الإسلامية:

1 ـ قناة تركيا: أبرز قناة وأوسعها انتشارًا، تصدر عن جماعة صوفية نقشيندية (جماعة الإخلاص) ولديهم الكثير من النشاط الإعلامي (جريدة تركيا، وكالة أنباء إخلاص إضافة إلى 18 دورية ومجلة).

إضافة إلي النشاط الثقافي والتجاري، لديهم ولاء للدولة ويهادانون العلمانية تسمى قناة إسلامية لأنها تقدم بعض التوجيهات والنصائح الدينية، وموادها الإعلامية محتشمة وليست إباحية.

2 ـ قناة 7: ثاني أوسع قناة إسلامية فضائية انتشارًا.

3 ـ الرسالة: ذات توجه صوفي لكن لديهم قرآن وبرامج تعليمية، أحسن من قناة تركيا.

4 ـ سمان: تتبع النورسيين وهي قوية في الجانب التقني، موادها الإعلامية محافظة في الجملة لكن تفتقد للمواد التربوية الهادفة.

 

أبرز الأنشطة الإعلامية الإسلامية:

1 ـ صحيفة العقد:

أكبر جريدة يومية إسلامية مستقلة، غير مرتبطة بأحزاب أو جماعات، تتعاون مع جميع الاتجاهات الإسلامية، ذات هدف واضح ومحدد وهو كشف العلمانية والعلمانيين وإظهار عوراتهم وفضحهم أمام الناس بالأدلة والبراهين معتمدين على الجرأة في الطرح والثقة بالنفس مع الاستعانة بالخبراء القانونيين لعدم الوقوع فيما يصادم القوانين ويعرض الصحيفة للتوقف أو القائمين عليها للسجن. منهجها ـ كما يوضحه مصطفي أوغلو الناشر ورئيس التحرير «أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين».

تأسست الجريدة قبل خمس سنوات بأهداف محددة وبإمكانات محدودة تطورًا من مجلة الجمعة الشهرية ثم الأسبوعية لاحقًا والتي أدت دورًا جيدًا في الجانب السياسي والدعوي الإسلامي حتى وصل توزيعها إلى 000. 35 نسخة أسبوعيًا. ثم انخفض بعد إصدار الجريدة التي أدت دورًا أكبر وأشمل.

توزع الجريدة الآن 000. 120 نسخة يوميًا، وهو معدل مرتفع مقارنة بأوسع الصحف العلمانية انتشارًا هي جريدة الحرية التي توزع 000. 500 نسخة من مجموع 5. 2 مليون نسخة توزيع كافة الجرائد اليومية.

يقول مصطفى أوغلو رئيس التحرير لدينا سلاح واحد وعدد قليل من الطلقات نحاول الاستفادة منها بأقصى ما يمكن دون أن نستجر لمعارك لم نخطط لها وغير قادرين على الانتصار فيها.

استقلالية الجريدة أعطى قبولاً واسعًا لدى طبقات الصحوة الإسلامية المثقفة سواء التي لها ارتباط بأحزاب أو جماعات أو المستقلين.

رغم التحري الواسع في شأن ما تطرحه الجريدة من قضايا مع الاستعانة بالجهات القانونية إلا أنها لم تسلم من المواجهات مع الجهات العلمانية حتى وصل عدد القضايا التي رفعت ضدها في المحاكم إلى 1000 قضية منها ما خرجت منها بالبراءة ومنها ما حكم عليها بالغرامات المالية...

تعتمد الجريدة على نفسها في تغطية مصاريفها سواء من المبيعات أو الإعلانات رغم محدوديتها وامتناع أغنياء المسلمين عن الإعلان فيها (مجموعة أوكلر) خوفًا من متابعات الدولة بدعوى دعم هذه الجريدة الإسلامية.

أغلب مواد الجريدة معالجات محلية لقضايا ذات ارتباط بالجانب الإسلامي (الحجاب مثلاً) فضلاً عن متابعات سياسية دولية مع اهتمام بالشأن الإسلامي لها، تقل المواد الترفيهية وتكاد تقتصر على صفحة رياضية ذات جذب إعلاني وعدد صفحات الجريدة 20 منها 4 ملونة.

 

2 ـ قناة 7:

ثاني أوسع قناة إسلامية فضائية انتشارًا، تأسست عام 1994، لسان حال حزب الفضيلة (الرفاه سابقًا) تتميز بالاعتدال والموضوعية.

تركز على الأخبار والتحليلات والمقابلات السياسية، وتعطي هامشًا للمناورة مع الجهات المعادية وطرحها السياسي والفكري قوي وفعال وتستضيف الكثير من الشخصيات سواء الإسلامية أو أحيانًا العلمانية أو رموز الدولة لإحراجهم ولها قبول واسع لدى المثقفين بشكل خاص، ونشرتها الإخبارية الرئيسية اليومية قوية جدًا.

أهداف القناة تنحصر في تقديم خدمات إعلامية عامة تخلو من الابتذال والانحلال والتشويه للفكرة الإسلامية.

تقدم مجموعة من المواد الإعلامية العادية من مسلسلات وأفلام رياضية ومنوعات تخلو من المفاسد كما تستفيد أحيانًا من الإنتاج الإيراني.

هناك القليل من البرامج التربوية والاجتماعية الهادفة وتقدم القرآن وبعض البرامج الفقهية.

تحاول أن تعطي الفرصة للمجتمع التركي للإطلاع على مواد إعلامية محافظة بعيدة عن قنوات التفسخ والانحلال الأخرى والقناة ليست إسلامية بالمعنى الحرفي الخاص، لأن النظام العلماني مشهرًا سيفه تجاه أي توجه إسلامي قوي وبارز خصوصًا الإعلامي منه.

والقناة تلتزم بضوابط الهيئة العليا للإذاعة والتلفيزيون والتي تشرف على البث وهي مكونة من أعضاء من الحكومة والبرلمان وبعض الإعلاميين والمختصين وغالبيتها من العلمانيين وهي تقوم بمراقبة البث بما لا يصادم دستور البلاد (العلماني) ويراعي حاجات المجتمع (بزعمهم) كالرياضة والموسيقى والأفلام وغيرها وهي تؤكد متابعتها للقنوات الإسلامية، وتقوم بمحاسبتها بناء على المعطيات العلمانية.

كذلك تعالج بعض قضايا الناس اليومية واهتماماتهم الآنية لكنها تفتقد الكثير من البرامج التربوية الهامة. هذا الضعف في التوجه الإسلامي يعزي إلى أمرين:

الأول: الرقابة والمتابعة الرسمية ومحاولة عدم التصادم مع النظام العلماني المسيطر [أغلقت إحدى القنوات التلفزيونية لمدة شهر لأنها شرحت حديث دخول المرأة النار بسبب ترك الحجاب].

الثاني: طبيعة حزب الفضيلة (الرفاه سابقًا) وتكوينه المنهجي واعتماده التوجه السياسي في الغالب وضعف الجانب التربوي لديهم.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply