صاغ كاتب اسمه جاك جريفين قصة بعنوان: (لا بأس يا بنيّ، الكلٌّ يقوم بذلك)، جاء فيها:
كان (جوني) في السادسة من عمره حينما قبض رجال المرور على والده بسبب مخالفة مرورية وهو معه.
وضع والده مبلغ عشرين دولاراً في يد الضابط أثناء إعطائه رخصة القيادة، وسارت الأمور على ما يرام، فالتفت الأب إلى ابنه وقال: لا بأس يا بني، الكل يقوم بذلك.
كان (جوني) في الثامنة من العمر حينما حضر اجتماع مجلس عائلته الذي انعقد لاختيار أفضل الوسائل للتحايل على قوائم ضريبة الدخل الكبيرة، وبعد نهاية الاجتماع العائلي التفت الأب إلى ابنه وقال: لا بأس يا بني: الكل يقوم بذلك.
كان (جوني) في التاسعة من العمر حينما ذهب مع أمه إلى مهرجان، وكانت تذاكر الحضور قد نَفَدت، فأخرجت الأم ورقة من فئة خمسة دولارات، حصلت بعدها على التذاكر، وحينما جلست مع ابنها على مقعديهما قالت: لا بأس يا بني، الكل يقوم بذلك.
كان (جوني) في الخامسة عشرة من عمره حينما لعب في فريق مدرسته لكرة القدم، وقد علّمه المدرب أساليب المراوغة وإعاقة لاعبي الفريق الآخر بشدِّ القميص أو عرقلة الركض دون أن يتنبَّه الحكم، ثم قال المدرب لجون: لا بأس يا بنيَّ، الكُلٌّ يقوم بذلك.
كان (جوني) في السادسة عشرة من عمره حينما عمل في إحدى البقالات في وظيفةٍ, محدَّدة وهي: وضع الفاكهة والخضروات الجيدة في أعلى الصناديق، والرديئة في أسفلها، وكان المسؤول يقول له: لا بأس يا بني، الكل يقوم بذلك.
كان (جوني) في الثامنة عشرة حينما تقدَّم لإحدى الجامعات مع صديقٍ, له، لم يكن جوني متفوِّقاً في مستواه الدراسي، بينما كان صديقه من المتفوِّقين، ولكنَّ النتيجة كانت قبول (جوني) في الجامعة دون صديقه المتفوِّق، قال والدا جوني له: لا بأس يا بُني، الكلٌّ يقوم بذلك.
التقى (جوني) بشخصٍ, يبيع إجابات أسئلة الامتحان على أمثاله من الطلاب غير المتفوِّقين، فاشترى منه الإجابات، وسمع منه الطرق الملتوية التي يمكن استخدامها للغشِّ أثناءَ الاختبار، وقال له مُطَمئِناً: لا بأس يا بنيَّ، الكلٌّ يقوم بذلك.
وحينما بدأ الاختبار بدأ (جوني) في تنفيذ الطرق الملتوية للغشِّ، فرآه الأستاذ المراقب، وكانت النتيجة التي لم يكن يتوقَّعها، حرمانه من الاختبار وطرده من الجامعة.
ذهب إلى منزله حزيناً، وأخبر أبويه بما جرى، فصرخا في وجهه بلهجةٍ, واحدة: كيف فعلت هذا يا (جوني) ليس الغشٌّ من طبيعة منزلنا ولا عائلتنا؟ يا له من عمل سيّئٍ, مخجلٍ, قد قُمتَ به يا جوني!
نظر إلى أبويه صامتاً، وقد بدت على وجهه علامات دهشةٍ, كبيرة، وأخذ يقلِّب عينيه بين والديه، وهو يتذكر صوراً ماضية للعائلة، كان من أبرزها صورة العشرين دولارا التي دسها والده في يد ضابط المرور لرفع العقوبة عنه، وصورة العائلة وهي مجتمعة تناقش أنجح الوسائل للتحايل على قوائم ضريبة الدَّخل، وحينما طال صمته صرخ والده قائلاً: لماذا تفعل ذلك يا جوني؟ كيف تجرَّأت على عمل تسيء به إلى سُمعة عائلتك؟
التفت إلى والده، وقال - بصوت حزين -: لا بأس يا أبي، الكلٌّ يقوم بذلك. شعر الأب بالحرج، ونظر إلى وجه زوجته التي بدا عليه الحرج أيضاً، وقال لولده: كلا يا ولدي، ليس صحيحاً أن الكلَّ يقوم بذلك، ودنا من ولده، وقبَّل جبينه قائلاً: موقفك هذا يا بني يعلمنا نحن الكبار درسا مهما لا يمكن أن ننساه.
قصة ذات دلالة واضحة تؤكد خطورة دور الأسرة والمجتمع في التربية والتوجيه، وخطورة غفلة المربين عن الآثار السلبية المدمِّرة التي تتركها أفعالهم السِّيئة في نفوس الأجيال الناشئة.
إن الأب، أو الأستاذ، أو الداعية، أو المدير المسؤول يجني جناية كبيرة على الأمة حين يقول لمن يلي أمرهم: لا تكذبوا، ثم يكذب.
إشارة:
لا خير في أحرفٍ, تأتي منمَّقةً **** على اللسانِ إذا لم تَصفُ أفكارُ
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد