أبو الريش


 

بسم الله الرحمن الرحيم

دلفت المدرسة وأنا نافش ريشي كديك، اخترق الآن كتل الغبار الرابضة فوق عتبة الباب الداخلي، بحثت عيناي المنتشية عن غرفة المدير، استقبلني المدير، لعله هو، ربما هو، عرّفته بنفسي، أتضح أنه هو، مازالت النشوة تطن في رأسي، سجلت اسمي في المربع المخصص له بامتعاض شديد، أحسست بأن هذا المربع يضغط على نشوتي، استلمت الجدول وخرجت، الآن الحصة الثالثة وجدولي يشير إلى أن الحصة الثالثة هي رياضيات، صعدت أبحث عن سادس (ب)، ريشي يعبث به الهواء المتدفق، نفشت ريشي، هززت عرفي الأحمر القاني، اقتحمت الفصل، وصوبت نظراتي كالرصاص، هبط صمت إلا وشوشة طالب، نظرت إليه فإذا جسمه يفوق أجسام زملائه، هددت بالوعيد:

-يا ولد بلا صوت.

ازدادت الوشوشة، اشتد احمرار عُرفي:

- يا ولد بلا صوت.

قـذف كلمـة أحرقت جمجمتي فزعَقت:

- يا وقح.. قم.

قام.. يا إلهي طوله مذهل، الأولى أنه الآن في ثاني ثانوي. دحرجت ريقي في قصبة حلقي بقوة،

صرخت بالطالب القريب من الباب:

- بسرعة عصا بسرعة.

قفز الطالب وأنا أغرز نظراتي الحادة في وجه الطالب القمحقي، وصل الطالب، ناولني العصا، أخذت أضرب كف هذا الطالب الأحمق مرة وأخرى، لم يحرك ساكناً فاشتعلت غضباً، شممت رائحة احتراق ريشي، استجمعت قواي، وضربته بعنف فانزلقت الضــربة إلى ذراعه، فصرخ بقـوة وأخذ يتلوى من الألم، تراجعـت منتصـراً، وتراجع هو باكياً، عدلت عقالي المائل، لا أعلم أعتدل أم لا؟. ألقيت بعد ذلك قنابل من الوعيد ثم خرجت نافشاً ريشي..

في الحصـة الخامسة، جذبني أحد المعلمين لا أعرفه بل لا أعرف أحداً لأني معلم جديد، قال لي وعيناه تبرقان:

- ماذا حدث للطالب\"عافت\"في الصف السادس (ب).

رفعت رأسي بتثاقل، لذا لم يهتز عرفي ثم قلت:

- ماذا حدث؟

- لقد انتفخت يده بشكل مخيف.

اضطرب باطني برجفة حادة، أنا غريب الدار وأهلي على بعد 450 كم، اللهم سترك، قلت وأنا أدفع الرجفة التي تعبث بجسدي:

- صحيح!؟

- نعم، وإن هو ذهب إلى أهله فسوف تكون نهايتك.

أحسست بأن ريشي بدأ يتساقط فقلت:

- يا لطيف ما العمل؟

- لابد من حيلة.

كدت أقبل يده استعطافاً وأنا أقول له:

- أرجوك عجل.

أخبرني بحيلة مذهلة، هبطت عليّ حيلته كطوق نجاة، إذن شعاع النجاة بيد أخيه في الثـانوية المجاورة. هرولت نحوه وأنا أشاهد تطاير ريشي في الشارع، مرق طائر فـوق رأسـي، خطف ريشة وحلق بعيداً، دخلت المدرسة الثانوية، مباشرة صعدت إلى الدور الثاني أبحث عن ثاني طبيعي، وصلت الفصل وأنفاسي تلهث خلفي تكاد أن تتمزق، أخرجته من الفصل، شاربه الكث يفزع الطير لكن صوته هادئ، ونظراته مستقرة. قلت له وأنا أشعر بأن جلدي قد تعرى تماماً من الريش:

- أخوك\"عافت\"هل تريد له النجـــاح، المفروض الآن أنه في صفك.

طأطأ رأسـه، استرددت بعض ريشي وقلت:

- لابد من الضغط عليه حتى ولو بالضرب.

قال بعجلة غير متوقعة:

- لكم الجلد واللحم والعظم.

أكتمل التصاق الريش بجلدي، كدت أقفز فوق جدار الممر فرحاً لكن أنفاسي التصقت بالأرض وقلت:

- نِعمَ الأخ أنت، لابد أن هذا هو رأي الأهل.

هز رأسه بفرح طفولي وقال:

- كل الأهل، بل كل القبيلة.

ثم رمقني بعين صقر:

- لكن بشرط النجاح.

قلت وأنا أخترق كتل الهواء السميكة:

- طبعاً... ولو.

هبطت إلى الأرض وعيناي تتلمس مكان مواقف السيارات, بحثاً عن سيارتي التي سوف تغرسني في أحضان أهلي.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply