الراشد يتحدث عن ما وراء الفلوجة !


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 توجهنا إلى مقر الحزب الإسلامي بالعراق لإجراء حوار مع الشيخ محمد أحمد الراشد حول الوضع الحالي، وكان الشيخ يحضر اجتماعًا مهمًّا لقيادة الحزب مع باقي المستشارين لتقييم الوضع العام، خصوصًا في الفلوجة.

وسألنا الشيخ عن الهدنة ومساعي الحزب لتحقيقهاº فتدفق في حديث غني بالتفاصيل أغنانا عن الأسئلة.

وإليكم نص حديث الشيخ الراشد:

كان للحزب الإسلامي العراقي اهتمام بالغ بقضية الفلوجة منذ ساعاتها الأول، وتجلى ذلك في انعقاد دائم ومتواصل للمكتب السياسي للحزب مع جملة من مستشاريه من قدماء الدعاة.

ومع أننا أنكرنا ما جرى من تمثيل بالجثث إلا أننا نرى أن الدافع الرئيس للقوات الأمريكية كان الانتقام من مجمل المقاومة في الفلوجة وأدائها المتميز طيلة العام الماضي.

وكان الجنرال سانشيز يريد إحراز معركة تخلده في قصص التاريخ الاستعماري الأمريكي على نمط ما كان جنرالات الجيش الفرنسي يفعلونه في الجزائر وغيرها.

وابتداء أريد أن أزيل لبسًا لا يعلمه كثير من الناس، وهو أن هؤلاء القتلى الذين مُثِّل بهم ما كانوا مقاولين مدنيين، بل كانوا من رجال الحراسات العسكرية الأمريكية الذين التحقوا بموجب عقود خاصة في خدمة الجيش، وما كانوا من جملة جنود الجيش، ومع ذلك فهم يتولون مهمة عسكرية.

من ناحية أخرى.. إن الذين مثّلوا بالجثث يمكن أن نعطيهم بعض العذر في أنهم استفزِّوا إلى مثل هذا الفعل، وذلك لأنهم شباب من عائلة واحدة قدمت ثلاثة عشر شهيدًا في معارك المقاومة والردود العشوائية للجيش الأمريكي على بعض المظاهرات والاحتجاجات داخل الفلوجة.

وهذه من الحقائق التي لم يذكرها أحد في شرح ملابسات الحدث ومع أننا أنكرنا التمثيلº إلا أن الرد القاسي للقوات الأمريكية جعل الحزب ينتدب نفسه للدفاع عن قضية الفلوجة.

واتصلنا بالإدارة الأمريكية في العراق وأبلغناهم وجوب التدخل و الأخذ على أيدي القوات الأمريكية في عمليتها الانتقامية، واستجابت الإدارة في الظاهر إلا أن الجنرالات رفضوا الانصياع.

وهذا من غرائب طرائق التعامل الرسمي الأمريكي إذ إن كل جيوش العالم تجعل القوات المسلحة تابعة لقرار الضباط السياسيين والمندوبين الأمريكيين إلا أن الأسلوب الأمريكي يمنح استقلالاً للقوات المسلحة.

ولا نقول ذلك دفاعًا عن الإدارة الأمريكيةº بل هي شريك في الجريمة والمفروض أن يكون لها اتصال بالبيت الأبيض.

ولكن أردنا تقديم ما يساعد على تفسير الحماسة الزائدة لدى الجنرال سانشيز مما جعله مجرم حرب بكل معنى الكلمة، وقد أساء إساءة بالغة للصورة الأمريكية التي هي قبيحة في أصلها وجذورها، ولكن زادها قبحًا.

ونتيجة للعنف والإرهاب الذي استعملته الإدارة الأمريكيةº فإن الحزب قد قرر تعليق عضويته في مجلس الحكم، وذهب لتبليغ بريمر بذلكº إلا أن بريمر طلب مهلة لعله يتدارك الأمر، فأجلنا إعلان ذلك مع وعد بوقف العمليات والضرب.

وانتدبنا أنفسنا للتفاوض مع وجهاء الفلوجة ورجال المقاومة من أجل إقرار هدنه بين الطرفين يجري خلالها تفاوض ينهي القضية، وكان دافعنا إلى هذا كثرة الإصابات المدنية وإزهاق أرواح الأبرياء، خاصة من النساء والأطفال.

ولكن الطرف الأمريكي لم يلتزم بتلك الهدنة صباح الجمعة، ويفسرون عدم التزامهم بأن الضرب ما زال جاريًا ضدهم من بعض عناصر المقاومة، وهذا صحيح.

ولكنا نلاحظ نقطة سلبية أخرى فيما ذكروه، وهي أن ضرب المقاومة إنما كان يتمثل بصليات من الكلاشنكوف وما يوازيه من أسلحة خفيفة، بينما كان الرد الأمريكي يتصاعد لدرجة استخدام طائرات أف-16 والدبابات الثقيلة وقنص الأبرياء وكل جسم يتحرك في شوارع الفلوجة.

فالرد الأمريكي كان مبالغًا فيه لدرجة لا نستطيع أن نفسره إلا أنه من قبل الاستفزاز والعدوان والتصعيد ومحاولة إطالة المعركة لإكمال الخطة الأمريكية في إبادة الفلوجة بكاملها أو الإثخان لدرجة ترعب بقية مدن العراق.

وهذا هو شاهد على ما قلته من تشبه الاستعمار الأمريكي بالاستعمار الفرنسي القديم، حيث كان قادة الفرقة الأجنبية يعيثون في الأرض فسادًاº بل زادوا عليهم الآن بما وفرته لهم التكنولوجيا من أسلحة فتاكة.

وكل ذلك يدفعنا إلى ألا نكذب الإشاعات التي دارت في أوساط الفلوجة في أن الجيش الأمريكي قد يلجأ لاستخدام أسلحة محظورة دوليًّا ولها قوة إبادة عالية كالتي استعملها في احتلال مطار بغداد قبل سنة في آخر حربه على العراق.

وذلك لأن هذه العقلية الاستعمارية الغرورية لدى سانشيز والجنرالات الآخرين معه ربما تدفعه إلى ذلكº فهو رجل في أشد حالات القسوة والغرور وتدفعه دوافع أخرى غير دوافع المصلحة الأمريكية مثل التأثر بالدعاية اليهودية وبالمطالب اليهودية.

وهذا هو الذي ألجأ الحزب الإسلامي مرة أخرى إلى أن يكرر ثانية محاولة التفاوض والطلب من بريمر أن يتيح للحزب مجالاً للوصول إلى الفلوجة والتكلم مع وجهائها ومع المقاومة.

وبهذا الأمل فقد ذهب وفد كبير من الحزب يوم السبت في مخاطرة عظيمة تعرض خلالها لمخاطر جمة ووصل رجال المكتب السياسي إلى داخل الفلوجة ومعهم بعض الأفاضل من هيئة علماء المسلمين، والتحق بهم أيضا شقيق الشيخ غازي عجيل الياور عضو مجلس الحكم وكبير شيوخ عشائر العراق.

وبدأت مفاوضات باسم الحزب الإسلامي وتدبيره وليس باسم مجلس الحكم أبدًا (خلافا لما زعمه أحد أعضاء مجلس الحكم في ندوة الجزيرة مساء السبت من أن مجلس الحكم ذهب للتفاوضº فهذا مغاير للحقيقة تمامًا.

وقد كانت السلبية هي السائدة على موقف مجلس الحكم ما عدا الحزب الإسلامي العراقي وكذلك الشيخ غازي بدرجة ثانية.

وخلال الاجتماع مع وجهاء الفلوجة ورجال المقاومة شرح رجال الحزب تأولهم في دخول المجلس ابتداء وأنه من باب الضرورة التي عليها المعادلات العراقية الداخلية المذهبية منها والقومية.

وشرح الحزب ما كان من سعي لتحقيق كثير من المصالح العراقية التي لولا سعيه لحصلت أنواع من التطرفات بدلاً عنها.

وأبدى وجهاء الفلوجة ورجال المقاومة تفهمًا جيدًا لسياسة الحزب وأدائه، وتبددت شبهات كان البعض يروجها وأيقنوا أن الحزب بعيد عن أي معنى من معاني الولاء للإدارة الأمريكية، وإنما أقام نفسه مقام المحامي والمدافع عن الحقوق العراقية والتزم أن يوصل الرأي الشعبي إلى الإدارة الأمريكية بدلاً من حصول انقطاع وغياب.

ونتيجة للتفهم الذي أبدته مجموعة المفاوضين من أهل الفلوجة والمقاومةº فقد تم شرح الشروط لإيقاف المعركة، وتبين أن كافة الشروط التي وضعوها كان الحزب قد سبقهم إلى رفعها لبريمر.

وأكد الحزب نظرته لهم في أنه لا يصرّ على إيقاف إطلاق النار فقطº بل على ضرورة انسحاب الجيش الأمريكي من داخل الفلوجة إلى أطرافها وإخلاء سطوح المساجد ومناورها من القناصة الأمريكيين الذين كانوا ينشرون الرعب.

لقد قتلوا حتى صباح السبت أكثر من 65 طفلاً دون الخمس سنوات، وأكثر من 140طفلاً دون الخامسة عشرة، وأكثر من 240 امرأة عدا القتلى الآخرين الذين وصلوا إلى 513 قتيلاً حتى الساعة التاسعة من صباح السبت وأكثر من 1260 جريحًا بعضهم إصاباته بالغة.

وقد تشرد بذلك أكثر من خمسين ألفًا من أهالي الفلوجة ولجأوا للقرى المجاورة وبغداد.

ورجع رجال الحزب من الفلوجة عند المغرب والتقوا بقية أركان الحزب والمستشارين والأستاذ محسن عبد الحميد.

وتم الاتفاق على الذهاب فورًا وقبل منتصف الليل إلى بريمر ليبلغه الحزب استعداد أطراف الفلوجة إلى الهدنة وأنهم يضمنون أكثر من 90% من المشاركين في المقاومة، ولا يضمنون قلائل من الشباب الذين استفزتهم الأحوال وطفقوا يرمون بالبنادق على القوات الأمريكية ولا يستطيع أحد ضبطهم.

والذي نفهمه من خلال التجارب العالمية أن هذا الضمان وهذا العرض مغر ويكفي بإقناع الطرف الأمريكي بالتزام المقابل.

ولذلك شدد الحزب على بريمر في أن الأمر يتطلب ليس وقف إطلاق النار فقطº بل ضرورة الانسحاب التام من طرق الفلوجة وإنزال القناصة الأمريكان من المنائر، وإيقاف الضرب الجوي بواسطة السمتيات والمقاتلات، وأن ذلك إن لم يتم بسرعة فإن الحزب سيمضي بتعليق عضويته بمجلس الحكم تضامنًا مع عموم الشعب العراقي ومع أهل الفلوجة وأنه يفكر جديًّا في الانسحاب التام من مجلس الحكم.

ومع أن استجابة بريمر كانت واضحة إلا أن الأوضاع مازالت متوترة بما ذكرناه آنفا من استقلال جنرالات الجيش بقراراتهم دون التزام بموقف بريمر.

واستمر الحزب إلى منتصف نهار الأحد مجتمعًا لتقرير الخطوة التالية بعدما يبدو من تمريض الأمريكان لوعودهم وفيما يبدو أنه لكسب الوقت أكثر مما هي محاولة لحل القضية جذريًّا.

من هنا أقول قولة أخيرة: إن قضية الفلوجة لا زالت شائكة، ويتوجه الحزب الإسلامي إلى كافة ملوك ورؤساء الدول العربية والإسلامية ورؤساء أوروبا وكافة الدول الواعية لمرامي الخطط الأمريكية لتتدخلوا تدخلاً سريعًا للضغط على الإدارة الأمريكية من أجل انسحابها الضروري من الفلوجة، لأن المحنة كبيرة جدًّا وهي أشبه ما تكون اليوم بحادثة حلبجة التي جعلها الإعلام الكردي مقدسةº بل وإن هذا الانسحاب أصبح ضرورة من ناحية صحية لإخلاء جثث القتلى التي تعفنت وما زالت ملقاة منذ يوم القتال الأول.

وقد سمعت بعض الأطباء الموثقين يقولون إن هذا التعفن قد يسبب الأمراض الوبائيةº بل وقد يتفشى الطاعون أيضا بسببه مما يجعل الأضرار تكون عامه وتتعدى أرض الفلوجة.

ومع أن آخر الأخبار تشير إلى توقف إطلاق من قبل الجيش الأمريكي ومن قبل المقاومةº إلا أن ذلك لا يكفي، ويجب أن يركز الرؤساء ضغوطهم لتحقيق الانسحاب الأمريكي من أجل إخلاء الجثث ودفنها وإلا فستكون كارثة حقيقية، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply