بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً: الاتهامات الأمريكية للدول والمؤسسات والأفراد داخل أمريكا
تمهيد:
لقد تمادت آثار التحديات والاتهامات ، وآثار الحملة الإعلامية الأمريكية والتجاوب مع ضغوطها حتى وصلت إلى محاولات لإفشال مؤتمر باريس الدولي وقد كان معنياً بمناقشة دعاوى الإرهاب على المؤسسات الخيرية الإسلامية - وذلك في يناير عام 2003م وحسب ما أشارات إليه بعض الصحفº فإن المؤتمر المعني بمناقشة هذه القضية كان على مستوى المنظمات الدولية ، وكان من آثار هذه المحاولات أن رفضت السفارة الفرنسية بالسعودية منح تأشيرات لأكثر من عشرة أكاديميين سعوديين معنيين بالعمل الخيري والإنساني ، رغم أن لبعضهم مشاركات ضمن جدول مؤتمر ، وقد وجهت لهم خطابات من الجهة المنظمة بباريس ، ولقد تساءلت بعض الأقلام الإعلامية والأكاديمية والعاملين في المؤسسات الخيرية قائلة: \" أهكذا بلاد الحرية تحارب صوت الحرية؟ \".
في حين أفادت السفارة بالرياض: المصدر الفرنسي يقول إن رفض منح الأكاديميين السعوديين تأشيرات دخول لحضور المؤتمر جاء ضمن قرار سيادي فرنسي بالتشاور مع بعض الدول الأعضاء في اتفاقية سنقن!!
بينما كتبت بعض الأقلام قائلة: نريد للمصدر الفرنسي المسؤول الصمت على الأقل!
كما قال بعضها: المؤتمر لم يفشل ولا نفهم تخبط المسؤولين الفرنسيين في التبرير ، كما أن حكومة شارون اليهودية اتخذت الموقف نفسه بمنع سبعة من العاملين في حقل العمل الخيري في فلسطين من السفر إلى باريس لحضور المؤتمر المذكور ، ولقد علقت الصحافة الفرنسية ، وتحدثت بعض وسائل الإعلام العربية والفرنسية عن هذا الانتفاص للحريات والديموقراطيات ، واللافت هو حجم ما وصل إليه التناغم العالمي تجاه المؤسسات الخيرية الإنسانية والعاملين بها.
* مشاهدات حية:
وأما على الأرض الواقع ومشاهداتي الخاصة في الأقطار التي زرتها فهي لا تختلف في نتائجها كثيراً عن الحقائق والأخبار والنتائج والأخبار والتقارير المدرجة في هذا الفصل ، وبالذات في أمريكا حيث المكارثية الجديدة التي تكيل التهم بدون دليل ، كما أن انطباعاتي عن ميادين وساحات المؤسسات الخيرية قد تداخلت في معظم فصول هذا الكتاب ، وقد كان من خلال جولاتي الميدانية في بعض الدول أن رأيت وسمعت العجب العجاب ، مما يحار تجاهه أولو الألباب ، في أماكن متعددة ومع مؤسسات متنوعة.
ولقد أصبح الكثير من المؤسسات أو العاملين بها في معظم الأقطار يعيش الهاجس الأمني جزءاً من حياته اليومية ، وأجندته العملية ، وخططه الحاضرة والمستقبلية ، فقلّ أن تسلم مؤسسة إسلامية من الحملات الإعلامية أو الميدانية،أو من المساءلة والتحقيق ، أو المراقبة والتدقيق حول نشاط من نشاطها أو فرد من أفرادها ، أو حوالة من حوالاتها ، لقد أصبح افتعال القضايا وصناعة الأحداث والأخبار السلبية روتيناً يومياً ، حتى أوجست هذه المؤسسات خيفة وحبست أنفاسها كلما تعرضت إحداها لدورية تفتيش أو مساءلة أو مراقبة ، وقد لمست ورأيت بنفسي واقع المؤسسات الخيرية الإسلامية والعاملين بها خاصة في أمريكا بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001م ، والذي لا يختلف كثيراً عما رأيته من واقع ما يماثلها من مؤسسات في أوربا الشرقية وروسيا والجمهوريات الإسلامية قبل سقوط الاتحاد السوفيتي بل حتى قبل الحادي عشر من سبتمبر 2001م.
ومن مشاهداتي الميدانية - على سبيل المثال لا الحصر - ما تحدث به معي كثير من قيادات عمل المؤسسات والمراكز الإسلامية في أمريكا من الأمريكيين المسلمين ، وخاصة في المؤتمر الإسلامي الكبير مؤتمر الإسنا (ISNA) بواشنطن في أوائل سبتمبر من عام 2002.
وكان هؤلاء أحد المسلمين الأمريكيين الأصليين البيض ، وقد قلت له - ممازحاً ومعلقاً على بعض كلماته : ولكنك متابع ومراقب من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI).
فكان رده: وهل هذه المئات من المؤسسات والآلاف من الأفراد الذين تراهم في هذا المعرض الكبير (البازار) ، وفي هذا المؤتمر الضخم أصبحوا بمعزل عن الأمن قبل الحرية؟ أو بمعزل عن الإدانه قبل البراءة أو العدالة؟ لقد تمّ الاستجواب لمعظمهم إن لم يكن لجميعهم.
وأقول: لقد رأيت ولمست بنفسي ما يؤكد هذه المقولة وغيرها حينما قلّ رواد المساجد من المسلمين - خاصة في أمريكا - خوف الانتقام ، وتقلصت المدارس الإسلامية - خاصة مدارس نهاية الأسبوع - خوف المخالفة للقانون ، وأغلقت بعض المصليات خوفاً من المساءلة أو الوقوع تحت طائلة الجزاءات أو العقوبات ، وتقلصت المؤتمرات والندوات والمحاضرات.
وتعدت التجاوزات الحكومية إلى حد اتهام بعض المؤسسات التجارية التي يملكها مسلمون حتى الصغيرة منها - وأصبحت حالة الطوارئ دائمة مع المؤسسات الخيرية ومن يمثلها أو يتعامل معها.
إن مشاهداتي في بعض دول العالم - وخاصة أمريكا - أيدت عندي أن الكثير من تداعيات الحدث لم تكن ردود أفعال للأحداث بقدر ما هي صناعة جديدة من الأحداث.
لقد تمّ في هذا الفصل إيراد نماذج من الأخبار والإجراءات والقرارات التي تعكس حجم وقوة الحملة الإعلامية التي استهدفت المؤسسات الخيرية الإسلامية في أنحاء العالم ، ولقد كشفت تلك المحنة الدولية كماً كبيراً من المعلومات مما قد يسمى بالنمر الورقي ، والذي تم استقصاء كلياته دون جزئياتهº لأن أهمية تلك الأخبار ليست في حصرها أو حشدها ، وإنما بما تتضمنه من منطوق ومفهوم يكشفان عن قوة وحجم وشمولية تلك الدعوى ، كما يكشفان عن اللغة التي استخدامها ، حيث فقدان الدقة والوثائقية إلى حد كبير.
والعرض هنا لا يعني الاستقصاء بقدر ما يعني لفت نظر القراء باقتطاع جزء من تلك الأخبار التي تؤدي إلى إبراز الشمولية الجغرافية للفتنة الدولية،والشمولية في الجهات المستهدفة من مؤسسات وما يرتبط بها من البنوك والأفراد المحسنين ومن رجال المال والأعمال، ولإبراز أن الحملة عامة ولجميع أنواع أنشطة وأعمال تلك المؤسسات التعليمية والإغاثية والدعوية والعلمية.
كما أن تلك الشريحة الإعلامية الصحفية بشكل خاص والتي تم إيرادها بنصها، وبصوابها وخطئها وما فيها من حق أو باطل، تعطي انطباعاً للقاريء والمتابع عن مدى التناقض وحجم التخبط، وفقدان الأدلة مما سوف يرد في الفصل التالي إضافة إلى إبراز بعض جوانب التصديق أو الاستجابة مما يستوجب عدم تجاهل تلك الأخبار الصحفية.
* الوطن السعودية تكتب من واشنطن عن الاتهامات الأمريكية:
كانت جهود الولايات المتحدة لمحاربة تمويل الإرهاب حتى 11 سبتمبر 2001م جهوداً تقليدية، وجرى تسريعها بدرجة كبيرة بعد الهجمات التي استهدفت رموز القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية في الولايات المتحدة في هذا التاريخ، وفي مرحلة تالية تمّ توسيعها لتشمل حالات عديدة تمثلت في سوء استخدام المؤسسات الخيرية، والتحول في أهدافها من دعم أعمال الخير إلى غطاء لدعم الإرهاب.
ولم تقتصر جهود الولايات المتحدة في ذلك النطاق على العمل الخارجي، وإنما ركزت كذلك على مؤسسات خيرية داخل الولايات المتحدة، ثبت وفق الروايات الأمريكية ضلوعها في توفير الدعم للإرهابيين وأمرت بتجميد أرصدتها، واستعانت بالتنظيمات الأمريكية لتوفير ضمانات أكبر للشفافية في هذه المؤسسات الخيرية.
والأهم في الموضوع أن الولايات المتحدة نسقت مع دول أخرى في جميع أنحاء العالم لتقوية أنظمتها الداخلية الخاصة بالمؤسسات الخيرية كي تتأكد من عدم إساءتها استخدام الأموال التي تحصل عليها لأغراض غير تلك التي تشملها حيثيات ترخصيها من دعم لأعمال الخير.
قال نائب وزير المالية (كنيث دام) في خطابه أمام اللجنة القرعية في مجلس الشيوخ: إنه أجريت مباحثات في هذا الخصوص مع دول في الشرق الأوسط ، وجنوب شرق آسيا ، ومع دول صناعية أخرى من مجموعة الدول السبع الكبرى ، ومع فريق العمل المالي متعدد الأطراف.
* تقسيم العمل في المالية الأمريكية:
تطلب العمل لمحاربة تمويل الإرهاب داخل الولايات المتحدة وخارجها خطة تنسيقية تفصيلية ، ترأسها وزير المالية الأمريكي (أونيل) ونائبه (كينيث دام) من خلال لجنة عالية المستوى مشكلة في الولايات المتحدة لوضع الأولويات الإستراتيجية للجبهة المالية ، كما ترأس المستشار العام (ديقيد أوفهاوزر) من لجنة تنسيق السياسة ما بين الوكالات التابعة لمجلس الأمن القومي حول تمويل الإرهابيين. وقاد مساعد وزير المالية للشؤون التنفيذية (جيمي جورولي) وكالات فرض تطبيق الأنظمة التابعة للمالية من بينها مصلحة الجمارك ، ومصلحة الشرطة السرية ، ومصلحة التمويل المركزية ، وأيضاً مكتب مراقبة الأصول المالية الخارجية في مكافحتها لعمليات تمويل الإرهابيين.
بعد هجمات 11 سبتمبر ، بدأت المالية الأمريكية بتحديد هويات المعروفين من الإرهابيين والفئات الإرهابية ، وتجميد أموالهم في الولايات المتحدة ، والعمل مع حلفائها لتوسيع إجراءات التجميد لتشمل العالم أجمع ، وقد أسفرت الجهود عن تجميد ما يزيد عن (112) مليون دولار في كافة أنحاء العالم من خلال تعاون شمل كافة دول العالم باستثناء عدد قليل منها.
وكما يشرح (دام) أمام مجلس الشيوخ الأمريكي ، فقد تم التعامل مع هذه المشكلة على عدة أصعدة:
أ- وقف تدفق الأموال من خلال تجميد أرصدة المؤسسات الخيرية التي تدعم المجموعات الإرهابية.
ب - التحقيق في أعمال إساءة استخدام المؤسسات الخيرية.
ج- العمل مع دول العالم للمساعدة في رفع مستوى معايير الرقابة والمحاسبة للمؤسسات الخيرية.
ويقول (دام): إن الولايات المتحدة ، في سعيها لمنع إساءة استخدام المؤسسات الخيرية لأغراض إرهابية ، حرصت على المحافظة على الدور الخير الهام الذي تلعبه هذه المؤسسات الخيرية عبر العالم.
* عملية البحث الأخضر:
في أكتوبر 2001 م تم تشكيل فريق عمل من وكالات متعددة ، تحت اسم (Green Quest Operation) وهي تعني (عملية البحث الأخضر) أطلقته وزارة المالية لمكافحة تمويل الإرهابيين ، وضم خبراء ماليين من وزارة المالية ، من فروع حكومية أخرى لتحديد وتعطيل وتفكيك شبكات تمويل الإرهابيين. من خلال التحقيقات التي أجراها فريق العمل هذا ، لقد استهدفت عملية (غرين كويست أوبريشن) مجموعة متنوعة واسعة من الأنظمة التي من الممكن أن يستخدمها الإرهابيون لجمع الأموال ونقلها ، وتشمل هذه الأنظمة مؤسسات غير مشروعة ، إضافة إلى مؤسسات مشروعة ومؤسسات خيرية إغاثية (يمكن من خلالها تحويل التبرعات إلى مجموعات إرهابية).
قاد العمل الذي قام به فريق جرين كويست بالتعاون مع وزارة العدل إلى توقيف (38) فرداً ، وتوجيه الإتهام إلى (26) فرداً ، وحجز مبلغ (6. 8) ملايين دولا تقريباً داخل أمريكا ، وحجز مبالغ تزيد عن (16) مليون دولار من العملات التي كانت على وشك الخروج عبر حدود البلاد شملت أكثر من (7) ملايين دولار نقداً كان يجري تهريبها بصورة غير شرعية إلى مستفيدين شرق أوسطيين.
الـ (إف بي آي) تراقب أنشطة المساجد في أمريكا:
ذكر مسؤول كبير في وزارة العدل الأمريكية لصحيفة واشنطن بوست في عددها الصادر في 29/5/2002م أن الوزارة ستسمح لمكتب التحقيقات بفتح نافذة على الأنشطة المتطرفة في المساجد.
المباحث الفيدرالية تداهم مراكز إسلامية في فرجينيا:
داهمت المباحث الفيدرالية الأمريكية عدداً من المراكز الإسلامية في فرجينيا تزيد على عشرين مؤسسة خيرية تعليمية وإغاثية. وصرح نهاد عوض رئيس مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAIR) أن مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الخزانة الأمريكية داهما عدداً من المراكز الإسلامية ، وصادرا عدداً من الوثائق ، وأجهزة الحاسب الآلي في فرجينيا إحدى الولايات ذات الكثرة السكانية من المسلمين.
وقال عوض: إن مكتب التحقيقات ووزارة الخزانة طوقا المنطقة، ومنعا الدخول والخروج من المباني، واعتديا على حرمات المنازل المجاورة، دونما إشعار، أو توجيه أي تهمة، أو ملاحظات، كما جرت مداهمة مجموعة من منازل رؤساء الجهات الإسلامية وتمّ تفتيش مكاتبهم تحت وطأة السلاح، إلا أن أحداً من ممثلي الجهات لم يعتقل وكشف شهود عيان أن مكتب التحقيقات الفيدرالي داهم كذلك معهد الفكر العالمي الإسلامي الذي يرأسه د. طه جابر علواني.
التحول الكبير في سياسات أمريكا وإدارتها الداخلية والخارجية من خلال القرارات والأوامر غير القانونية:
نقلت صحيفة المدينة عن (الواشنطن بوست) الأمريكية قولها:
وإذا أردنا أن نتحدث عن الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس (بوش) مؤخراً والذي يحاكم - بموجبه - الأجانب (من غير مواطني الولايات المتحدة) المتهمين أو المشتبه فيهم بالقيام بأعمال إرهابية أمام محاكم عسكرية بغير أدلة، مع إمكانية إصدار الأحكام عليهم بأغلبية ثلثي الأصوات ودون حق الاستئناف!! مع الافتراض أن قرار من سيقدم إلى تلك المحاكم سوف تحدده التقييمات الصادرة من قبل مسؤولي مكافحة الإرهاب الذين يتمتعون بنفس قدرة تلك المحاكمº لأن قرارهم يعتبر بمثابة منتصف الطريق إلى تلك المحاكم، فإذا كان الشخص المناط به تقييم الحالة الإرهابية التي بين يديه، يجهل الفرق بين العربية والعبرية فهل لنا أن نثق به في التفرقة بين طالب باكستاني بريء يصوم رمضان من شخص مسلم آخر من المتشددين؟
والرئيس ومعه أولئك الذين يدافعون عن قراره هذا المتعلق بالمحاكم العسكرية، يبدو أنهم نسوا نقطة هامة في ضمانات الدستور الأمريكي الخاص بالحقوق المدنية، وهي عدم جعل الحياة سهلة للمجرمين ، لكن هذه النقطة تؤكد على أن الأبرياء لا ينبغي أن يتعرضوا للإهانة أو السجن أو الإعدام.
وفي تعامل أمريكا مع الحقوق المدنية بهذا الشكل الفاضح، فإن الأمر لا يقتصر فيها على الشأن المحلي ، فهي تقدم نفسها إلى العالم باعتبارها الأمريكية الأول عن تلك الحقوق، ونحن نعلم كيف تصدر الخارجية الأمريكية تقاريرها السنوية حول الدول التي تنتهك تلك الحقوق.
إن عرض تلك الاتهامات من خلال هذه التقارير والأخبار ويؤكد إقحام المؤسسات الخيرية الإسلامية وبعض الأفراد والدول في نفق ما أسمته أمريكا (الإرهاب) حتى أصبح العمل الخيري مقصوداً بذاته في الحملات الإرهابية: الإعلامية منها، والسياسة، والاقتصادية، بل والعسكرية التي تقوم بها أمريكا بدرجة أولى، إضافة لما سبق فإن التغريب القسري تحت ستار عولمة الاقتصاد، مع الاستحواذ على الاقتصاديات المحلية بتقنية عالية، والحرص على تجفيف منابع التعليم الديني والخيري منه خاصة، كل ذلك يعتبر إرهاباً يقود إلى الإرهاب، كما يعتبر من الأعباء الإضافية والتبعات الصعبة على برامج المؤسسات الخيرية الإسلامية في أنحاء العالم حاضراً ومستقبلاً.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد