فدوى والمشط.


  

بسم الله الرحمن الرحيم

جلست {فدوى}على صخرة تسمى الإباء، وأخذت تمشط شعرها المخملي بمشط أثري, على جانبيها نهران يدنوان من الشيخوخة، تتلفت حولها وكأنها تستشعر قدوم أحد, سرحت بعينيها لحظات لتفاجأ بفرسان تحلقوا حولها, موجهين رماحهم نحوها, لباسهم يدل على أنهم لا ينتمون إلى حضارتها، تقاذفوها بأعين ملونة وكأنها خرجت من مصبغة, ومن تحت الخوذ تظهر شعورهم ليشكلوا مشهداً جماعياً مخيفاً ومرعباً.

 

ضحكوا طويلاً حتى نزع قائدهم خوذته ليظهر وجهه الطويل كطول الظلم, وخداه الموغلان في القبح، وشيءٌ يُسمى أنف خرج بينهما عنوة, ليحدثها بلغة لا تفهمها, لكن إشارات يده تدل على أنه يهددها.. رغم ذلك ظلت تمشط شعرها في هدوء غريب وتشدو بنغمات شرقية، استشاط القائد غضباً من هدوئها فبصق عليها, انتصبت ثائرة وصاحت بأعلى صوتها, يا بني عمومتي, يا أهل القرية الشرقية، مسلوبة الإرادة تناديكم، يا جموع الأمس هلموا، إني أهان، أما حان للعرض أن يصان.

 

وضع الناس أصابعهم في آذانهم وتراجعوا، أعادت نداء الاستغاثة، مرة تلو مرة، وفي كل مرة يعود إليها صوتها منهكاً تدفعه الريح. استدارت لتواجه القائد بمسح آثار بصقته على وجهها، وصاحت في الجموع:

- خرجت من تحت ركام المنازل أنادي بإعادة صياغة القوانيين القبلية.

فقالوا:

- مارقة تريد تغيير نواميس الكون.

استنشقت غبار فعلتي عله يصلح ما بيني وبين أهل القرية الشرقية ولذت بالصمت، ولكن أن يتجرأ أحد من خارج السرب ويجرح كرامتي فهذا مالا طاقة لي باحتماله.

وجمت قليلاً ثم زمت شفتيها تستجمع ما بداخل فمها بصوت أشبه بارتجاف إبريق يغلي لترد إليه إهانته بالمثل، فأغمد الفرسان رماحهم في جسدها ليفور دمها مغطياً مساحات شاسعة، وفي منظر غير مألوف نزل الجنود من خيولهم دفعة واحدة ليجمعوا دمها في صفائح معدنية، داسوا على مشطها بالأقدام وهموا بحلق شعرها الذي تنبعث منه رائحة حقول الزيتون وعبق الرياحيين حتى جاءت سكين الأوامر تطلب حزّ رأسها وتقطيع أطرافها المدفونة بالعفاف لتتنازعها الأيدي المتمرسة على القطع.

فرك بعض أهالي القرية الشرقية أعينهم حسرة يتذكرون ظفر\"فدوى\"الذي يَكسر عنق الذهب، وعينيها اللتين تفجران مشاعر الشعراء..

أنهى الجنود المهمة بنجاح واستعدوا للرحيل مبيدين جسداً احتضن تاريخ الأرض فغدا بلا أرض، لكن طفلاً تملكته الحماسة فالتهب شاقاً الصفوف ورمى القائد بحجر , سارع أبوه لضربه ضرباً مبرحاً.

ابتسم القائد بخبث , ليحدث الجند:

- سنعود قريباً.. فلا أظن أن دم اليوم وأشلاءه ستكفينا للغد، ولنبدأ بالأطفال حتى لا يشب منهم إرهابي يقول لنا في يوم أسود كلون دمائهم:(ارحلوا من هنا).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply