هدوء لف ذلك البيت الكبير .. بعد أن ودعنا أبي وغادرنا في سفر قصير كعادته
استوحش المكان .. وشعرت ببرودة الجدران .. وازددت خوفا بغروب الشمس
وغشيتنا ظلمة حالكة إلا من نور خافت يشع من الغرفة المجاورة
أحسست بقشعريرة سرت في كل أنحاء جسدي لم ينتابني خوف من قبل .. كنت
حينها أبلغ الثامنة من العمر .. غشينا صمت عميق .. أمي كانت تعد طعام
العشاء.. وأختي التي تكبرني بعام تمسك بقلم يرتعش بين أناملها .. خربشات
غير مفهومة على ورقة صغيرة تحاول إخفاء شيء بصدرها .. التصقنا بجدتي علَّنا
نشعر ببعض الأمان والدفء .. اسمع ترتيلها بهمهمات خافته تلازم دقات قلبها
المتسارعة .. يقطع ذلك الصمت صوت قطرات المطر أذوب في الخيال واستمتع
بحديث المطر سلسا هادئا أعد الحبات وهي تتساقط .. واحد .. اثنتان .. ثلاثة
تسرع القطرات ويزداد انهمار المطر .. ويخترق صوت الرعد سكون حلمي ..
ارتعش واقفز في حجر جدتي .. تضمني وتكمل قراءتها
ونحن في تلك اللحظات .. وإذا بطرقات شديدة على الباب ..
افتحوا .. افتحوا .. ساعدوني
اهتزت أجسادنا بارتعاشة غريبة .. جرت أمي نحونا وهي تصرخ ..لا تقربوا
الباب .. لا تقربوا الباب
وازداد الطرق .. وعلا الصوت المرتعش .. افتحوا .. بسرعة .. افتحوا ..
ساعدوني
ماذا نفعل .. ؟؟ احتارت أمي .. وتبادلت النظرات مع جدتي
كانت .. لحظات في حساب الزمن
وكأنه .. دهرا لفنا في ثوبه .. لا يريد فكاكا
علت الصرخات .. لا تتحرك .. سأطلق النار .. لا تتحرك
أحاطته الأقدام من كل الجهات .. وصوبت البنادق إلى صدره .. لا لا لاتعيدوني
إلى السجن .. يُـسحب من يديه ..
نختلس النظر من النافذة ..
آه .. إنه ذلك السجين .. قالت جدتي .. ليته يتعلم من أخطائه .. كم مرة
هرب .. وكم مرة كسرت ساقه .. وفي كل مرة يحكم عليه بزيادة
هذه إحدى حكايات ذلك البيت .. يا ابنتي
انظري إلى ذلك المتحف .. قد كان بالأمس بيتنا
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد