دور الأديب المسلم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 الحمد لله الذي علّم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام دائمين على أفصح العرب الذي أوتي الحكمة و فصل الخطاب،نبيّنا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى من دعا بدعوته واتبع هداه.

إنّ الصحوة الإسلامية التي شملت الأمّة كلها – فكرها وثقافتها – حياتها وسلوكها – مناهجها ووسائلها – كان لابدّ لها من أدب يعبّر عنها، ويقدمها في الصورة الجميلة التي تبرز بها الآداب حياة الأمم والتحولات التاريخية والفكرية فيها.

والأدب الإسلامي جدير أن يعبّر عن حياة البشر لأنّه يخاطب الإنسان في الكون كله من حيث هو إنسان يقدم مفهوما جديدا للحياة بواسطة أدب ملتزم يدعو إلى إحياء روح الإبداع في المبدعين الذي يرفضون النزعة التقريرية، ويتجاوزون المباشرة، ويعتمدون على تفجير طاقات اللغة بإمكاناتها الهائلة، وقدراتها التعبيرية الفائقة من إيحاء ورمز ومجاز وإيجاز، وأشكال تعبيريّة وأسرار جمالية تجعل اللغة ريشة تعبّر باللون و الحركة، والإيماءة واللّمسة.

والأدب الإسلامي وسيلة الأدباء والمبدعين في تقديم مشروع الإسلام الحضاري العقيدي باعتباره البديل الأفضل، والاختيار الأمثل، والمنهج الأقوم المتناسق مع فطرة الإنسان، والمتناغم مع حركة الوجود.

والأدب الإسلامي من وظائفه تعميق الرؤية الجمالية الممثلة في الكون الذي زيّن الله أرضه و سماءه، والإنسان الذي صوّره وأحسن تصويره، والطبيعة التي أحكم صنعها، وشكّل كتلها، وضبط نواميسها ونسبها وسننها ومساحاتها وآفاقها وأبعادها كما بيّن ذلك كله في كتاب الكون المقروء.

الأديب المسلم مطالب بتجديد الحياة وتطويرها، والارتقاء بها لأن عملية التجديد عملية حياتية مستمرة والإسلام دعوة للرّقي بالإنسان ليصل إلى درجة الاستحقاق لعبودية الخالق كما أنّه دعوة لتفجير الطاقات الإبداعية في سبيل الوصول إلى الأفضل والانطلاق إلى اللامحدود.

إن المضمون الفكري للأدب الإسلامي مرتبط بالعقيدة الصحيحة التي تعمل على إيجاد الإنسان الصالح والمجتمع الصالح وتجعل من الأدب في أشكاله المختلفة: قصة أو رواية أو قصيدة أو مقال، أدبا يحرّك النفوس إلى الجدية في الحياة والعمل، ويدفع إلى البناء ويجعل التفكير والتأمل عبادة وقربة ويرفض الظلم والاستغلال والفساد والشر ويربط حياة الأفراد برباط الإيمان الذي ينتظم الحياة كلها والسلوك كله.

الأدب الإسلامي أدب وثيق الصلة بالحياة وهذا يقتضي أن يكون له دوره في تغيير حركة الحياة ودفع عجلتها وتكريس معاني الخير والفضيلة وإسعاد الإنسان ليتفرغ لمهام العبودية لله ونشر التآلف والتواد، والتراحم بين النّاس تمكينا لتحقيق سر وجودهم على الأرض.

والأديب المسلم لا يعمل في مجال محدود بل يعمل في مجال واسع يتسع باتساع الوجود الإنساني، ويعنى بالإنسان ويرقى بذوقه و حسّه وسلوكه وعمله، وهذا جزء من الوظيفة التربوية للأدب الإسلامي الذي يعمل على الرّقي بالإنسان إلى مستوى القيم الخيرة التي حفل بها الإسلام وجاء الأدب لينميها ويعمقها.

الأديب المسلم في التّصور الإسلامي يتميز بما يتميز به المسلم ولكنه يختلف بحكم مسؤولياته ووظيفته والأداة التي تعامل بها مع الناس، فهو إنسان يتميّز بحساسيّة وشفافية يتخذ الأدب وسيلة في نقل أفكاره وتبليغ كلمته، وهذه الصفة تجعله على قدر كبير من الأهمية في مجتمعه لأنّ الأمة المسلمة إذا كانت أمة قيادة و مسؤولية يقع عليها واجب الأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر في أمور الحياة كلها فإنّ الأدب من أهم آليات القيام بهذا الواجب وأرقى الآليات المستخدمة في المجتمع فالأديب رائد مسؤول يعبّر عن ضمير الأمة ويدافع عن حقوقها بالكلمة واللسان، الأمر الذي يجعله، بل يفترض فيه أن يكون مميّزاً بصفات راقية وسمات عالية تتناسب مع عظم مكانته وفداحة مسؤولياته.

الأديب المسلم اكتسب هذه الصّفة من أنّه إسلامي في تفكيره ومشاعره ونظرته إلى الحياة و الكون، وأنه معتزّ بدينه، وانتمائه لعقيدته، وارتباطه بموطنه، كما أنه اكتسبها من إيمانه بالّله وبقيم الإسلام و مثله ومبادئه وتعاليمه وثقته بالحضارة الإسلامية ومعطياتها ولتمثل هذه الصفات فيه اعتبر أديبا مسلما ولو لم يكتب باللغة العربية وهذا ما جعل الشاعر إقبال على قمة شعراء المسلمين في عصرنا.

الأديب المسلم هو الذي يؤمن بوحدة الأمة المسلمة التي تمثل جسدا واحدا وهذا الإيمان هو دافعه على العمل لتحقيق هذه الوحدة حقيقة، وإزالة العوائق العنصريّة والإقليمية التي تباعد بين الشّعوب الإسلامية. واللغة العربية هي وسيلة الأديب لذلك لأنها اللغة المشتركة بين الشعوب ولغة القرآن التي يفهمونها باختلاف بلدانهم وثقافاتهم.

الأديب المسلم يفترض فيه أن يكون ملماً بتاريخ الأمة الإسلامية وجهادها الدائم في سبيل إعلاء كلمة الله، ودحر الأعداء الدائمين الذي حدّد القرآن علاقاتهم بالمسلمين ونظرتهم لهم، وما يكيدونه لهم تلك العداوة المتمثلة في عداوة اليهود وحقد الصليبيين ومكايد المنافقين ومن هم على شاكلتهم.

هذا الوعي التاريخي لطبيعة الصراع بين الإسلام وأعدائه هو الذي يوجه رؤية الأديب، ويجعل حسّه سليما، وحكمه صحيحا، ونظرته للأمور معقولا.

الأديب المسلم إنسان يؤمن بشرف الكلمة وأمانتها، و مسئوليتها الأمر الذي يفرض عليه أن يكون صادقا مع ربه و نفسه، مستشعراً لعظم مسئوليته، فهو لا يؤثر السّلامة، ولا يتنصّل من المسؤولية ولا يسكت عن قول الحق، ولا يكتم الحديث، كما أنّه لا يتملق الحكام، ولا ينافق المسؤولين، ولا يصف الناس بغير ما هو فيهم ولا يداهن العملاء والخائنين والمنهزمين.

الأديب المسلم حكيم أمته، ورائد قومه الذي لا يكذب أهله، فهو قائد لأمته، موجّه لها، ومنذر بالأخطار التي تحدّق بها، يهيئها ويعدها لمواجهتها و مقاومتها، والانتصار عليها. كما أنّه بحكمته يعالج القضايا التي تواجهها والمشكلات التي تقف في سبيل تقدمها و دعوتها ورسالتها. وهو بحكمته معتدل لا يبالغ في الأمور، ولا يهوّل الصغائر، ولا يضخّم المشاكل، كما أنّه لا يستهين بالصعاب، ولا يواجه المشكلات بسلبية، لذلك فهو يتّسم بالحكمة ويعمل بالموعظة الحسنة.

 

الأديب المسلم موضوعي في حياته وأدبه ملتزم بقضايا أمته فهو لا يأخذ من المذاهب الأدبية ما يتعارض مع دينه ولا يختار من الموضوعات ما يوهن من عزيمة أمته، ويقتل فيها روح الجهاد والجديّة والمثابرة كما أنه لا يدعو أو يقدم ما يخدش حياء أمته أو يضعف عزائم شبابه أو يوجّه جهودها إلى متاهات التحلّل والضّياع والتفسّخ أو اليأس و التّشكّك، وهو ملتزم في علاجه للقضايا بالمنطق والموضوعية دون الاعتماد على العاطفة والانسياق وراء الخيال إلا بقدر الحاجة لهما في عمله.

الأديب المسلم عالمي في أدبه لا يخاطب أمة دون أمة، ولا شعبا دون آخر لأنه يستمد خصائص أدبه من دعوته و دعوته موجهة للعالم كلّه والبشرية كلّها باختلاف أجناسها وبلادها وآرائها، ومعتقداتها لأن الأدب هو وسيلته لتبليغ دعوة الإسلام وقيمه، وتعاليمه ونظمه، وهذا يفرض عليه أن تكون لغته راقية وتعبيره جميلا، وإحساسه مرهفا، و كلماته حيّة نابضة وصوته قويا وخطواته واثقة، وإيمانه عميقا وفكره واسعا ونظرته للأمور معتدلة، حتى إذا ترجم أدبه إلى أي لغة احتفظت كلماته بروعتها وأدبه بإبداعه وثباته وجديته وتأثيره، كما أنه بحاجة إلى معرفة الأمم التي يخاطبها: تاريخها، آدابها – فنونها حضارتها حتى لا يكون أدبه إقليميا ضيّقا بل عالميا رحبا.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply