أحبكم شهداء أحد


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 قامت الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، و رسخت دعائم و أركان السيادة لشرع الله عز و جل، و تمثّل المؤمنون الأوائل قول الله تعالى\" و اذكروا إذ أنتم مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم و أيدكم بنصره و رزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون\" تمثلوه واقعاً و حقيقة لا مراء فيها، و بدأ النبي صلى الله عليه و سلم يومئ لأصحابه بإشارات الوداع، و لكن أي وداع؟ إنه وداع المربي المعلم الشفوق بأمته الحريص على ثبات أصحابه إنه وداع من لم تطمئن نفسه و يسكن قلبه حتى كشف الستار عن حجرته لينظر إلى الصديق رضي الله عنه يؤم جموع الصحابة في الصلاة فتقر عينه ، فكيف كانت إيماءات الوداع و كيف كانت وصية قائد الأمة بعد أن انقلب الضعف تمكيناً و السر بالعقيدة جهراً، و دين الله تعالى حكماً فوق أعناق الكفر و رؤوس الضلال؟ فلنتأمل!

عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج يوماً فصلى على أهل أُحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: \" إني فرطكم و أنا شهيد عليكم و إني والله لأنظر إلى حوضي الآن و إني أُعطيت مفاتيح خزائن الأرض _ أو مفاتيح الأرض_ و إني و الله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، و لكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها \"

نعم، إن طبيعة النفس البشرية قد تميل إلى النسيان في غمرة الفرح و في ساعة اللذة و في نشوة الانتصار، و لربما كان بعض المسلمين في أواخر عهد النبي صلى الله عليه و سلم على غير علم بأولئك الذين سددوا القسط الوافر من ثمن الظهور و التمكين، فكان لابد للمعلم القائد من تذكير و تنوير º تذكير أولئك الذين قد ينسون ما قدمه إخوانهم في بدايات الدعوة و الدولة و تنوير أولئك الذين دخلوا الإسلام و للإسلام دولة، و لذا انصرف بأبي هو و أمي صلى الله عليه و سلم ليقف على شهداء أُحد و يصلي عليهم، ليقدم لهم عربون الوفاء و الحب و التقدير ، و كأني به صلى الله عليه و سلم يقول لكل مسلم في أرضٍ, و زمانٍ,، هؤلاء هم الرجال، هؤلاء الذين انقلبت غيبيات الدين لديهم حقائق ماثلة لأعيانهم و شخوصهم فلم يكادوا يروا غيرها فإذا هم يشتمون ريح الجنة و يتقلبون في أنهارها و يتفيؤون في ظلالها في حين لا يرى غيرهم إلا غبار النقع و حر الرمضاء و أثر الدمار و القتل و التشريد ، لقد رأى أولئك الجنة كما رأى النبي صلى الله عليه و سلم الحوض أمامه و هو يخاطب الصحابة على منبرهº حقيقة لا يلوث نقاءها شك قلب مريض أو لهو نفس هاوية .

لقد كانوا سبعين شهيداً، و لكنهم كانوا أكثر من ذلك بكثير، لقد كانوا حقيقة هذا الدين و كانوا حقيقة النموذج الإيماني و كانوا حقيقة التلمذة في مدرسة النبي صلى الله عليه و سلم، نحن مدينون إذاً _ بعد الله عز و جل _ إلى هؤلاء، و نحن ممتنون لهم غاية الامتنان ، و إننا لنقف اليوم بعد مئات السنين لنصلي و ندعو لشهداء أُحد كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم، و لكن لابد لهذه الوقفة من آية صدق و علامة إخلاص، و هذا ما يجب أن نقف عليه اليوم لمراجعة أنفسنا، و لقد خط لنا بأبي هو و أمي صلى الله عليه و سلم معالم الطريق في كلماته على المنبر آنذاك، خط لنا في ذلك الموقف معالم المنهج العقدي بنفس القوة و الوضوح الذي خط به معالم المنهج العملي، و إذا كان ثمن الثبات على المنهج أشلاء و دماء فلتكن السلعة مستحقة لذلك، و لتجلُ الراية و ليتضح الهدف، أهو لعاعة الدنيا أم صدق التجرد لله عز وجل نية و للنبي صلى الله عليه و سلم متابعةً، ثم لنتساءل و نحن نعاني مواقف الخوف و التشريد اليوم عن مدى رسوخ تلك الحقائق الإيمانية في قلوبنا و عن مدى استعدادنا لدفع الثمن ،كل الثمن ..

أقولها مرة أخرى، نحن نقف اليوم و نتشبث بديننا و تلتهب بذلك أطرافنا و تغلي صدورنا و ربما تشق قبورنا، و لكننا لا يمكن أن ندرك قيمة ما في أيدينا غاية الإدراك إلا إذا قدمنا عربون الوفاء و التقدير لمن سنوا لنا منهج التضحية و الفداء، و لئن كان شهداء بدر و أُحد و الأحزاب يدخلون في هذه الزمرة أصالةً و ابتداءً، فإننا نُكنّ نفس المحبة و الوفاء و التقدير لكل من سار على نهجهم تبعاً، فلا يمكن لأحدنا أن ينتحل أنسابه إلى الصدر الأول من الشهداء و هو يتبرأ من سار على نهجهم، و لا يمكن لأحدنا أن يزعم تشبثه بهذا الدين و هو يتنصل ممن لا يزالون يسددون أقساطه. و لهذا لابد لنا و نحن نراجع أنفسنا و مواقفنا من أن نعلن بكل قوة و اعتزاز و شموخ أننا نحب هؤلاء , نعم إني أحبكم و أحب من يحبكم و إني لأبغض من تبرأ منكم و أبغض من يبخسكم حقكم، نعم أحب شهداء أُحد و أحب كل من سار على دربهم ولا أبالي، و إني أدعو كل إخواني و أخواتي إلى أن يرفعوا أوسمة المجد و العزة و الفخار على جباههم و صدورهم بالانكباب على التنافس فيمن يكون ضمن الجيل القادم و الذي يليه، فسفينة الإسلام لابد لها كي تسير من نهرٍ, أحمرٍ, تمخر عبابه ، ولا بد لمن أحب هؤلاء من أن يأخذ بأسباب السير على طريقهم، فالجنة حق و الشهادة حق و رسول الله صلى الله عليه و سلم حق و الإسلام حق ، و العزة لله و الله أكبر .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply