المقامة الأفغانية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

)إِنَّ اللَّهَ يُحِبٌّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ (مَرصُوصٌ 


وليست على الأعقاب تدمى كلومنا ***  ولكن على أقدامنا تقطر الدما

تأخرت استبقي الحياة فلم أجــد  ****  لنفسـي حياة مثل أن أتـقدما
 


لما دخلنا أفغانستان ، سألنا عن حدودها ، فقيل يحدها باكستان ، وطاجكستان ، وحولها بلوشستان ، وهي قريبة من كردستان ، وأسفل منها عربستان ، ووراءها تركمانستان ، ووجدنا شباباً من قحطانستان ، وزهرانستان ، وشهرانستان ، وشمرانستان ، ولما وصلتها وحدت جند الرمن ، وكتيبة الإيمان .

ويل لمن قاتل الأفغان ، أين عقله كيف يمازح الأسد وهو غضبان ، الأفغاني يأتي المعركة كأنه يأتي العرس ، ويصب دمه كأنه يسكب حبراً على طرس ، عنق الباكستاني أربع أصابع ، لأن آخر من قتل من أجداده الجد السابع .
وعنق الأفغاني سبع أصابع ، لأنه لا يموت إلا في المعركة بسيف قاطع .
الأفغاني في الغالب لا يسمع الأغاني ، ولا تلهه الغواني ، لأنه مشغول بالمثاني ، واستنباط المعاني .
وجدنا في أفغانستان رجالاً كالأسود ، وكتائب كالسدود ، أرضهم للملاحدة لحود ، ورصاصهم لبلادهم حدود . الأفغاني قليل الدعابة ، ظاهر المهابة ، غزير النجابة ، كأنه ليث غابة . الأفغاني إذا غضب أحرق مزاجه ، ورمى علاجه ، وذبح الرجال كذبح الدجاجة .

أخرجت لنا شوارع سميرا ميس ، فاتنات في الحرير تميس ، وشباباً من أتباع انطون وجرجيس ، وأخرجت لنا جبال الكندوش ، تلك الجيوش ، فهذا الأصلي وذاك المغشوش .كبّلت كابل أعداء الدين ، وقهرت قندهار الملحدين ، وأخرجت جلال أباد المجاهدين . دخل شعب الأفغان الدين وأسلم ، على يد قتيبة بن مسلم ، وصاح شاعر الأفغان ، محتجاً على الطغيان ، إذ يقول وهو يقاتل في الميدان :

نامني نزام شرقيا *** نامني نزام غربيا
مصطفى مجتبـي *** حبيبيا محمّـدا

ومعنى أبياته أي أرفض النظام الشرقي ، والنظام الغربي ، وأريد نظام حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم المصطفى المجتبى .

العجم أهل مبالغة في الأحكام ، إذا قالوا لك عن أحد هذا مولانا شيخ الإسلام ، وعالم الأنام ، فاعلم أنه يحفظ ثلاثة أحاديث من بلوغ المرام ، وإذا قالوا عن عابد: هذا بركة الزمان ، ونور الأكوان ، وولي الرحمن ، فاعلم أنه لا يزيد على صيام رمضان .

أبو إسماعيل الهروى الأنصاري أفغاني ، وهو العالم الرباني ، وقد أحيا الشاعر محمد إقبال الأفغانِ ، في ديوانه المثاني . الأفغان شجعان ، في الليل رهبان، وفي النهار فرسان ، لو أن في أفغانستان ، طالب واحد لسلم من الخلاف الإخوان ، ولكن في أفغانستان ، طالبان اثنان .
قبل القتال كان في أفغانستان ، عابدان ، أي عابدون ، وفي الحرب جاء مجاهدان ، أي مجاهدون ، وبعد الحرب ظهر طالبان ، أي طلبة متعلمون ، فهم في السلم عباد أولياء، وفي الحرب مجاهدون أشداء ، وبعد النصر علماء حكماء .

المثنى عند الأفغان ، جمع مذكر سالم عند العرب أهل اللسان ، لأن واحدهم بعشرة في الميزان ، تستورد الهند وباكستان ، من أفغانستان ، القادة والزعماء ، وتصدران لها الرسّامين والشعراء ، الأفغاني يفهم إشارة العينين ، وبعض الناس لابد في إفهامه من حركة اليدين ، والبعض لا يفهم إلا باليدين والرجلين .
احتل أفغانستان الروس ، فرجعوا جثثاً بلا رؤوس ، لأن عند الأفغان مثل : ( اقطع من الوردة رأسها ، واترك أساسها ) .

الأفغاني تريد الإتمام به وهو يريد القصر ، قل له أجمل الدنيا الشام، يقول لك أجمل منها مصر ، إذا وقفت جلس ، وإذا قمت نعس ، وإذا تثاءبت عطس ، وافق الأفغاني إلا في الحرام ، وأظهر له الحب والاحترام ، يكن في يدك كالحسام ، وفي نصرتك كالغلام .

غضبُ بعضهم في بطنه ، إذا غضب أكل أكل الدواب ، وغَضبُ البعض الآخر في لسانه إذا غضب ملأ الدنيا بالسباب، وغضب الأفغاني في يده إذا غضب حوّل كل شيء إلى خراب ، لا تكلم الأفغاني وهو غضبان ، ولا تمازحه وهو تعبان ، ولا تصافحه وهو جوعان .

يا أيها الأفغان ، أطيعوا الرحمان ، سوّوا صفوفكم ، واغمدوا فيما بينكم سيوفكم ، وسدّوا الفُرَج ، وانتظروا من الله الفَرَج ، ولكم منا تحية إجلال ، على حسن الفعال ، ولن ننسى لكم تلك البطولات ، وهذه التضحيات ، والحسنات يذهبن السيئات .

واعلموا أنَّ الوفاق والاتفاق ، هو الطريق لحمل الميثاق .
وأن الافتراق ، هو باب الإخفاق

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply