المفارقة المدهشة والمؤسفة هذه الأيامفيما يتعلق بموضوع العنف وعلاقته بالدعوة الإسلامية أنه بينما بدأت الفعالياتالسياسية والثقافية الغربية - الأمريكية والأوربية- تفرق بإلحاح وصرامة بين الإسلاموبين الحركات التي تمارس العنف، وهو إلحاح لوحظ تزايده مؤخراً ، مع زيادة التأكيدعلى أن الصراع ليس مع الإسلام وحضارته وثقافته وعقائده وشرائعه، وإنما الصراع معالحركات التي تمارس \"الإرهاب\". أقول: بينما يحدث ذلك في الغرب \"المسيحي\"º نجداللهجة بين المثقفين العلمانيين والمتغربين في العالم العربي \"الإسلامي\" تتزايدباتجاه اتهام الإسلام ودعاته وعقيدته وشريعته بأنه الرافد الأساس في وقائع العنف،وبالتالي يطالب هؤلاء \"الحكماء\" العرب بالضرب بيد من حديد على كل نشاطات الإسلامالدعوية والأخلاقية والفكرية وحتى العبادية، ويصل الأمر إلى طلب مطاردة الآيات والأحاديث التي يدرسها الطلاب في المدارس والمعاهد، ومطاردة حتى المؤسسات الرسميةالتي تقوم على جانب من جوانب حماية قيم الإسلام أو علومه، فتعرضت هيئات الأمربالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة السعودية لهجمة منظمة من العلمانيينوالمتغربين، وكذلك تعرض الأزهر في مصر لحملات عاتية تتهمه بالجمود ودعم الفكر \"الغيبي\" الذي يولد العنف والإرهاب. المؤسف أن بعض الممارسات وصلت إلى حدالهستيريا ، مثلما حدث في موريتانيا، حيث أقدمت السلطات على اعتقال جميع أعضاء هيئةالتدريس في المعهد العلمي الديني الرئيسي في نواكشوط ، وهو معهد تشرف عليه مؤسسات علمية خليجية رسمية ذات احترام وسمعة أكاديمية وعلمية لا يرقى إليها الشك، وأعترفبأني ضحكت في البداية من فرط الجنون الذي حدث!. يمكن تصور أن تعتقل أستاذاً أومدرساً أو اثنين لأسباب مهما كان تكلفها وهشاشتها، أما أن يقدم \"عاقل\" على اعتقال \"جميع\" أعضاء هيئة التدريس في مؤسسة علمية، فهذا ضرب من الجنون الحقيقي، بطبيعةالحال هناك حكومات ومنظمات تنصيرية ترصد هذا الخطاب الغوغائي الجديد في الإعلامالعربي وبعض مؤسساته الثقافية المتغربة، وهناك قلق قديم من تنامي الدعوة الإسلاميةفي أكثر من مكان في عالم اليوم، وهناك تقارير شائعة تتحدث عن أن الإسلام هو أوسعالديانات انتشاراً في الأرض الآن، وهذه فرصة تاريخية لضرب هذه الدعوة في مقتل، ووقفانتشار القرآن في جنبات الأرضº لأنه ما أسهل أن توصم كل لحية الآن بالإرهاب، وماأيسر أن تصف كل نقاب بأنه \"خيمة إرهاب\" وهكذا. ولم يكن ما فعلته \" كمبوديا \" فيالأسبوع الماضي هو آخر هذه الجرائم، عندما شنت حملة مطاردة للدعاة المسلمين، وتهديدكل من دخل في الإسلام من الكمبوديين بأن سيف الاتهام بالإرهاب مسلط على رأسه، وقدقامت الحكومة بالفعل باعتقال العديد من الدعاة والمشايخ، وترحيل آخرين، وترويعالمئات من المسلمين، حيث بدأ الإسلام في الانتشار على نطاق واسع في السنواتالأخيرة. هناك بلاد تم تفريغها بالفعل ، مثل ألبانيا ، حيث أصبحت الآن مرتعاًخصباً لعشرات المنظمات التنصيرية، التي تحظى بدعم مؤسسات رسمية وشخصيات نافذة فيالمجتمع الغربي، من ضمنها: منظمات اليمين المسيحي الأمريكي الذي ينفق هناك مئاتالملايين من الدولاراتº لتصفية \"الجيب الإسلامي\" في خاصرة أوربا المسيحية. هذهالجرائم المتتالية يتم دعمها الآن من قبل \"الأبواق\" العلمانية والمتغربة والمنحرفةوالمستهترة في العالم العربي، والمؤسف أكثرº أن أعلى الأصوات الآن في هذه \"المؤامرة\" تأتي من منطقة الخليج العربي، ثم انضاف إليهم مؤخراً مخلفات الماركسيينوالمتفرنسين في المغرب بعد أحداث الدار البيضاء، والمؤسف أكثر أن مثل هذا الاعتداءعلى الإسلام وشريعته وقيمه، والمطالبة بحصار كل صوت إسلاميº إنما يصدر تحت ادعاءاتبالغيرة على الإسلام وصورته في الغرب، رغم أن هؤلاء هم آخر من يمكن تصور الحديث عنالإسلام أو الغيرة عليه من قبلهم، ومنهم - صحافيون ومثقفون- كانوا يباهون باحتساءالخمر علانية في نهار رمضان في لندن، ابتهاجا بقدوم \"الشهر الكريم\"، والشهود أحياءيرزقون!. إن هناك محاولات غير أخلاقية من قبل البعض لاستثمار حوادث العنف )المدانة شرعاً وواقعاً)º لكي تتم تصفية حسابات قديمة مع الإحياء الإسلامي والصحوةالإسلامية، وتصفية بعض المؤسسات الدينية النشطة، والتي مارست دوراً رائعاً فيالعقود الماضية حماية للإسلام وقيمه وأمنه الاجتماعي، فضلا عن تصفية حسابات معالدعاة والعلماء الذين سبق وتصدوا للمنحرفين دينياً وفكرياً وأخلاقياً، وكشفوهمأمام الأمة، وهناك تحريض علني يومياً - وفي تصاعد مستمر، وكأنه مزاد بين صحفوشخصيات- للحكومات لإعلان الحرب على الدعوة الإسلامية، ومطاردة الدعاة إلى اللهºبدعوى محاربة الإرهاب، وتجفيف منابعه، رغم أن من يقولون هذا الكلام هم أول من يعرفأن مثل هذا التحريض هو السبيل الأرخص والأكثر نجاعة لخدمة الإرهاب، وتقديم العونالأدبي والنفسي والفكري لسلوكه الخاطئ. هذا التحريض هو محاولة شيطانية لحرقالدار كلها، وإشعال الحرائق في ديار المسلمين، ومن ثم على جميع العقلاء في هذهالأمة أن تتضافر جهودهم للتصدي لهؤلاء الانتهازيين والمخربين والطابور الخامس الخفيللإرهاب ذاته، هؤلاء الذين لا تطرف لهم عين وهم يحاولون إشعال الحرائق في ما بينالحكومات وملايين الشباب المسلم الذي لا يعرف إرهاباً ولا يؤمن بعنف، فقط لكي يقفهؤلاء المتغربون المخربون على أطلال الخرائب كالبوم والغربان، ضامنين اتساع مكاسبهمالشخصية أدبياً وسياسياً وإعلامياً ومالياً، على حساب كل شيء وأي شيء، ومقدمينأنفسهم كخط دفاع أول للحكومات ضد \"الإرهاب الإسلامي\"، الذين هم - في الحقيقةوالواقع - داعموه وممدوه بكل مثيرات الفتن والنيران. إن الحقيقة التي يؤكدهاالواقع والتجربة أن التطرف يغذي بعضه بعضاً، فتنامي التطرف العلماني والتغريبي فيمجتمعº يولد تطرفاً مقابلاً في الجانب الديني، ولا توجد تجربة واحدة من التجاربالمريرة التي مرت بها بعض البلدان في العقود الأخيرة كان فيها لهذا الفريق العلمانيالمتغرب دور في علاج مشكلات الغلو الإسلاميº بل كان دورهم أشبه بمن يصب المزيد منالزيت على النار، لتزداد توهجاً واشتعالاً، وإنما حوصر العنف، وجففت منابعه بجهودالدعاة والعلماء، والخطاب الوسطي المعتدل، وكلما اتسعت مساحة العطاء والتأثيرللخطاب الإسلامي المعتدل في المؤسسات الثقافية والدينية والإعلاميةº كلما ضاقتالمساحات المتاحة لأصوات التطرف والغلو، وحرمت المد الفكري والأدبي والإنساني حتىتلاشت أو أوشكت. هذا هو الدرس الذي نحتاجه في هذه التحدي الجديد، قبل أن تجرفناالأمواج بعيداً عن شاطئ الأمن والأمان والسلام الاجتماعي .