الإعلام العربي .. في فضاء الشعوذة!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

من بقاع الأوكار المظلمة خرجوا، انطلقوا إلى الفضاء مباشرةً ليبثوا سمومهم المختلفة الأشكال المتعددة الألوان عبر قنوات فضائية تبث من بلدان عربية مسلمة، هي قنوات الشعوذة وفك السحر وقراءة الطالع والتنبؤ بالغيب الذي لا يعلمه إلا الله.

 

قد تبدو المفارقة كبيرة هائلة غير أنها أضحت واقعية في الآونة الأخيرة في وطننا العربي الإسلامي، بإمكانك التأكد من ذلك إذا تصفحت شاشة التلفاز وقلبت قنواته المختلفة ستخطفك إحداها قد تكون كنوز أو شهرزاد أو جرس، تستقبل الشاشة مقدمة برامج مظهرها الخارجي يدل على عدم التزامها لكنها متواجدة على مدار الأربع وعشرين ساعة وعلى يمينها رجل يبدو ملتزماً لكنه \" مشعوذ \"، فقط يطالبك بأن تلفظ له باسمك واسم والدتك ومن ثم تحل كل المشاكل وتُفرج كل الهموم، في حين يبادرك آخر بقراءة بعض الآيات من القرآن ويشير عليك بقراءة آيات قرآنية أخرى من سور محددة، وفي قناة ثالثة تجد من يقرأ لك الطالع ويفسر لك خطاك المستقبلية التي لا يعلمها إلا الله.

 

\" لها أون لاين \" في التحقيق التالي تقف على أسباب ولوج الناس لمثل هذه الفضائيات\" فضائيات الشعوذة\" هل هو الأمل أم الضعف الديني أم انعدام الوعي الثقافي، ونتطرق إلى رأي الدين من أولئك المشعوذين بالإضافة إلى رصد آثارها الاجتماعية السلبية على من يتابعونها تابع معنا:

 

إيناس فتاة في منتصف العشرينيات من عمرها لا تنكر أنها تتابع عن كثب قنوات فضائية تختص بفك السحر وقراءة الطالع بل إنها تحاول الاتصال بها علّها تجد حلاً لما تعانيه وعائلتها من أعمال سحر، بحسب أقوالها وجدت مدفونة بالقرب من جذع شجرة تظلل باب منزل عائلتها.

 

تقر إيناس في حديثها لنا أنها لا تعتبر ذلك \"عيباً أو خطأ\"، وتضيف: \"يطمئنني كثيراً أن الشيخ يعمد إلى قراءة آيات القرآن ويشير على المتصلين بتلاوة آيات معينة كلٌ حسب حالته، أشعر بشيء من الراحة النفسية التي أنشدها ولا أجدها في الواقع\".

 

وعلى الرغم من تحمس إيناس الجامعية للاتصال بالحاج أيمن على قناة كنوز الفضائية ليشير عليها ببعض الإجراءات لفك السحر إلا أن أمها ترفض قطعياً هذه البرامج التي تبث على مدار الساعة كما تحاول إثناء ابنتها عن الاتصال معللة أنها تخشى أن تقع في الضلالة فإيمانها خاصة أن كثيرا من الوصفات وإن اعتمدت على القرآن الكريم والأدعية فإنها تحمل في طياتها شيئاً لا تطمئن له نفسياً على حد تعبيرها.

 

الإعلام لا يعالج مشاكلنا

حين لا تجد أحداً يهتم بواقعك المرير ويسعى جاهداً ليسوق لك الحلول الواقعية الصادقة لمشكلاتك المختلفة لابد أنك ستهرب باحثاً عن وصفة سحرية تحقق لك الأمل والسعادة والراحة النفسية التي افتقدتها سنوات.

 

وقد أدى تعاظم وتفاقم المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الوطن العربي إلى إقبال الناس بشكل كبير على كل ما يتيح لهم حلاً شافياً لمعاناتهم على اختلاف أوجهها، تؤكد على ذلك د. سمر الشنار رئيس قسم الصحافة بجامعة النجاح الوطنية قائلة: \"طبيعياً أن يلجأ الناس ويقبلون بكثرة على فضائيات الشعوذة التي طرأت في الآونة الأخيرة على إعلامنا العربي فلا أحد من وسائل الإعلام ينظر لهمومهم ويسلط عليها الضوء ويسعى لإيجاد حلول شافية وناجعة تتسم بالواقعية والصدق لها \"، واتهمت الشنار وسائل الإعلام بتسليط الأضواء فقط على القضايا السياسية والشخصيات والمسئولين رفيعي المستوي دون غيرهم من أفراد الشعب الكادحين المكلومين بل والمعدمين أيضاً.

 

وفي ذات السياق أرجعت د. الشنار إقبال الناس بكثافة على قنوات الشعوذة إلى عدة أسباب أولها تقصير الأحزاب السياسية في برنامجها الاجتماعي الذي من شأنه دعم الفرد وتعزيز ثقته بوجود أحد يهتم بالارتقاء به اجتماعياً وثقافياً، بالإضافة إلى انتشار مشكلة الأمية في الوطن العربي حيث يبلغ عدد الأميين العرب 70مليون ما يجعلهم أكثر تشبثاً بالحلول السحرية التي تقدمها تلك الفضائيات نتيجة عدم وعيهم وإدراكهم الثقافي والديني مؤكدة أن الإنسان المثقف الواعي لا يمكنه متابعة تلك القنوات واللجوء إليها بأي حال من الأحوال فهي لن تقدم له إلا بصيص أمل يتعلق به سرعان ما يتوارى ويختفي إلى زوال بعد التأكد من زيف حلولها.

 

وفيما يتعلق بالحلول الواجب السعي إليها للتخفيف والحد من آثارها السلبية إيجاد مجموعة من البرامج التي تلبي احتياجات الناس وأذواقهم وطموحاتهم بالإضافة إلى الاهتمام بالقضايا الجوهرية اليومية للإنسان العادي، وشددت على ضرورة أن يقوم المثقفون والإعلاميون في العالم العربي تشكيل أندية ثقافية تدعو العامة لمناقشة خطورة هذه الفضائيات وآثارها الكارثية على المجتمعات العربية الإسلامية، قائلة: \" لا يكفي النقد والشجب وإنما علينا رصد الميزانيات وتكثيف الجهود لتحسين إنتاجنا الثقافي وأيضاً محو الأمية في الوطن العربي وكذلك العمل على توفير المعلومة دوماً \".

 

ضعف الإيمان

من ناحيته يؤكد د. نسيم ياسين عميد كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية، وأمين سر رابطة علماء فلسطين أن ضعف الثقافية الدينية والوازع الإيماني لدى فئات كبيرة من المواطنين وانشغالهم بأمور الدنيا وتأمين المستقبل كانت سبباً في انجرارهم نحو قنوات الشعوذة التي تبحث في المستقبل وتتنبأ بالغيبيات لتعطي من يلاحقونها بعضا من الأمل الزائف والراحة النفسية الخادعة وذلك باستخدام الطابع الإسلامي.

 

 وأضاف ياسين: \"يحاول من يدعون أنفسهم رجال دين وعلم أن يشدوا انتباه المشاهد ويجذبونه لمتابعتهم من خلال قراءة الآيات القرآنية والدعوات المأثورة \"، ويشدد ياسين على زيفها وخلوها من الحقيقة حتى لو كانت من آيات القرآن الكريم فإنها إذا ما اقترنت بالطلاسم المسمومة لافتاً أن القرآن الكريم يحتاج منا أن نقرأه بتدبر وتفكر ويقين عال بأن الله هو الشافي لما في الصدور وعالم الغيب.

 

تأثير خطير

في وقت تعاني منه المجتمعات العربية الإسلامية من زلات وأزمات سياسية واقتصادية ولاسيما اجتماعية جاءت قنوات الشعوذة الفضائية لتضيف أزمة جديدة لكنها الأخطر على مفاهيمنا الدينية وعلى نفسية الإنسان واجتماعياته.

 

يؤكد رئيس مركز التدريب المجتمعي في غزة د. فضل أبو هين أن فضائيات الشعوذة تشن حملات نفسية قهرية على الإنسان المسلم بحيث تشغل تفكيره بالمستقبل والأمن والاستقرار ولا تتورع أبداً من ربط كل ذلك بالدين وإلحاقه بالكتاب العظيم والسنة النبوية الشريفة بهدف استهواء العقول وإبعاد الناس عن التفكير بالأمور الحياتية، ناهيك عن تعليق آمالهم ورهنها بغيبيات لا يفقهون بها شيئا وإنما يدلسون ويزيفون ليجذبوا عدداً أكبر من المشاهدين والمتصلين.

 

من ناحية أخرى يوضح أبو هين أن الخطر الذي يتهدد الأسر العربية المسلمة لا يكمن في الاستهواء والمتابعة لمجرد التسلية وإنما في انعكاسه إلى تصديق بتلك الافتراءات والشعوذات التي تجرهم إلى البعد عن تعاليم الدين الإسلامي القويمة وشريعته العظيمة، خاصة في ظل ما يعانوه من عدم نجاعة الحلول الواقعية وعدم ثقتهم بها أصلاً، مشدداً على ضرورة العمل الجاد للحد من تأثير تلك القنوات على شعوبنا الإسلامية بزيادة تثقيف وتوعية أبنائنا بأهدافها بالإضافة إلى تحصينهم بإمكانيات عقلية تحميهم من الوقوع فرائس لمثل هذه القنوات المشعوذة، ناهيك عن تحمل أصحاب القرار مسئوليتهم تجاه محاربة تلك القنوات وقطع بثها الفضائي وإيجاد فضائية دينية إسلامية حقة تنشر العلم الحقيقي للناس وتقربهم من أمور دينهم.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply