صناعة الإعلام الغربي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تطورت صناعة الإعلام في العقود الأخيرة تطوراً مذهلاً، فالخبر ينتقل من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب خلال دقائق معدودات، بل بدأت القنوات الفضائية ووكالات الأنباء العالمية تتنافس في تغطية الأحداث على الهواء مباشرة، حتى ظهر اصطلاح القرية الكونية تعبيراً عن سرعة وسهولة انتقال الخبر، وصاحب ذلك تنافس وكالات الأنباء على الدقة في النقل والمصداقية في عرض الأخبار، ممّا جعل كثيراً من الناس يتهافتون على تلقي الأخبار باطمئنان تام وتصديق كامل، وبخاصة في دول جل العالم الإسلامي التي اعتاد الناس فيها على الكذب الرسمي والتزوير المتعمد والتلفيق المكشوف، من إعلام استهلاكي لا يُجيد إلا الإشادة والتطبيل لمنجزات الزعيم الملهم وإبداعاته المتجددة، حتى وإن لم تر إلا الإنجازات الورقية..!!

 ولكن هل الإعلام الغربي ووكالات الأنباء العالمية تلتزم الدقة وتحرص على مصداقيتها حقاً..؟ ! وللإجابة على هذا السؤال لابد من إدراك الخلفيتين التاليتين:  الأولى: أنّ أكبر وكالات الأنباء والقنوات الفضائية تسيطر عليها الإدارة اليهودية، التي لا تخفي ولاءها لإسرائيل والمنظمات الصهيونية الثانية: أنّ هذه الوكالات وجل القنوات الفضائية مخترقة من وكالات الاستخبارات الغربية، ومن ثم فهي تتحرك وفق استراتيجية استخبارية مدروسة.

 وبناء على هاتين الخلفيتين العقدية والسياسية فإنّ النزاهة والدقة والحيادية التي تزعم القنوات الإخبارية الحرص عليها تتلاشى تماماً حينما يكون التحقيق الإخباري متعلقاً بالشعوب الإسلامية بعامة وبالصحوة الإسلامية بخاصة، وحينها تنكشف الأقنعة، وتظهر الصورة الكالحة على وجه المعلق وتندفع الكلمات الاستفزازية المتشنجة مسيطرة على تحليل المواقف السياسية فالشعوب الإسلامية لا تستحق البقاء وليس لها حق العيش كريمة وليس لها الحق في خياراتها أسوة بغيرها من الشعوب، والحركات الإسلامية حركات متزمتة ظلامية أصولية لا تحيا إلا بالدم والتدمير والإرهاب، فيجب مقاومتها ووأدها وكبتها، وأما الأنظمة الدكتاتورية القمعية فهي أنظمة وديعة مناضلة متحضرة محبة للسلام، حتى بدت نهاية هذا القرن في نظر الرأي العام الغربي على أنها حقبة التهديد الإسلامي..

[1]! !  وبعد سقوط الماركسية والدول التي دارت في فلكها سيطرت فكرة التهديد الإسلامي على عقول الساسة والإعلاميين الغربيين، حتى أصبحت قاعدة رئيسة تنطلق منها التعليقات الإخبارية والقرارات الدولية، لقد عقد الكونجرس الأمريكي في 26 مايو 1994 ندوة بعنوان: الإسلام المنبعث من الشرق الأوسط شارك فيها: السفير روبرت باللترو مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، والكاتب دانيل بابيس، والكاتب جون اسبزيتو [2]، وقد قال الكاتب بابيس في هذه الندوة:  إنّه لا يوجد أصولي يريد أن يعيش بهدوء، إن الأصوليين يصرون على نقطتين: تطبيق الشريعة الإسلامية في كل البلاد الإسلامية، وتوسيع حكم المسلمين.

وكلا الهدفين يحتويان على كفاح عدواني متأصل، وهم قد يظهرون نوعاً من المرونة، ولكنهم لا يتركون هذين الهدفين..

ثم يقترح على الحكومة الأمريكية الاقتراحات التالية:  أولاً: دعم الحكومات والجماعات التي تحارب الأصولية.

 ثانياً: على الغرب أن يضغط على الدول الأصولية، في السودان وإيران وأفغانستان، حتى تخفف من عدوانيتها.

 ثالثاً: دعم الأشخاص والمؤسسات التي تعارض الأصولية [3].

  ويفضح هذا الكلام عمق القلق الأمريكي بخاصة من تنامي الصحوة الإسلامية..

!  لقد أصبح الإعلام الغربي والأمريكي على الخصوص بإمكاناته المدهشة أداة رئيسة في صنع وتشكيل الرأي العام المحلي والعالمي، ونجح الغرب في توظيفه وجعله وسيلة لتعمية الشعوب الإسلامية، والاستحواذ على العقول والأبصار، وصرفها عن الحقيقة وساعد على ذلك ما يلي:  * الفشل الإعلامي الذريع الذي تمارسه أكثر الدول المحسوبة على الإسلام وقيامها بسياسات إعلامية معادية للإسلام، ورفعها لشعار تجفيف المنابع حيث شوهت المنابع تبعاً لسياسات التطبيع والتغريب.

 * إن الإعلام العربي في الغالب مستهلك لأسوأ ما أنتجه الإعلام الغربي على كل الأصعدة من إذاعة وصحافة، وحتى ما يعرض للأطفال من (الصور المتحركة) يصاغ صياغة تحاكي النمط الغربي بل هي نسخة مترجمة منه.

 * إن الجهود الجديدة في الإعلام الخاص تجارية بحتة تعمل جهدها للهو والتسلية ولإغراء المُشاهِد بالفاتنات والبرامج الساقطة وقل أن تجد فيها النافع المفيد.

 كنا نود لو أن تلك الجهود قامت بشيء من واجبها لمواجهة الإعلام الأجنبي ومحاولة ترشيد الفهم الخاطئ عن الإسلام وأهله، فقد آن لنا أن ندرك أنّ الإعلام الغربي إعلام عنصري استعماري، وإن زعم الدقة والحيادية ومواقفه من أحداث العالم الإسلامي: كالبوسنة, وفلسطين, والشيشان, وكشمير, وبورما, والفلبين, أكبر شاهد على التشويش المقصود.

 إن التأني والتثبت في تلقي الأخبار منهج أصيل دلّت عليه النصوص القرآنية، وتواترت فيه الأحاديث النبوية، قال الله - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) [الحجرات: 6] فإذا كان التثبت من خبر الفاسق مأمور به شرعاً، فخبر الكافر المظهر لعداوته من باب أولى.

 

-----------------------------------

(1) تجربة الإسلام السياسي (ص11) تأليف أوليفيه روا دار الساقي، الطبعة الأولى 1994م.

(2) وهو مؤلف الكتاب الشهير التهديد الإسلامي خيال أم حقيقة The Islamic Treath Myth or Reality - J Esposito يعمل حالياً رئيساً لتحرير موسوعة إكسفورد للعالم الإسلامي الحديث، وهو مستشار في وزارة الخارجية الأمريكية.

(3) أنظر مجلة:Middle East Policy 1994م.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply