الإسلام نهى عن كل ما رجحت مفسدته


 

 
 

بسم الله الرحمن الرحيم

قرأت تعقيبا على الشيخ أحمد الحواشي حول الدش واعترض الكاتب الأخ صالح العريني على تحريم الشيخ للدش.

فأقول: لا شك أن الانفتاح اللا منضبط على العالم ومن ذلك استقبال القنوات الفضائية بخيرها وشرها أمر ابتلي به كثير من المسلمين في هذا الزمن، بل واستهجن من لا يقتني أجهزة استقبال القنوات الفضائية واعتبر متشددا، والحجة في ذلك: كيف يعرف ما يحدث في العالم بدون هذه القنوات؟ أو أنها سلاح ذو حدين أو أنها شر لا بد منه أو غير ذلك.

لكن عندما ننظر إلى ما تبثه تلك القنوات من نافع وضار وما هو خير أو شر نجد الغالب يحتوي على محاذير شرعية ليس أقلها ظهور النساء متبرجات بزينة، ولهذا فإن الإسلام نهى عن كل ما ترجحت مفسدته على مصلحته، وانظر إلى قول الله - تعالى -عن الخمر والميسر (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما..) الآية، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: نزلت قبل التصريح بالتحريم. وقال ابن كثير - رحمه الله - :أما إثمهما فهو في الدين وأما المنافع فدنيوية كبيعها والانتفاع بثمنها وما كان ينتفعه بعضهم في الميسر فينفقه على نفسه وعياله، ولكن هذه المصالح لا توازي مضرتهما ومفسدتهما الراجحة لتعلقها بالعقل والدين ولهذا قال: (إثمهما أكبر من نفعهما) ولهذا كانت هذه الآية ممهدة لتحريم الخمر على الإطلاق، ولم تكن مصرحة بل مُعرِّضة)ج1.

وقال العلامة السعدي - رحمه الله - \"بين الله لهم المنافع والمضار ليكون ذلك مقدمة للتحريم وتحتيم تركهما، وكان هذا البيان زاجرا للنفوس عنهما، لأن العاقل يرجح ما ترجحت مصلحته ويتجنب ما ترجحت مضرته\".

قلت: أفلا يكون ما تبثه تلك القنوات من إثم كبير ومخالفات للشريعة كثيرة ومضار متعددة زاجرا لكل عاقل كي يعرض عنها؟، فمنافعها لا تعادل منافع الخمر (المادية) ومفاسدها تتجاوز مفاسد الخمر (الدينية)، فهل يمكن مقارنة ما يصلح به المشاهد دنياه من (تسلية وثقافة دنيوية وأخبار و.. ) بما يفسد دينه؟.

ثم انظر إلى قوله - تعالى -(ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم.. ) الأنعام \"108\".

(ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الآية محكمة ثابتة غير منسوخة وهي أصل في سد الذرائع وقطع التطرق إلى الشبه.. ). فتح القدير للشوكاني ج2 ص150.

فالأمر المباح إذا ترتب عليه مفسدة أعظم من المصلحة فإنه ينهى عنهº قال العلامة السعدي في تفسيرها \"ينهى الله المؤمنين عن أمر كان جائزا بل مشروعا وهو سب آلهة المشركين التي يتقرب بسبها وإهانتها ولكن لما كان هذا السب طريقا إلى سب المشركين لرب العالمين نهى الله عن سب آلهتهم... إلى قوله: في هذه الآية الكريمة دليل للقاعدة الشرعية وهي: أن الوسائل تعتبر بالأمور التي توصل إليها، وأن وسائل المحرم - ولو كانت جائزة - تكون محرمة إذا كانت تفضي إلى الشر\" ج1ص499.

فهل يمكن أن يتابع المشاهد الأخبار (الجائزة شرعاً) دون أن ينظر إلى صور النساء (المحرمة شرعا) مثلا، فالمباح إذا لم يمكن التوصل إليه إلا بفعل المحرم فلا يجوز. وبما أن الدش هو وسيلة استقبال تلك القنوات التي (إثمها أكبر من نفعها) فقد أفتى العلماء بتحريمه قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - \"فلهذا وجب علي التنبيه على خطورته ووجوب محاربته والحذر منه، وتحريم استعماله في البيوت وغيرها وتحريم بيعه وشرائه وصناعته أيضا لما في ذلك من الضرر العظيم والفساد الكبير والتعاون على الإثم والعدوان.. \" الفتاوى الشرعية في المسائل العصرية ص960 إعداد خالد الجريسي.

وهناك ولله الحمد جهود مباركة لإيجاد البديل المفيد والمباح للاستغناء به عن الخبيث المفسد، ومع ثقة المسلم بدينه واستمساكه بشريعة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فإنه لن يعدم الوسائل التي يستطيع من خلالها الاستفادة من وسائل التقنية الحديثة بعيدا عن الغلو والتميع فبالغلو يحرم المرء ما أحله الله له، وبالتميع يحل لنفسه ما حرمه الله عليه.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply