تلفزيون الواقع غزو من الداخل


بسم الله الرحمن الرحيم

 

ترى هل أصبحنا نحن الأكثر قدرة على غزو أنفسنا بالبرامج الغربية التي كنّا نحذر منها، أو بمعنى آخر هل أصبحت المؤسسات والمحطات الغربية تشعر بارتياح نتيجة قيامنا بالترويج لبضاعتهم الفاسدة التي لن يتقبلها المجتمع فيما لو كان أولئك هم من يروجه.

عندما بدأت تنشر ظاهرة الفيديو كليب في الأغاني وغيرها كان عدد من المخرجين ينتقدون بشدة ويحملون على مروجي هذا الاتجاه، غير أن عدداً غير قليل من هؤلاء انجرف فيما بعد وراء ذلك بعد أن وجد أن السوق الرائجة وربما الثراء يكمن في الركض خلف ما كان ينتقده..

تماماً تعد هذه الصورة أنموذجاً يتكرر شكله وطبيعته والسيناريو الخاص به في جوانب عدة وبخاصة في مختلف البرامج التلفزيونية التي أخذت تنمو في مختلف محطاتنا التلفزيونية والتي هي صورة طبق الأصل من البرامج الغربية التي أخذنا باستيرادها دون أي توظيف أو تغيير يتسق وطبيعة المجتمع الذي نتوجه إليه.

ترى هل أصبحنا نحن الأكثر قدرة على غزو أنفسنا بالبرامج الغربية التي كنّا نحذر منها، أو بمعنى آخر هل أصبحت المؤسسات والمحطات الغربية تشعر بارتياح نتيجة قيامنا بالترويج لبضاعتهم الفاسدة التي لن يتقبلها المجتمع فيما لو كان أولئك هم من يروجه.. ولماذا أصبحنا نقوم بتسويق مختلف أنماط تلك البرامج وفي مقدمتها ما يسمى بالتلفزيون الواقعي أو التصوير الواقعي على الرغم من قناعتنا النظرية وبخاصة من يملك تلك القنوات وهم للأسف قريبون جداً من بيئتن..

ربما كان الحديث عن نمط هذه البرامج هو تكرار أو إعادة إنتاج للحملة ضدها إبان ظهورها، غير أن بقاء هذا اللون من البرامج لا ينبغي في تقديري أن يواجه بسلبية تامة.. بحجة أن الموقف السابق منها كفيل بإيجاد وعي كافٍ,..

أليس من المؤسف حقاً أن نحترف وبمهارة عالية استنساخ برامج لا يربطها بواقعنا الاجتماعي ولا بتراثنا ولا بقيمنا أي رابط.. ونعرض في الوقت نفسه عن برامج تبرز لنا جانباً من التقدم المذهل الذي تتمتع به المجتمعات الأخرى وفي كافة مجالات الحياة..، هل يعني ذلك أن محطاتنا العربية تحتفي بأسوأ ما في تلك المحطات الأمريكية والأوروبية وتغفل عن عمد أنماطاً أخرى لها تميز كبير لو أنها احتفت بها لرأينا لها صدى إيجابياً كبير..

إنني أتساءل بحق كيف يقضي أولئك الذين يستمتعون أو يتابعون هذه البرامج أوقاتهم دون أن يستشعروا قيمة الوقت.. وهل من العقل أن يظل المرء أمام شاشة التلفاز مدة نصف ساعة مثلاً دون أن يشاهد عبر الشاشة شيئ.. ولا سيما عندما يكون المشاركون في هذه البرامج في حالة استرخاء أو نوم..

بل أقول لماذا لا يزال الكثيرون يمنحون هذه البرامج أوقاتهم الثمينة دون عائد يذكر سوى مشاهدة بعض مظاهر التفسخ والعري والتبذل والتهتك.. هل أصبح الجمهور المتيم بهذا النمط مستهلكاً لكل شيء حتى ولو كان ذلك يتعلق بالقيم الغربية التي لا يزال الكثيرون بما فيهم مشاهدو تلك البرامج يأنفون منه..

ربما كان من الطبيعي أن تروج تلك البرامج في بعض البيئات الأوروبية.. من مثل المجتمع الهولندي الذي نشأت فيه أولاً خاصة وقد عرف عن هذا المجتمع تحرره القيمي وترفه وارتفاع نسبة الانتحار فيه.. أما أن نغدو وخلال عام أو عامين مؤهلين لمثل هذا النمط بنسختها العربية وكأننا لا نختلف أبداً عن المجتمع الأوروبي فإن ذلك يبرز بعض مظاهر الخطر والخطورة.

أدرك أن خطاباً مثل هذا أشبه بصيحة في وادٍ, كبير يسمعها من لم يكن معنياً بذلك أو والغاً فيه.. إلا أن الحديث عمّا تشتمل عليه مثل تلك البرامج وقتل الكثيرين ممن يتحلقون حولها لأوقاتهم برغم تفاهة ما يشاهدونه يعكس واقعاً جديداً في طبيعة شخصية عدد من الأفراد في المجتمع وأن ما يعول عليه الناس من تغيرات إيجابية نتيجة الوعي ومزيد من العلم تصطدم بواقع يجنح نحو مزيد من البعد عن القدرة على الانتقاء الجيد والقدرة المناعية لدى المشاهد العربي المخدوع إزاء مضامين تستهدف قيمه وأخلاقه ومبادئه.. إن لم تكن صيغة من صيغ الغزو أو الاستعمار الجديد بلغة عربية وتمويل عربي.. أو هي مظهر من مظاهر الابتزاز وجني الأرباح الطائلة من جيوب الفقراء والمعدمين...

وبرغم عدم وضوح المعلومات عن تلك البرامج بنسختها العربية إلا أن المعلومات تشير مثلاً إلى أن إحدى القنوات الفرنسية استطاعت أن تكسب فقط خلال 16 حلقة من أحد هذه البرامج 120 مليون دولار من جيوب المشاهدين وخاصة أن الجمهور كثيراً ما يتعرض للاحتيال حينما يقوم بالمهاتفة والمشاركة فيتوهم بأنه سيؤثر في القرار المتخذ بشأن ترجيح كفة من يريد فوزه غير أنه في النهاية هو الخاسر الأهم..

ربما كان البعد الربحي أقل ما ينبغي العناية به نتيجة ما هو أهم وأعظم، إذ إن الخسارة الأكبر هي ما يجدها المجتمع على المستوى القيمي والأخلاقي والتي ربما أسهم في التقليل من آثارها المنع من لدن شركة الاتصالات، وللحديث صلة، وللجميع تحاياي.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply