براءة تقتلها العدسات !


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 لا يخفى الدور الكبير الذي يلعبه الإعلان كأداة لتقديم السلع والخدمات والأفكار، فيساعد بذلك المستهلك على تلبية احتياجاته ويوفر له التعرف على خصائص السلع وطرق استخدامهاº فهو بذلك يقوم بخدمة جليلة للمجتمع وإن نادت بعض الأصوات معارضة للإعلان كالشعوب اللاتينية فإن هذا يعكس دور الثقافات والحضارات والأنظمة السياسية والسياسية في تقبل الإعلان من عدمه والتأثير عليه.

 

بعد الطفرة التكنولوجية الكبيرة التي شهدها العالم وما أحدثته من زيادة في الإنتاج كان لابد من فتح أسواق جديدة لتسويق هذه المنتجات وخلق الرواج لها. فكان أن تأسست الوكالات الإعلانية المتخصصة التي تتنافس في تصميم الإعلان حتى يحدث الأثر العظيم لدى المتلقي، إذ لابد أن تتوفر في الإعلان كل عناصر جذب الاهتمام والإثارة والخيال حتى يكون فاعلا في خضم هذا الكم من الإعلانات.

 

وبما أن الإعلان يعتمد أساسا على استمالة العاطفة كان الأطفال أداة أساسية في كثير من الإعلانات سواء كان المعلن عنه يخص الأطفال فقط أو يخص الأطفال والكبار معاً. وجاء استخدام الأطفال في الإعلانات لقدرتهم على التأثير في الوالدين والأسرة عبر إثارة عاطفة الأمومة والأبوة وعبر ما تضفيه طلعتهم البريئة من جو يبعث نوعا من الثقة والشعور الإيجابي تجاه المنتج، وهذا أحسبه ذكاءا يسيرا من قبل القائمين على شؤون الإعلان.

 

أثار استخدام الأطفال في الإعلان الكثير من الجدل في أوساط المهتمين وخبراء الإعلان، ومنهم الدكتورة منى الحديدي التي تناولت التأثير الذي يمكن أن يحدثه الإعلان على الطفل فقالت: (بروز الأطفال في الإعلان يضع الطفل المستخدم في الإعلان في وضعية لا تتناسب وسنه وكذا يجعل الطفل المتلقي دائما في حالة مقارنة بينه وبين طفل الإعلان إذ يلحظ الطفل المتلقي الفجوة الكبيرة التي تفصله من ذاك الطفل الذي ينعم بكثير من الخدمات، فضلا عن تنشئة السلوك الاستهلاكي لديهم وزيادة تطلعاتهم بشكل يؤدي إلى رفضهم لواقع الأسرة مما يؤدي إلى أشكال مختلفة من الصراع داخل الأسرة وداخل الطفل ذاته، وإصابته بالإحباط أو اللجوء إلى ممارسة السلوكيات غير السوية للحصول على المال الذي يحقق له تلبية ما يشاهده ويسمع عنه من سلع ومنتجات بالإضافة إلى تأثيرها على معارفه ولغته وتحديد أولوياته وتشكيل ذوقه).

 

وبرغم ما ظلت تنادي به كثير من الأصوات بضرورة إعفاء الطفل من الظهور في الإعلان إلا أن استخدامه في تزايد مستمر، وخاصة بعد أن أثبت فاعليته كقوة مؤثرة وأداة ضغط على الأسرة للشراء. والملاحظ أن استخدام الأطفال وخاصة الرضع جاء بكثرة في الإعلانات الخاصة بمستلزمات هذه المرحلة العمرية إذ يعتمد المعلن على مشاهد ولقطات حبه للطفل الرضيع مستغلا ما تضفيه على الإعلان من جو خاص يشيع مشاعر الأمومة ويتوجه بالنص المسموع إلى الأم أو الأب أو الاثنين معا. وينسحب ذلك على الإعلانات ذات الصلة بالطفل كإعلانات التأمين والتطعيم فإذا كان استخدام وظهور الأطفال في الإعلانات الخاصة بمنتجاتهم أمر مقبول ومنطقي إلا أنه من غير المنطقي استخدام الأطفال في كل إعلانات السلع والخدمات كإعلانات الأجهزة الكهربائية ومستحضرات التجميل مثلا، فالإعلان في هذه السلع لا يكون مرتبطا بالطفل مما يثير مجموعة من التساؤلات.. هل يأتي استخدام الطفل هنا من باب توفير النفقات؟ أم يرجع الأمر إلى أسباب شخصية كرغبة المعلن أو المنتج في ظهور أبنائه من منطلق حب الظهور والتميز وسط محيطه ومجتمعه.

 

وخلصت ورشة قام بها مجموعة من خبراء الإعلان فيما يتعلق باستخدام الطفل كواجهة إعلانية إلى مجموعة من المقترحات التي تساعد على ترشيد استخدام الطفل في الإعلان مما يقلل من الآثار السالبة لهذا الاستخدام وجاء فيها:

 

- قصر ظهور الأطفال في الإعلانات الخاصة بالسلع أو الخدمات التي تخصهم على أن تكون هذه السلع والخدمات ذات فائدة حقيقية لهم، ولا يزج بهم في الإعلان دون مبرر.

 

- اشتراك الأطفال في الإعلانات تكسب الأطفال اتجاه وقيم وسلوكيات تربوية مفيدة تساعدهم على التكيف مع أنفسهم ومع المجتمع.

 

- عدم ظهور الأطفال في الإعلانات وهم يؤدون أفعالا لها تأثير ضار باستخدام المسدسات والمبيدات الحشرية.

 

- عدم ظهور الأطفال في الإعلان كعامل ضغط للشراء حتى لا يكونوا مدعاة للمحاكاة الصعبة للأطفال ذوي الدخل المحدود.

 

- عدم التركيز على أطفال بعينهم بمعنى عدم تشجيع الاحتراف الإعلاني على مستوى الصغار.

 

- الاهتمام بالطريقة التي يظهر بها الطفل في الإعلان من حيث سلامة الأسلوب والنطق الصحيح للحروف وسلوكيات الحوار مع الكبار.

 

- أن يكون ظهور الأطفال في حالات التعزيز الايجابي دائما بحيث لا يظهرون في إعلانات ضد معايير التربية السليمة والسلوكيات غير المطلوب نشرها.

 

- تقديم الأطفال ذوي الملامح الشرقية وهم بصحة جيدة وحيوية حتى لا تتكون عن الطفل الشرقي صورة ذهنية سيئة وحتى لا يكون الأطفال ذوي الملامح الغربية هم مثال الطفل النموذجي والقدوة مما يخلق شعورا بالدونية.

 

إن الأطفال عالم من البراءة والصفاء حرام أن نقتحم عوالمهم البريئة هذه فنجعلها وسطا لعقد الصفقات وإبرام العقود الإعلانية، فترى طفل الإعلان المغلوب على أمره وسط عدسات التصوير يتصنع الابتسامة التي يفرضها عليه مخرج الإعلان لدواعي فنية! فيا من تقومون على أمر الإعلان من مؤسسات وشركات إن كان لابد من استخدام الطفل كواجهة إعلانية فاحرصوا أن يكون ظهورهم في شكل يحترم طور الطفولة ومزاجها، فهذا ما تقتضيه المسؤولية الاجتماعية وخاصة أن الأطفال هم نواة المجتمع وعماد المستقبل الموعود.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply