بسم الله الرحمن الرحيم
شارك أكثر من 2200 صحافي أميركي وعشرات وربما مئات الصحافيين من مختلف أنحاء العالم في تغطية محاكمة مغني البوب مايكل جاكسون في كاليفورنيا، والتي أسفرت عن تبرئته يوم الاثنين من تهم التحرش الجنسي بأطفال كان استضافهم في مزرعته !!. في المقابل، لا يزيد عدد المراسلين الصحافيين الأميركيين الذين يغطون الأحداث التاريخية في الشرق الأوسط - من لبنان وسورية، إلى العراق وإيران، مرورا بفلسطين وإسرائيل - على بضع عشرات، غالبيتهم يعتمدون على متعاونين محليين (بالقطعة) من مواطني الدول المعنية.
تخوض أميركا، برئيسها وإداراتها، حربا عالمية رابعة (كما وصفها رئيس الاستخبارات الأميركية الأسبق جيمس وولزي)، انطلاقاً من الشرق الأوسط، وترسل 140 ألف جندي لتنفيذ مخططها في العراق، وأنفقت حتى الآن ما يزيد عن 250 بليون دولار (ربما أكثر من الناتج القومي الإجمالي السنوي للدول العربية مجتمعة) لتحقيق الهدف، من دون أن تحظى باهتمام مماثل لمحاكمة مايكل جاكسون.
ولعل محاكمة صدام حسين، الذي يفترض أن يكون أشهر من مايكل جاكسون، أقله من جهة الأذى الأعمق والأبعد أثراً، الذي ألحقه بمئات الآلاف، بل الملايين من العراقيين وجيرانهم، لن تحظى بما حظيت به محاكمة جاكسون من اهتمام وتغطية إعلامية.
إنه عالم غريب:
هل يعقل أن يكون اهتمام الأميركيين بمصير مايكل جاكسون أكبر من اهتمامهم بمصير أميركا وحربها العالمية الرابعة (بعد الحربين العالميتين والحرب الباردة) ومصير 140 ألف جندي أميركي في العراق، والبلايين التي تنفقها أميركا؟
ربما كان الأمر يتفهم لو أن الإعلام الأميركي لم يكن، في غالبيته، حراً ومستقلاً، وهو الإعلام الذي كشف، ولا يزال يكشف، فضائح الإدارة الأميركية، من أبو غريب إلى غوانتانامو . إلا أن الأمور ليست بهذه البساطة. فالحرب العالمية الرابعة، ضد الإرهاب الدولي والدول المساندة له، هي حرب تعتمد أكثر على «التنظير» أو «التأويل» السياسي والإعلامي أكثر مما تعتمد على المعلومات الموضوعية التي قد يجمعها المراسلون الصحافيون، أو حتى عملاء الاستخبارات. ففي مقابل بضع عشرات من الإعلاميين الأميركيين الذين يغطون الأحداث في الشرق الأوسط، هناك آلاف المنظرين والمعلقين السياسيين الأميركيين الذين يفسرون الأحداث والوقائع على طريقتهم، بمعزل عن الحقائق على الأرض. وبهذا المعنى، فإن الانتصار أو الهزيمة في الحرب الأميركية على الإرهاب الدولي والدول المساندة له، سيعتمد، في شكل كبير، على مدى نجاح أو فشل الحملة التي يشنها الإعلام الأميركي، بحسب انحيازاته واستقطاباته الجمهورية أو الديموقراطية.
أما الإعلام العربي، فحدّث ولا حرج. فإن كان الإعلام الأميركي مستقطباً في غالبيته بين الإدارة الأميركية الحاكمة، التي ترى نجاحاً في كل ما ترتكبه، والمعارضة الديمقراطية المناوئة لها، والتي ترى فشلاً في كل ما تفعله الإدارة، فإن الإعلام العربي يبدو، في غالبيته، متحدثاً بلسان واحد يتماهى مع رؤية المعارضة الأميركية، بل يقتبس آراء وتعليقات أميركيين معارضين للإدارة، متجاهلاً أن الذخيرة التي يستخدمها في شن هجومهم على أميركا، هي ذخيرة وفرها لهم الأميركيون المعارضون للإدارة، لأغراضهم السياسية، التي لا علاقة لها بالموضوعية، إلا فيما ندر.
طبعاً لا يمكن، في الوقت نفسه، الاعتماد على الإعلام العربي لنفهم حقيقة ما يجرى في الشرق الأوسط. ولا يمكن الاعتماد على الإعلام الأميركي إن كان الاعتماد سيكون انتقائياً.
يبقى أن فهماً موضوعياً أفضل للقوى والظروف التي تعمل على تشكيل وإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط سيبقى مستعصياً على غالبية المتلقين في أميركا والمنطقة العربية والعالم. الأكيد أننا لن نحصل، في أي حال، على تغطية إعلامية للشرق الأوسط ترقى الى مستوى ما حظيت به محاكمة مايكل جاكسون.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد