كيف يواجه الإعلام في العالم الإسلامي خطر العولمة ؟


بسم الله الرحمن الرحيم

 

للإعلام بكل أنواعه تأثير جد كبير وخطير على أنماط السلوك وطرائق التفكير - ولا سيما القنوات التلفازية الفضائية، والإنترنت -، وهذا التأثير قد يكون سلبياً فيسهم في ذوباننا في الآخر، وفي إعدادنا تمام الإعداد لقبول العولمة والتسليم بها كحقيقة مسلمة بها، وهذا ما تعمل به للأسف أغلب وسائل الإعلام في عالمنا العربي والإسلامي من صحف ومجلات، وقنوات فضائية خاصة، ومواقع للإنترنت عربية وأجنبية، وأفلام سينمائية.  

ومنها ما يكون إيجابياً في تصحيح كثير من المفاهيم، وأنماط السلوك، وطرائق التفكيرº للحفاظ على هويتنا الإسلامية، ولتكوين رأي عام سليم تجاه قضايا الأمة الإسلامية، والقنوات الفضائية ومواقع الإنترنت التي تسعى لتحقيق هذه الأهداف قليلة قد لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليدين، في حين نجد الأخرى قد يصل عددها إلى المئات بل الألوف، إضافة إلى القنوات الأجنبية التي تبلغ المئات، وممَّا يؤسف له حقاً ما تقوم به بعض الشبكات التلفازية العربية المتخصصة من شراء عرض بعض القنوات الأمريكية والأوربية التي تبث أفلام رعب أو أفلام إباحية تؤثر سلباً على سلوك وأخلاقيات أولادنا، وهذه الأفلام في الغالب يقوم على إنتاجها وتمويلها اليهود الصهاينة، فاليهود الصهاينة يمتلكون معظم شركات إنتاج الأفلام الأمريكيةº إذ تشير بعض الإحصاءات إلى أنَّ أكثر من 90% من العاملين في الحقل السينمائي الأمريكي إنتاجاً وإخراجاً وتمثيلاً وتصويراً ومونتاجاً من اليهود، وقالت صحيفة \" الأخبار المسيحية الحرة \" عام 1938م عن سيطرة الصهيونية على صناعة السينما الأمريكية:

\" إنَّ صناعة السينما في أمريكا يهودية بأكملها، يتحكم فيها اليهود دون أن ينازعهم فيها أحد، ويطردون منها كل من لا ينتمي إليهم أو لا يصانعهم، وجميع العاملين فيها إمَّا من اليهود أو من صنائعهم، ولقد أصبحت هوليود بسببهم سدود العصر الحديث، حيث تنحر الفضيلة، وتنشر الرذيلة، وتسترخص الأعراض، وتنهب الأموال دون رادع أو وازع، وهم يرغمون كل من يعمل لديهم على تعميم ونشر مخططهم الإجرامي تحت ستائر خادعة كاذبة، وبهذه الأساليب القذرة أفسدوا الأخلاق في البلاد، وقضوا على مشاعر الرجولة والإحساس، وعلى المُثل للأجيال الأمريكية... وختمت الصحيفة بقولها: \"أوقفوا هذه الصناعة المجرمة لأنَّها أضحت أعظم سلاح يملكه اليهود لنشر دعايتهم المضللة الفاسدة\".

وهذا كان قبل أكثر من ستين عاماَ، فما هي الحال الآن؟

كما يمتلك اليهود الصهاينة كبرى شبكات التلفاز العالمية، فشراء عرض القنوات الأجنبية والتنافس فيما بينها على ذلكº فيه ترويج للفكر الصهيوني، وتحقيق أهدافه، وفيه دعم مادي له.

ويسيطرون أيضاً على كثير من وكالات الأنباء العالمية، ومراكز المعلومات، ويمتلكون أدوات متقدمة في صناعة الإعلام وفنونهº إذ يمتلك الصهاينة أربع وكالات أنباء العالمية من خمسة، فهم يمتلكون وكالة رويترز البريطانية، والأسوشيتد برس واليونايتد برس الأمريكيتين، ووكالة هافاس الفرنسية، وهذا يعني أن الذي يتحكم في صياغة وصناعة الخبر هم اليهود الصهاينة، وإعلامنا في عالمينا العربي والإسلامي للأسف الشديد يتلقى هذه الأخبار من هذه الوكالات.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يتسنى للإعلام في العالم الإسلامي أن يتغلب على إعلام هذه قوته؟

نحن للأسف الشديد نفتقر إلى إعلام إسلامي بما تحمله هذه الكلمة من معنى، فنحن لا نستطيع أن نعتبر إعلامنا إعلاماً إسلامياً من خلال بعض القنوات الفضائية، أو من خلال بعض المجلات الإسلامية، وبعض مواقع الإنترنت الإسلامية، فهذه لا تشكل شيئاً يذكر أمام مئات الصحف والمجلات والقنوات والمواقع الإنترنتية التي تسير في فلك الصهيونية والغرب، وتسهم في تقديم كل ما من شأنه نشر الفساد والانحلال، والسير على نمط السلوك الغربي، وطرز الحياة الغربية، والتي تسلط الأضواء من خلال برامجها على من يتبنون الفكر الغربي بكل ما فيه من إباحية وإلحاد، وجعلت منهم رموزاً أدبية وفكرية لهذه الأمة، ومنحتهم الجوائز والأوسمة، في حين نجدها همَّشت حملة الفكر الإسلامي، وعتَّمت عليهم، وأغلقت أبوابها في وجوههم، قد يقول البعض إنَّ هناك أعلاماً إسلاميين تسلط عليهم الأضواء، وأقول هنا إنَّهم قلة قلية لا تشكل حقيقة عدد مفكري الأمة وعلمائها، وتسلط الأضواء على هؤلاء حتى لا يوجه إليها نقد بعدم تقديمها لعلماء ومفكرين إسلاميين، وللطلب الملح من القراء والمشاهدين والمستمعين لمعرفة موقف الدين من قضايا العصر وممّا يواجههم من مشاكل، فللأسف الشديد أنَّ أغلب القائمين على الإعلام في عالمنا العربي والإسلامي بجميع وسائله من ذوي الفكر العلماني، لذا فهم يروجون لمن يوافق أهواءاهم وتوجهاتهم الفكرية.

فنحن لا نستطيع التغلب على الحملات الصهيونية والغربية الموجهة الآن بضراوة ضد الإسلام والمسلمين، ومحاربة كل ما هو إسلامي في أي مكان في العالمº إلاَّ إذا جعلنا القيادات الإعلامية في عالمنا العربي والإسلامي من حملة الفكر الإسلامي، عندئذ نستطيع القول إنَّ لدينا إعلاماً إسلامياً.

وعندما يكون لدينا إعلام إسلامي علينا أن ننشئ وكالة أنباء عالمية إسلامية تصيغ الخبر صياغة صحيحة تتوافق مع طبيعة الحدث وملابساته وخلفياته، وأن نقدم برامج تتفق مع قيم ومبادئ ديننا، ولا تخالف أسس العقيدة الإسلامية وأخلاقيات هذا الدين، وتسهم في تكوين رأي عام عالمي سليم تجاه قضايانا، وتعمل على الحفاظ على الهوية الإسلامية، وأن تصدر صحفاً ومجلاتٍ, وكتباً بمختلف اللغات الأجنبية إلى جانب اللغة العربية، وأن تبث قنوات فضائية، ومواقع للإنترنت بمختلف اللغات تعرض قيم ومبادئ الإسلام وتاريخه وفكره وقضاياها.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه هو:

كيف يستطيع الإعلام في العالم الإسلامي، وقد دخل فضاء العولمة عبر الأقمار الصناعية ومحطات البث التلفزيوني خارج الحدود، أن ينهض بالأمة ويحافظ على هويتها واستقلاليتها؟

وأقول هنا جواباً عن هذا السؤال: إنَّ الإعلام في العالم الإسلامي لا يستطيع النهوض بهذا الدور ما لم يكن إعلاماً إسلامياًº إذ كيف يستطيع القيام بهذا الدور ومعظم القيادات الإعلامية فيه علمانية؟ ولن يكون الإعلام في عالمنا العربي والإسلامي إعلاماً إسلامياً إلاَّ إذا تولت قيادته قيادات إعلامية ذات توجه إسلامي، والتزمت بميثاق \"جاكرتا\" للإعلام الإسلامي الذي وقَّعت عليه ما يقرب من 450 شخصية إعلامية إسلامية قبل حوالي 23 عاماً، ومن أهم بنود هذا الميثاق:

- ترسيخ الإيمان بقيم الإسلام ومبادئه الخلقية.

- العمل على تكامل الشخصية الإسلامية.

- تقديم الحقيقة له خالصة في حدود الآداب الإسلامية.

- تبيين واجباته تجاه الآخرين وبحقوقه وحرياته الأساسية.

- العمل على جمع كلمة المسلمين، ودعوتهم إلى التحلي بالعقل والأخوة الإسلامية والتسامح في حل مشكلاتهم، مع الالتزام بمجاهدة الاستعمار والإلحاد في كل أشكاله والعدوان في شتى صوره والحركات الفاشية والعنصرية، وبمجاهدة الصهيونية واستعمارها الاستيطاني المدعم بأشكال القمع والقهر التي يمارسها العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية.

- التدقيق فيما يذاع وينشر ويعرضº حماية للأمة الإسلامية ولقيمها ومقدساتها، ودرءاً للأخطار عنها.

- أداء رسالتهم في أسلوب عف كريم حرصاً على شرف المهنة، وعلى الآداب الإسلامية، فلا يستخدمون ألفاظاً نابية، ولا ينشرون صوراً خليعة، ولا يتعاملون بالسخرية والطعن الشخصي والقذف والسب والشتم وإثارة الفتن، ونشر الشائعات وسائر المهاترات.

- الامتناع عن نشر كل ما يمس الآداب العامة، أو يوحي بالانحلال الخلقي، أو يرغب في الجريمة والعنف والانتحار، أو يبعث الرعب، أو يثير الغرائز سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، واليقظة الكاملة لمواجهة الأفكار والتيارات المعادية للإسلام.

- الامتناع عن إذاعة ونشر الإعلان التجاري في حال تعارضه مع الأخلاق العامة والقيم الإسلامية.

- الالتزام بنشر الدعوة الإسلامية والتعريف بالقضايا الإسلامية، والدفاع عنها، وتعريف الشعوب الإسلامية بعضها ببعض، والاهتمام بالتراث الإسلامي، والتاريخ والحضارة الإسلامية، ومزيد العناية باللغة العربية، والحرص على سلامتها ونشرها بين أبناء الأمة الإسلامية، وبالخصوص بين الأقليات الإسلامية.

- وبإحلال الشريعة الإسلامية محل القوانين الوضعية لاسترجاع السيادة التشريعية للقرآن الكريم والسنة النبوية.

أعتقد أنّ هذا من أهم الوسائل التي تمكِّن إعلامنا من النهوض بالأمة الإسلامية، والمحافظة على هويتها واستقلالها، ولكن أين الإعلام العربي والإسلامي منها؟ 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply