عوامل الانحراف عند الشباب


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لا يخفى على أحد أن شريحة الشباب تمثل العمود الفقري لأي تقدم وتطور في حياة الشعوب والأمم، وذلك لأن مرحلة الشباب تعد أزهى وأقوى مراحل العمر في حياة الإنسان، كما أنها فترة التألق والظهور في مسرح الحياة، وهي كذلك فترة العمل والعطاء، فترة الحيوية والنشاط، فترة القوة والصحة، فترة الإنتاج والإبداع، فترة السعي والكدح والحركة.  

وبصلاح الشباب يكون صلاح الأمة والمجتمع معـاً، وإذا فسد الشباب وانحرف كان لذلك أثره الخطير على تقدم الأمة وازدهارها، وفي ظل الواقع الذي نعيشه اليوم هناك معوقات تنال من سيرة الشباب وتقدمهم، وهذه المعوقات ما هي إلا عوامل الانحراف عند الشباب، وسوف نتحدث عن هذه العوامل التي تسببت ومازالت تسبب الانحراف عند الشباب، ولن نذكر العوامل كلها ولكننا سنكتفي بأعظمها خطراً، وأكثرها تفشياً وانتشاراً.

 

1 - الفراغ وأثره في انحراف الشباب:

إن العمر الذي يملكه الإنسان نعمة كبرى يحمد الله عليها، والحياة أمامه فرصة للنجاح، ولذلك امتن الله بالشروق والغروب على عباده فقال - تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيلَ لِتَسكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضلٍ, عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لا يَشكُرُونَ)(غافر:61).

وأقسم - سبحانه - بالزمن في آيات كثيرة من القرآن، فعُلم من ذلك أن حياة الإنسان أنفاس تتردد وتتعدد، وأمال تضيع إن لم تتجدد، ودقات قلب المرء في صدره تشعره في كل لحظة بأن الحياة دقائق وثوان تمر به متوالية متتابعة، ولذلك قيل: المؤمن وليد وقتهº لأنه يسير في حياته على خطى ونظام، ويستغل من خلالها كل مقدار من وقته دون تسويف أو إبطاء، ودون تخبط أو اضطراب، يلوح له في الأفق طيف حكيم يقول له: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، بل الوقت هو الحياة.

والمسلم الحق يغالي بالوقت مغالاة شديدةº لأن الوقت عمره، فإذا سمح بضياعه وترك العوادي تنهبه فهو ينتحر بهذا المسلك الطائش، يقول الرسول - صلى الله عليه و سلم -: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)(أخرجه البخاري)º لأن الناس إذا توافرت لهم الصحة وامتد أمامهم حبل الفراغ ولم يحسنوا استخدام ذلك في العمل المبرور والسعي المشكورº فقد باؤوا بالفشل الذريع، والخسران المبين، ويقول الرسول - صلى الله عليه و سلم - أيضاً: (اغتنم خمسـاً قبل خمس… فراغك قبل شغلك، …)(رواه الحاكم).

ويقول الشاعر:

إن الشباب والفراغ والجدة        مفسدة للمرء أي مفسدة

إن الشباب حياة، والحياة شباب، والشباب للذكور والإناث واحة فريدة في صحراء الحياة، وهو الربيع في سنة العمر، ليس المقصود الشباب الغض الناعم الذي ترق له الحياة فتسحره بالنظرات المغرية، إنما المقصود هو الشباب الحي العامل الذي وضع له غاية في العيش أبعد من مجرد العيش، فهو في جهاد مع وقته ونفسه، والهوى والشيطان، فإذا مات قلبه، وأضاع وقته وجهدهº فهو شيخ ولو كان في العشرين من عمره.

والشباب مرحلة من أخطر المراحل في حياة الإنسانº لأنها مرحلة قوة بين ضعفين: ضعف الطفولة، وضعف الشيخوخة، وعليه فإن بقاء الشباب والفتيان والفتيات من الإجازات العامة دون استغلال ولا أشغال ينشئ مشاكل متوالية على الأسرة والمجتمع.

إن إحساس الفتى أو الفتاة بالفراغ مع كمال الصحة أمر طبيعي معقول، ولكن الذي لا يكون أبداً طبيعيـاً ولا معقولاً أن يحس الشاب أو الشابة بهذا كله ثم يضطرون إلى أن يملؤوا فراغهم باللهو والزلات والغفلات.

الفراغ إن لم يغتنمه الشاب تحول إلى نقمة ويصبح شبحـاً مخيفـاً يحول الشاب إلى ألعوبة بيد شياطين الجن والإنس، وإن من أكبر أسباب الجرائم في البلاد المتقدمة والغنية هو الفراغ، والفراغ مدعاة للأفكار الحالمة، والهواجس الشيطانية، وهذا ما يقرره علماء النفس والتربية: أن الشباب إذا اختلى بنفسه أوقات فراغه وردت عليه الأفكار الحالمة، والهواجس السارحة، والأهواء الآثمة، والتخيلات الجنسية المثيرة، فلا يجد نفسه الأمارة إلا وقد تحركت وهاجت أمام هذه الموجة من التخيلات والأهواء والهواجس، وربما وقع فيما هو محظور.

يقول عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله - صلى الله عليه و سلم -: \" إني لأمقت الرجل أن أراه فارغـاً ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة \".

والفراغ يولد إحباطات نفسية عند الشاب، يجد نفسه قويـاً قادراً على فعل أشياء كثيرة ولكنه لا يجد ما يفعله، لا يجد ما يفرغ طاقته فيه من عمل فلذلك يلجأ إلى العبث.

إن مستقبل المسلمين وسير حياتهم يجب أن يُصنع على أرضهم وفي بلادهم، بكدحهم وأخلاقهم، بشغل أوقاتهم في كل ما من شأنه خدمة الإسلام والمسلمين.

 

2 - الصحبة السيئة:

يقول رسول الله - صلى الله عليه و سلم -: (مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحـاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحـاً خبيثة) فمن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتضح لنا أن الناس صنفان: صنف صالح وصنف فاسد، والإنسان في هذه الحياة لا يستغني عن غيره، فهو يحتاج إلى غيره من أبناء المجتمع كي يعينه ويواسيه في أحزانه، ويشاركه في أفراحه، ولذا يجب أن نتأنى وندقق في اختيار الرفيق لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).

وقرين السوء يعد سببـاً من أسباب الانحراف، فهو شخص ابتعد عن المنهج الإسلامي في الحياة الذي جاء في كتاب الله وسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - فلا يستقر لهذا الفرد بال إلا ويتعدى حدود الله، ويرتكب المعاصي، فهو بارتكابه المعاصي قد ظلم نفسه وساقها إلى الطريق المظلم طريق الهاوية والنار، طريق الذلة والعار، وبالتالي فهو ينفث سمومه في كل مكان، فيكون سببـاً في انحراف الشباب الذين يغرهم بمظهره، ويسبيهم بكلماته، فإذا وقعوا في شركه أغرقهم بالمعاصي والمنكرات، فيقضي على أخلاقهم وصفاتهم الطيبة، ويدمر عقيدتهم السليمة، فكم من صديق جر الويلات على صديقه.

فإذا صلحت الرفقة صلح الإنسان، وإذا حدث العكس فسد الإنسان، فالرفيق والصاحب يؤثر على عقيدة الإنسان وقناعاته الفكرية، وهذا من أعمق المؤثرات التي يهملها كثير من المربين كالأباء والأمهات.

وأبرز أنواع الانحراف التي يتسبب فيها رفقاء السوء هو إدمان المخدرات، بالإضافة إلى العادات السيئة الأخرى، واعتراف الكثير من المدمنين يكون رفيق السوء هو الذي قاده إلى الانحراف في كثير من الأحيان، ويكون تأثير شيطان الإنس أشد وأنكى من تأثير شيطان الجن، وما أكثر من يزينون المعصية ويصورونها على أنها نوع من الرجولة والبطولة حتى يقع الشاب في منزلق الرذائل، ولا يجد من يأخذ بيده، وربما قاده ذلك إلى الهلاك.

 

3 - التفكك الأسري:

الأسرة هي التربة التي ينبت فيها الشاب ويترعرع في كنفها، ولتأثيرها وضوح في صقل شخصية الشاب، واكتمال شخصيته، وتمثل الأسرة المجتمع الصغير بالنسبة للأبناء، ومن خلالها ينطلقون إلى المجتمع الكبير حاملين معهم ما اكتسبوه من المجتمع الأول، والأسرة تلعب الدور الرئيسي في تنشئة الأبناء ورعايتهم وحمايتهم من مخاطر الانحراف، كما تعمل الأسرة أيضـاً على تدريبهم، وتنمية العلاقات الاجتماعية لديهم، ونقل القيم الروحية والدينية والأخلاقية إليهم.

فعندما تعاني الأسرة من التصدع وما يترتب عليه من صراعات وانفصال داخل الأسرة فإن انحراف الأبناء هو أول نتائج هذا التفكك، فالطفل في مرحلة الطفولة يكون خاضعـاً لتأثير الأسرة، وهو إلى ذلك سهل التأثر، وشديد الحساسية، وشديد القابلية للاستهواء، عنيف الانفعال، قليل الخبرة، ضعيف الإرادة، والوالدان يعتبران القدوة الفعالة في نفس الابن، فكما يعودانه يعتاد، وكما يعلمانه يتعلم، إن كانا صالحين نشأ صالحـاً، وإن كانا فاسدين نشأ فاسداً.

والتفكك الأسري من الأسباب التي تدفع إلى انحراف الشاب، فإذا وجد الشاب والفتاة أن الأبوين دائمي الخلافات، فالأم في ناحية والأب في ناحية أخرى، أو أن الأب لا يأبه للبيت ولتربية أولاده، فكل هذه الأمور تتسبب في القلق النفسي عند الطفل، ويشب على هذا القلق، ثم يتجه إلى الانحراف من شرب للخمور، أو المخدرات لينسى مجتمعه الصغير \" الأسرة \"، ويحيا مجتمعـاً آخر لعله يجد ما لم يجده في أسرته، وهذا يخلق شبابـاً منحرفـاً وبالتالي مجتمعـاً منحرفـاً.

 

4 - وسائل الإعلام وتأثيرها على الشباب:

يذكر الاستشاري النفسي \" مروان المطوع \" أن الإعلام قد يكون أداة للتنشئة الإيجابية للطفل، وحماية له من أية انحرافات سلوكية أو قيمية، إلا إنه قد يكون ذا تأثير سلبي خطير على الأطفال والشباب، والإعلام عندما يتضمن أسسـاً علمية ومنهجية ذات مضمون ديني ونفسي وتربوي واجتماعيº فإنه يساهم في تنمية معلومات الطفل وخبراته الحياتية في عدة مجالات، ولكن هذا لا يحدث، فالتليفزيون الذي يعد أقوى وسائل الإعلام تأثيراً يشجع على السلبية لدى الطفلº حيث يقدم له الأفكار الجاهزة فيشعر الطفل بالكسل لأنه لا يفكر، ويؤدي التليفزيون إلى فقدان الدافع إلى العمل والحركة، ويعمل على تنمية السلوك الفردي، ويشجع على الانسحاب من عالم الواقع، والإدمان على مشاهدته.

والإعلام كما ذكرنا بشكل عام سلاح ذو حدين، ومن الممكن أن يكون نافعـاً للشباب، ولكن عندما نتأمل المادة التي يعرضها التليفزيون ـ مثلاً ـ كأفلام الكرتون، والأفلام البوليسية، والرعب، والإثارة، والعنف، والمخدرات، والدعارة، فهل يمكن لمثل هذه البرامج والأفلام أن تنشئ شبابـاً يتمتع بقدرات عقلية وخبرات اجتماعية تعينه على التفاعل الصحيح مع المجتمع، والقيام بالدور المناسب في بناء الأمة؟ بالطبع الإدمان على مشاهدة تلك المواد المسمومة تخلق شبابـاً منحرفـاً مغيبـاً عن مجتمعه وأمته، وبدلاً من أن يكون الشاب أداة بناء يصبح معول هدم.

وبالطبع فإن الإعلام لا يقتصر على التلفاز لكن باعتباره الوسيلة المرئية يكون له أثر أكبر، هناك أيضـاً بعض المجلات والكتب التي تعمل على نشر أفكار هدامة لا تمت إلى ديننا أو قيمنا بصلة، وكل ذلك يؤثر في شخصية الشابº لأن توجه الشاب وميوله تتأثر بالمصادر التي يتلقها منها ثقافته ومعارفه.

والإعلام المسموع أيضـاً والممثل في المحطات الإذاعية وأشرطة الكاسيت له دور هام في التأثير على الأطفال والشباب، وعند الحديث عن الإعلام المسموع حدث ولا حرج، خاصة عند الحديث عن أشرطة الكاسيت والأغنيات التي تبثها المحطات الإذاعية.

وكل هذه الأمور مجتمعة أو منفصلة تؤدي وبلا شك إلى انحراف الشباب وخروجهم عن المسار الذي ينشده المجتمع والمربون، وهناك الكثير من العوامل الأخرى، ولكننا آثرنا ذكر أبرزها لما تحتاجه هذه القضية من شرح وتفصيل.  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply