بسم الله الرحمن الرحيم
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم ومسلمة، وفاعلوه هم العاملون، وبالدين قائمون ولبيضة الإسلام حامون، ولهم من الله الأجر العظيم والثواب الجزيل.
قال - تعالى -: \"ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون\" (104)(آل عمران)، وقال - تعالى -: \"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك س- يرحمهم الله - إن الله عزيز حكيم\" 71 (التوبة)، بل إن من أعظم أسباب اللعن والطرد عدم الأمر بالمعروف. قال - تعالى -: \"لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على\" لسان داوود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون 78 كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون 7\"9(المائدة).
وعَن عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ قَالَ: بَايَعنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّمعِ وَالطَّاعَةِ فِي المَنشَطِ وَالمَكرَهِ، وَأَلَا نُنَازِعَ الأَمرَ أَهلَهُ، وَأَن نَقُومَ أَو نَقُولَ بِالحَقِّ حَيثُمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَومَةَ لَائِمٍ,(1).
وعَن أَبِي سَعِيدٍ, الخُدرِيِّ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: \"إِنَّ اللَّهَ لَيَسأَلُ العَبدَ يَومَ القِيَامَةِ حَتَّى يَقُولَ مَا مَنَعَكَ إِذ رَأَيتَ المُنكَرَ أَن تُنكِرَهُ، فَإِذَا لَقَّنَ اللَّهُ عَبدًا حُجَّتَهُ قَالَ: يَا رَبِّ رَجَوتُكَ وَفَرِقتُ مِن النَّاسِ\"(2).
من يأمر ومن ينهى؟!
الأمر بالمعروف له فقه لابد أن ينزل منازله، فليس أمر العامة كأمر الحكّام والأمراء، وليس أمر العالِم كالجاهل.
فهذا فرعون على عتوّه وطغيانه، أرسل الله إليه موسى وهارون وأمرهما - سبحانه وتعالى - بلين القول، وخفض الجناح حتى يستمع لحجتهما، بخلاف ما لو أمراه ونهياه وزجراهº وفي هذه الحالة يُسد باب السماع والبيان.
قال - تعالى -: \"اذهبا إلى فرعون إنه طغى\" فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى\" فالله - عز وجل - يعلم أن فرعون لن يؤمن، ورغم ذلك أمر موسى باللين معه ليكون أبلغ في قبول الحجة.
ولذلك قال - سبحانه - مخاطباً إياهما: \"فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى\"، فتدرجا في البيان والطلب حتى استمع فرعون إلى الحجة كاملة(3).
وعن الوليد بن مسلم قال سفيان الثوري: \"لا يأمر السٌّلطانَ بالمعروف إلا رجلٌ عالم بما يأمر، عالم بما ينهى، رفيق فيما يأمر، رفيق فيما ينهى، عدل فيما يأمر عدل فيما ينهى\".
وكذلك الجاهل يعامل بخلاف من عنده علم، كما في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد. عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ, قَالَ: بَينَمَا نَحنُ فِي المَسجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذ جَاءَ أَعرَابِيُّ فَقَامَ يَبُولُ فِي المَسجِدِ، فَقَالَ أَصحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَه مَه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: \"لَا تُزرِمُوهُ، دَعُوهُ\" فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ. ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: \"إِنَّ هَذِهِ المَسَاجِدَ لَا تَصلُحُ لِشَيءٍ, مِن هَذَا البَولِ وَلَا القَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكرِ اللَّهِ - عز وجل - وَالصَّلاةِ وَقِرَاءَةِ القُرآنِ\"، فَأَمَرَ رَجُلا مِن القَومِ فَجَاءَ بِدَلوٍ, مِن مَاءٍ, فَشَنَّهُ عَلَيهِ(4).
وإذا كان كذلك فمعلوم أنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإتمامه بالجهادº هو مِن أعظم المعروف الذي أمرنا به، ولهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف، ونهيك عن المنكر غير منكر. وإذا كان ذلك مِن أعظم الواجبات والمستحبات، فالواجبات والمستحبات لابد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدةº إذ بهذا بُعثت الرسل ونَزلت الكتب والله لا يحب الفساد 205(البقرة).
وهذا معنى قوله - تعالى -: \"يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم\"(المائدة: 104). والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب، فإذا قام المسلم بما يجب عليه مِن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره مِن الواجباتº لم يضرَّه ضلال الضُلاَّل، ويكون ذلك تارة بالقلب، وتارة باللسان، وتارة باليد، فأما القلب فيجب بكل حالٍ, إذ لا ضرر في فعله، ومَن لم يفعله فليس هو بمؤمن، كما قال النَّبيٌّ - صلى الله عليه وسلم -: \"وَذَلِكَ أَضعَفُ الإِيمَانِ\"، وقال: \"وَلَيسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِن الإِيمَانِ حَبَّةُ خَردَلٍ,\".
وقد أمر النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالصبر على جور الأئمة، ونهى عن قتالهم ما أقاموا الصلاة وقال: \"أَدٌّوا إِلَيهِم حَقَّهُم وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُم\"(5). ولهذا كان مِن أصول أهل السنة والجماعة لزوم الجماعة، وترك قتال الأئمة وترك القتال في الفتنة، وأما أهل الأهواء كالمعتزلة، فيرون القتال للأئمة مِن أصول دينهم.
وجماع ذلك داخل في القاعدة العامة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد، والحسنات والسيئات، أو تزاحمت فإنه يجب ترجيح الراجح منها.
والأمر والنهي، وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحةٍ, ودفع مفسدةٍ,، فينظر في المعارض لهº فإن كان الذي يفوت مِن المصالح أو يحصل مِن المفاسد أكثرº لم يكن مأموراً به بل يكون محرَّماً، إذا كانت مفسدته أكثر مِن مصلحتهº لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد برأيه لمعرفة الأشباه والنظائر، وقلَّ أن تعوز النصوص مَن يكون خبيراً بها وبدلالتها على الأحكام.
فإذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروفٍ, ومنكرٍ, بحيث لا يفرقون بينهما، بل إما أن يفعلوهما جميعاً أو يتركوهما جميعاً، لم يجز أن يَأمروا بمعروفٍ, ولا أن يَنهوا عن منكرٍ,، بل يِنظر فإن كان المعروف أكثر أَمر به، وإن استلزم ما هو دونه مِن المنكر، ولم يَنه عن منكرٍ, يستلزم تفويتَ معروفٍ, أعظمَ منه، بل يكون النهي حينئذ مِن باب الصدِّ عن سبيل الله، والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله، وزوال فعل الحسنات، وإن كان المنكر أغلبº نهى عنه وإن استلزم فوات ما هو دونه مِن المعروف.
ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمراً بمنكرٍ, وسعياً في معصية الله ورسوله، وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمانº لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما.
فتارةً يصلح الأمر، وتارةً يصلح النهي، وتارةً لا يصلح لا أمرٌ ولا نهي، وذلك في الأمور المعينة الواقعة.
وإذا اشتبه الأمر استبان المؤمنº حتى يتبين له الحق، فلا يقدم على الطاعة إلا بعلمٍ, ونيةٍ,، وإذا تركها كان عاصياً فترك الأمر الواجب معصية، وفعل ما نهى عنه من الأمر معصية.
ومِن هذا الباب ترك النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن أبي وأمثاله مِن أئمة النفاق والفجور، لما لهم مِن أعوانٍ,، فإزالةُ منكره بنوعٍ, مِن عقابه مستلزمةٌ إزالة معروفٍ, أكثر مِن ذلك، بغضب قومه، وحميتهم، وبنفور الناس إذا سمعوا أن محمداً يقتل أصحابه.
وأصل هذا أن تكون محبة الإنسان للمعروف، وبغضه للمنكر وإرادته لهذا وكراهته لهذا موافقة لحب الله وبغضه وإرادته وكراهته الشرعيين، وأن يكون فعله للمحبوب ودفعه للمكروه بحسب قوته وقدرته، فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعهاº وقد قال: \"فاتقوا الله ما استطعتم\"(التغابن: 16).
ومتى كانت إرادة القلب وكراهته كاملة تامة، وفعل العبد معها بحسب قدرته فإنه يعطى ثواب الفاعل الكامل(6).
---------
الهوامش
(1) رواه البخاري (7199) ومسلم (1709).
(2) إسناده صحيح: ابن ماجه (4017) ابن حبان (16-7368).
(3) أبو نعيم في الحلية 6-379.
(4) مسلم (285).
(5) رواه البخاري (7052) ومسلم (1847) من حديث ابن مسعود.
(6) مجموع الفتاوى 28-126-131.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد