بستاننا يا هند بات متاهة


  

بسم الله الرحمن الرحيم

يَـومـي لـه ليلانِ...أين نَهاري؟ *** أتـكـون شـمـسـي دونما أنوارِ؟

أَبـحَـرتُ في جَسَدِ الفصولِ مهاجراً *** طـاوي الـحـقولِ وليس من أنصارِ

زادي يـراعي والمدادُ... وصهوتي *** خـوفـي... وظبيةُ هودجي أفكاري

أَبـدَلـتُ بـالـظلِّ الهجيرَ.. لأنني *** قـد كـنـتُ في داري غريبَ الدارِ

مـرَّ الـربـيـعُ أمـامَ نخلي شامتاً *** لـمّـا رأى جـيـدي بـدونِ نضارِ

تَـعـبَـت من الصمتِ المذِلِّ ربابتي *** وَتَـيَـبَّـست كأضالعي أوتاري

ومـشـى بـتـابوتِ المَسَرَّةِ والمنى *** لـيـلُ الـظـنـونِ مُشَيِّعاً أقماري

لا الـخِـلٌّ أَنـزَلَـنـي حدائقَ دارِهِ *** يـومـاً... ولا زار الـخليلُ دياري

أنـا مَـن أكونُ أنا؟ أَضَعتُ ملامحي *** وأضـاعـنـي بـدءَ المسيرِ مساري

أَنـقـذتِـني مني... فكيف خَذَلتِني *** وَغَضَضتِ طرفَ السمع عن قيثاري؟

فـيـم اعتذارُكِ بعد هَدرِ مشاعري؟ *** مـا نـفـعُ أشرعتي بدونِ صواري؟

جَفَّت بحيراتُ الصداحِ... وأَصحَرَت *** أفـيـاءُ مـائـدتـي مـن الُـسمّارِ

إن شِئتِ صفحاً فاحرقي كتبَ الهوى *** وخـذي لـمـقـبرةِ المنى أسراري

الـنـارُ جـائـعـةٌ فـهل أَطعَمتِها *** شَـجَـنـي الـذي أودَعتُهُ أشعاري؟

فـيـمَ اعـتذارُكِ من رمادِ حرائقي؟ *** لـم يُـبـقِ فأسُ الشكِّ من أشجاري

لـو أنـه يُـحـيـي القتيلَ عَذَرتهُ *** قـوسٌ أصـابَ بِـسَـهمِهِ أطياري

أَدمَـيـتِ أغصاني... فلا تتأخري *** عـن ذبـحِ مـا أَبقَيتِ من أزهاري

لـستُ الأسيفَ وإن فُجِعتُ بمطمحي *** أنـا مـؤمـنٌ بـمـنـاجلِ الأقدارِ

بـالدهرِ يَبخَلُ بالحبابِ على ثرىً[1] *** ضـامٍ, يـمـصٌّ سـرابَ وهجِ النارِ

ولـقـد يـجـودُ عـلى برودٍ, نَبعُهُ *** بـالـنـهـرِ والـيـنبوعِ والأمطارِ

أنـا ضـائعٌ مثلَ العراقِ فَفَتِّشي *** عـنـي بـروضِكِ لا بليلِ صحاري

أنـسـاكِ؟ لا واللهِ... تلك مصيبتي *** إنَّ الـوفـاءَ وإن خُذِلتُ مداري

أَدَّيـتُ فـي الحبِ اليمينَ وليس من *** خُـلُقي الجنوحُ عن الهدى لِشَنارِ[2]

فـاذا نـكـثـت الـعهدَ عَيَّرَني غداَ *** يـومَ الـحـسابِ لدى العظيمِ يساري

وإن اسـتَـجَرتُ من الظلامةِ عابني *** شَـرَفـي وصخرُ رجولتي ووقاري

أنـا لـسـتُ أَوَّلَ حـالـمٍ, نكثت به *** أحـلامُـهُ فـأفـاقَ بـعـد عـثارِ

ما كنتُ بالصَبِّ الجزوعِ.. ولم تكن *** بـيـن الـحـصونِ وطيئةً أسواري

لـكـنـه حُكمُ الهوى... أرضى بهِ *** قَـسـراً عـلـيَّ... فلستُ بالمختارِ

حـظـي كـدجـلةَ والفراتِ نَداهُما *** دمـعٌ... ولـحـنُهما صراخُ: حَذارِ

وكـحـظِّ بـسـتان \" السَماوةِ \" نَخلُهُ *** كَـرَبٌ وسـعـفٌ دونـما أثمارِ[3]

وكـخـبـزِهـا: بدمٍ, يدافُ طحينُهُ *** فَـرطَ الأسـى.... وكأهلِها الأبرارِ

وأنـا كمئذنةِ \" الجديدةِ \" ما انحَنَت[4] *** يـومـاً... ولا تَـعِبت من الأذكارِ

وتـعـدَّدَت يـا هندُ في وطنِ الهوى *** سُـبـل الـردى بـتـعـددِ التجارِ

وَطَـنٌ عـلـى سَـعَةِ السماءِ رغيفُهُ *** لـكـنـه حـكـرٌ عـلـى الأشرارِ

بُـسـتـانـنـا يـا هندُ باتَ متاهةً *** تـخـتـال فـيـه كواسرٌ وضواري

سـوقٌ.. على مَن باع لا مَن يشتري *** دفـعُ الـنـقودِ إلى الدخيلِ الشاري

وَدَّعـتـهُ وأَتَـيـتُ حـقـلَكِ لائذاَ *** طـمـعـاً بِـظِـلٍّ, لا بِتِبرِ ذِمارِ[5]

أَوصَـدتِ دونـي واحـةً أسرى لها *** قـلـبٌ مـطـامـحُـهُ شميمُ عَرارِ

أبـكـاكِ نـزفي يا هنيدةُ؟ فاعلمي *** هـذي الـجـراحُ بـدايـةُ المشوارِ

الـحزنُ أوفى الاصدقاءِ... فلم يَغِب *** عـنـي فـكـان مُلاصقي كإزاري

أُولاءِ أهلي: \" عروةٌ \" و \" مُعَمَّرٌ \"[6] *** و \" الـحـميريٌّ \" و \" شارد الأفكارِ \"

قـومٌ ولا كـعـفـافِـهِم.... لكنهم *** خُـلِـقـوا لـعـيشِ فجيعةِِ وخَسارِ

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

1) الحباب: الفقاقيع التي تعلو الماء في الكأس

2) الشنار: الفعل المشين، العار

3)اشارة إلى الأغنية الشعبية العراقية

4)نخل السماوة يكول طرتني سمره... سعف وكرب ظليت مابيه تمره

الجديدة: حي من أحياء مدينة السماوة حيث كان مسكن الشاعر

5)الذمار: كل ما يدافع عنه من مال او ملك، او الوطن

6) عروة: هو عروة بن الورد عاشق عفراء. و\" معمر \" هو جميل بن معمر عاشق بثينة. و \" الحميري \" هو توبه بن حمير الحميري عاشق ليلى الاخيلية، و\" شارد الأفكار\" هو قيس بن الملوح مجنون ليلى العامرية.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply