كيف يحوز الداعية فقه الدعوة ؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نستكمل اليوم الوسيلة الخامسة من وسائل تكوين الداعية وهي: محاورة العلماء.

أذكر أني اعترضت مرة على جماعة التبليغ الهندية التي لها طريقة الوعظ السيار وليس الوعظ المستكين، وجماعة التبليغ هذه معروفة بهذه الطريقة، قلت لهم: هذا وعظ لا يفيد، قالوا: نعم.. ولكن إذا ما رأيت نتيجة الوعظ فهي نتيجة حقيرة ضامرة، ولكن إذا ما رأيت النتيجة في نفوس الواعظين الذين نخرجهم لرأيتها كبيرةº إذ إنه يضطر للتعلم ومخالطة الناس ويتعلم الجرأة في مخاطبتهم، وتكون مفيدة له أيما فائدة، ولولاه لضمرت عناصرنا ومعارفنا، وما وعت شيئاً من علم الشريعة.

رأيت هذا الجواب منطقياً واضحاً، فإذا كان مع عامة الناس.. مع قروي ويخاطبونه بمثل هذه المخاطبة البسيطة في شرح \"لا إله إلا الله\" بمعانٍ, واضحة يتعلمون منها هذا العلم، فكيف إذا كانت محاورتك لقادة الدعوة ولأهل الفكر ولدعاة قدماء من أولي التجربة؟!

هنا ستضطر أن تكون بالموطن الذي يليق، لا تكون في ذلك مرائياً، حاشاك من الرياء، فهناك حد يمكن للداعية أن يضبط نفسه ويبعد بها عن أرض الرياء، ولكن إذا أراد أن يكافئ هؤلاء ويقول لهم قولاً واضحاً، فإن لم يكن صاحب علم وذوق ومعرفة في داخل نفسه، فلن يكون الجواب آنذاك بالدرجة نفسها من الحسن في العمل.

مثلاً إذا سألت عن بلده حيث تلتقي بداعية من الكويت، وتقول له: كيف العمل في الكويت؟ وكيف تقاومون الحياة المترفة؟ وكيف تقاومون التيارات المناؤية هناك؟ وكيف كذا... إلى آخره، يجب أن تتوقع أن يسألك عن الجزائر وكيف العمل هناك وهنا.. كيف تجيبه إذا لم تكن صاحب معرفة بالجزائر؟

فبأي لسان ستنطق إن لم يكن عندك من العلم الشرعي ما يُسنِد النظريات التحليلية الواقعية التي ستدلي بها؟!

فترى أنك إن طرقت هذه المحاورات عليك أن تبدأ بتربية نفسك، فهذا عاملٌ مهم من العوامل التي تحثٌّ الداعية على زيادة علمه وزيادة تفكيره وتماسّّه بالآخرين ليكون نقَّالاً للعلم إلى الذين سيحاورهم، ولذلك سميناها محاورة وهي ليست مجرد مقال لصحفي يأخذه من دبلوماسي أو رجل أعمال كبير.. ما هي آخر الأنباء التي عنده.. وهذا يدلي بحديثه.. وذاك يسجل على المسجل عنده، ولكنها محاورة وتبادلٌ للآراء ينقِّح عقول الرجال.

 

سادساً: مطالعة الكتب

وهذه مسألة من المسائل الملموسة، ولو أن لي وقتاً لرويت لكم الموازين التي تضبط هذه المطالعة والكتب المقترحة لقراءتها، ولكنها محاضرة طويلة أظن أن هناك ما هو أهم منها الآن في هذه الأيامº فالمطالعة الكثيرة من أهم أسباب صياغة فقه الدعوة، ولكن من دلائلها وشروط نجاحها أن تكون مطالعة اجتهادية مستنبطة وتعود للاجتهاد والاستنباط، وليست مطالعة تقليدية تقلد الحرف بالحرف، وتأخذ ما هناك من حدود الكتب على أنها مسلمات بديهية لا حياد عنها ولا يمكن أن تناقش. كلا، بل هي مَعين للعلم، فترتقي بما تقرأ وتكون هذه هي المطالعة المستوعبة.

إنَّ من المهم لمثل هؤلاء الدعاة أن يعرفوا أن المعاني المهمة ليست هي الجديدة فقط التي يحرص المحاضرون على اختيارها، بل تكمن أيضاً في اكتشاف أسباب ظواهر معروفة وتحليل أمر مجمل إلى جزيئاته وبيان الفروق بين أمرين معلومين، وبيان وجه التشابه، واكتشاف علاقة بين ظاهرتين معروفتين قد كان يظنٌّ أن لا علاقة بينهما، فعلاج هذه السلبيات إنما يكون بتكثيف المطالعة الشخصية المنهجية المتدرجة في أبواب الفقه والتاريخ والاقتصاد والسياسة.

فاحرص أيها الأخ أن يكون لك المنهج الذاتي في المطالعة..منهج وبرنامج متدرج تصل فيه إلى الفقه الكامل.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply