بسم الله الرحمن الرحيم
يتألف هذا الكتاب من اثنين وأربعين صفحة باللغة الإنجليزية أصدرته دارا النشر: \" دار النحوي للنشر والتوزيع في الرياض، ودار طه للنشر والتوزيع في لندن \"، في طبعته الأولى سنة 1413هـ ـ 1992م.
بالإضافة إلى المقدمة فيحمل الكتاب خمسة فصول: سبيل النجاة والخلاص، واقعنا المعاصر، خطة الداعية للإسلام، أُسس الدعوة الإسلامية، الخطوط العامة لخطة الداعية.
يشير المؤلف في المقدمة إلى ما عاناه العالم الإسلامي خلال قرون ماضية من مآسٍ, مروّعة، وسلطان طاغ للقوى الأجنبية، ونكبات كانت كافية لتقرع القلوب الغافية وتوقظ الرؤوس النائمة.
ويوضح أنَّ كلَّ إنسان، وكلّ جماعة وأمة، مهددون بخطرين حقيقيين. الخطر الأول هو ما نجابهه في هذه الحياة الدنيا، والثاني هو ما سينكشف بعد الموت من هول وعذاب لمن يكتنفه ذلك الهول والعذاب.
الخطر الأول يهدّد إيماننا أولاً ثمَّ يهدد حياتنا المادية. ولقد تبيّن هذا الخطر بصورة جلية فيما نعانيه في واقعنا اليوم من فتن مشتعلة ومصائب متلاحقة. لقد اشتدَّ هذا الخطر واقترب حتى أصبح يهدد الطفل والمرأة والشاب والشيخ، الغنيّ والفقير، الكسول والنشيط. إننا لا نستطيع أن ندفع هذا الخطر أو ننجو منه معتمدين على قوتنا الذاتية وإمكاناتنا المادية وحدها، على أهمية دورها، حين نتجرّد من مصدر القوة الحقيقية ومنبع الغَناء والحياة:
(وَاتَّقُوا فِتنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُم خَاصَّةً وَاعلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ) [الأنفال: 25]
ذلك أنَّ ما نعانيه هو ثمرة أعمالنا وحصاد مواقفنا. فالله حق عادل، حكيم عليم خبير، لا يظلم أبداً، له الأسماء الحسنى كلها:
(وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ, فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ,) [الشورى: 30)
إذن هي مسؤوليتنا أن ننظر في واقعنا على ضوء منهاج الله قرآناً وسنّة، أن ننظر بعمق وتدبر حتى نصحح نهجنا وخطانا ومواقفنا على طاعة صادقة لله. إنها مسؤوليتنا الأولى في هذه الحياة الدنيا أن نحاسب أنفسنا قبل فوات الفرصة وانقضاض الموت، حتى نعود إلى الله عودة صادقة ونتوب توبة نصوحاً.
والخطر الثاني خطر حقيقي لا يستطيع أحد إنكاره أو الفرار منه. إنه في ضمَّة القبر وظلمته، وساعة البعث ويوم الحساب بين يدي العزيز الجبار، حيث تكشف هناك الحقائق كلها، وتنكشف خبايا صدورنا واضطراب أهوائنا، ونتائج أعمالنا، فيجزى كل بعمله، ولا فرصة لتوبة أو إصلاح خطأ بعد الموت:
(يَومَ لا يُغنِي مَولىً عَن مَولىً شَيئاً وَلا هُم يُنصَرُونَ) [الدخان: 41] (لِكُلِّ امرِئٍ, مِنهُم يَومَئِذٍ, شَأنٌ يُغنِيهِ) [عبس: 37]
هناك تقام الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً. فمن الحكمة إذن والعقل أن يقف الإنسان الآن ـ في الحياة الدنيا ـ يتأمل ويتفكر ويتدبّر، ويحاسب نفسه قبل أن يحاسَب.
فهناك إذن سبيل واحد فقط للنجاة من الخطرين المذكورين. وهذا السبيل هو العودة الصادقة إلى الله. إنَّ الله يغفر لعباده، ولكنه يغفر لأولئك الذين يستحقون المغفرة على ميزان رباني عادل. وهذه العودة الصادقة والتأمّل والتدبر يجب أن تقوم كلها على أساس الإيمان الثابت بالله، والعلم الصادق بمنهاج الله ـ قرآناً وسنّة ـ كما نزلا باللغة العربية. وهذه هي الحقيقة الهامة التي يدور عليها الفصل الأول.
وفي الفصل الثاني يصور المؤلف جوانب كثيرة من واقع المسلمين اليوم. ومن أبرز ذلك هو ما يدور من خلافات ومجابهات بين المسلمين أنفسهم على صورة تتعارض وحقيقة الإيمان والتوحيد. فبالإضافة إلى ما تسببه هذه الخلافات من خسارة مادية في الحياة الدنيا، ومن ضعف ووهن، فإنها تسبب كذلك غضب الله الذين ينزل عقابه والآخرة. ذلك لأن الله يأمر عباده المؤمنين أن يكونوا أمة واحدة.
ولو نظر المسلم في واقعه اليوم لوجد أنَّ هموم الحياة الدنيا، وقضايا الأسرة والرزق، والطموحات الدنيوية والآمال، هذه كلها تمثل جوهر حياته وسعيه. ولا تظهر هموم الإسلام ومستقبل هذا الدين إلا من خلال شعارات ترفع في المناسبات ثمَّ تغيب. وقد ينسى المسلم أن الله مطّلع على نواياه، وخلجات صدره، وأنَّ الله لا ينظر إلى صورنا وأشكالنا ولكن إلى قلوبنا وأعمالنا كما جاء في الحديث الشريف. فقام نتيجة ذلك حجاب سميك في حياة المسلم يفصل بين أركان الإسلام كالصلاة والصوم وبين ميادين الحياة التطبيقية.
وصورة أخرى من صور الاضطراب في واقعنا اليوم هو المواقف السياسية المتناقضة المضطربة، حتى كأنَّ السياسة أصبحت في نظر بعضهم عالماً معزولاً عن أسس الإسلام وقواعد الإيمان والتوحيد. وكذلك ميادين الأدب والفكر لم تعد مرتبطة لدى الكثيرين بالإيمان والتوحيد. يضاف إلى ذلك الاقتصاد الذي أصبح يكون عالماً جديداً بنفسه تسيطر عليه مبادئ الغرب ومناهجه وقواه.
ووهن آخر يتمثل في ضعفنا في ميادين القوى المادية: السلاح، الصناعة، العلوم، وغيرها بالرغم من أنَّ الله - سبحانه وتعالى - وهب المسلمين الثروة الهائلة في باطن الأرض وخارجها، والعدد الهائل من الناس، والموقع الوسط الهام في الأرض، والدين الحق بالقرآن والسنّة نوراً يشقّ الظلمات ومنهجاً قويماً وصراطاً مستقيماً.
وعاداتنا الاجتماعية أصبحت في أحيان كثيرة تتعارض مع قواعد الإسلام الجلية. فمجالسنا قد يغلب فيها اللهو وقتل الوقت الطويل، والغيبة والنميمة، والوقوع في الآثام، مما يفتح الباب الواسع لشياطين الإنس والجنّ ليمزّقوا الأمة ويثيروا بنيها العداوة والبغضاء.
فما هو السبب الرئيس لنواحي الضعف هذه والانحرافات؟! إنني أعتقد أنّ السبب الرئيس هو اضطراب الولاء في حياة المسلم واضطراب مفهومه وممارسته.
والفصل الثالث يدور حول قضية الولاء في الإسلام.القضية التي يبحثها القرآن الكريم في أكثر من ثلاثين سورة من سوره بحثاً يمتدٌّ منذ بدء الوحي حتى انتقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - للرفيق الأعلى، بحثاً يمتدّ إلى جميع نواحي الحياة العملية في المجتمع الإنساني.إنَّ المفهوم الذي يعرضه منهاج الله للولاء يكون العمود الفقري للإيمان والتوحيد. والمنهاج الرباني هو المصدر الرئيس الذي يعرض هذه القضية عرضها الشامل الأوفى مما يعجز عنه أي مصدر آخر. ويدور هذا المفهوم حول التصور الكامل لمعنى الألوهية والربوبية وكامل أسماء الله الحسنى بتماسكها وتكاملها، حتى يعي الإنسان حدوده كمخلوق ويعي حقيقة عبوديته لله الواحد الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى كلها. ومن هذا التصور ينبع المعنى الآخر الهام للولاء الذي يجعل الحب الأكبر هو لله ولرسوله، ومن هذا الحب العظيم ينبثق كل حب آخر في حياة الإنسان. فلا يتخذ الإنسان أنداداً من دون الله يحبهم كحب الله، فالذين آمنوا أشدّ حبّاً لله.
والولاء الصادق لله ينبع منه كل ولاء آخر في الحياة الدنيا، للوالدين، للأرحام، للأهل والعشيرة، للمؤمنين، حتى يصوغ الإيمان والتوحيد بذلك جميع الروابط الإيمانية.
وهذا الولاء يفرض على المسلم أن يكون واعياً يقظاً في الحياة الدنيا، يعرف أهدافه كلها بصورة جلية محددة، ويعرف دربه إليها، فلا يضلّ ولا يشقى.
وهذا الولاء يفرض علينا أن نعي عهدنا مع الله، عهدنا الذي أخذه الله من بني آدم كلهم في عالم الغيب، وأكده مع الأنبياء والمرسلين كلهم، وفصّله منهاج الله قرآناً وسنّة، ليكون هذا العهد هو العهد الأول والأشمل في حياة المسلم، تنبثق منه كلّ العهود في حياته الدنيا وترتبط به عن وعي ويقين.
ومن هذا الولاء الحق يحدد المسلم، والجماعة المسلمة، والأمة المسلمة كلها علاقاتها مع شعوب الأرض كلها، ومع مذاهبها ومناهجها. ويقدّم لنا منهاج الله الأمثلة والنماذج حتى لا يبقى لأحد حجة على الله أبداً.
ويبقى على المسلمين أن ينظروا كم يطبِّقون من هذه القواعد والأسس في واقع حياتهم.
وفي الفصل الرابع يدور الحديث حول أسس الدعوة الإسلامية. فيذكر المؤلف أنَّ أمراضاً تقع كلها في دوائر أربعة. ويذكر كذلك أنه بناء على ذلك يجب أن يكون للدعوة الإسلامية نظرية عامة تعالج أمراضنا هذه، وتضع القواعد السليمة للنهج والتخطيط والنشاط. ويوجز المؤلف هذه الأسس الأربعة بما يلي:
1. بناء التصور الإيماني والتوحيد، أو تصحيحه أو تنميته، على أساس المنهاج الرباني كما جاء باللغة العربية.
2. دراسة منهاج الله ـ قرآناً وسنة ـ باللغة العربية دراسة منهجية تقوم على صدق الإيمان والتوحيد وصفائه.
3. دراسة الواقع وفهمه وتدبره وردّه إلى منهاج الله ردّاً أميناً، دراسة منهجية مصاحبة لدراسة منهاج الله.
4. الممارسة الإيمانية، بممارسة منهاج الله في الواقع ممارسة تحمل الخصائص الإيمانية الربانية.
ثمَّ يتناول المؤلف كل واحدة من هذه القضايا الأربع ليقدّم إيضاحات مبدئية ضرورية، وليبين تماسك هذه الأسس الأربعة حتى تكون هي أساس التخطيط لكل ميدان من ميادين الممارسة الإيمانية في واقع حياتنا.
وأول هذه الميادين هو ميدان الدعوة والبلاغ والبيان. وهذا الميدان يقوم على سلامة النهج والتخطيط حتى ينجح الداعية بتبليغ رسالة الله إلى الناس تبليغاً أميناً، وبيناً واضحاً جلياً. ويقدم المؤلف نموذجاً لهذا النهج والتخطيط في هذا الميدان، ليساعد الداعية على عرض قضية الإيمان والتوحيد:
1. إنَّ الإيمان والتوحيد يمثلان القضية الأولى والأهم في حياة كل إنسان، ويمثلان الحقيقة الكبرى في الكون. وعلى الداعية أن يقدم الأدلة على ذلك من القرآن والسنَّة، ومن الواقع البشري، ومن آيات الله في الكون.
2. إنَّ قضية الإيمان والتوحيد هي قضية الفطرة أولاً. وكل ميادين النشاط الإنساني توفر الآيات البيّنات التي تتلقّاها الفطرة السليمة. ذلك لأنَّ الإيمان والتوحيد مطلوبان من كل إنسان عالم أو جاهل، قوي أو ضعيف، غنيّ أو فقير، عربي أو أعجمي. والفطرة هي العنصر الوحيد المشترك بين الخلق كلهم.
3. عرض معنى الألوهية والربوبية والأسماء الحسنى من منهاج الله عرضاً وافياً يكشف ترابطها وتكاملها وتناسقها.
4. عبودية الإنسان لربه وخالقه: حتى يعرف الإنسان حدوده، ويعرف جوهر علاقته مع ربه وخالقه، وجوهر مهمته في الحياة الدنيا.
5. العهد مع الله: لقد نسي الناس هذا العهد مع الله وخطورته. فلا بدَّ للداعية أن يذكر بهذا العهد حتى ينبثق كل عهد في حياة المؤمن منه ويرتبط به.
6. الولاء الخالص لله كما أوجزناه سابقاً.
7. الرجاء والتضرّع لله وحده.
8. الحبّ الأكبر لله ولرسوله.
9. قضية الإيمان والتوحيد قضية مفاصلة وحسم، وتكاليف والتزام، ومسؤولية وحساب.
10. المنهاج الرباني هو المصدر الوحيد الذي يفصّل هذه القضايا تفصيلاً حقاً لا باطل معه. المنهاج الرباني ـ قرآن وسنَّة ـ كما نزلاً باللغة العربية.
11. المسلم يصحح تصوراته ويعالج أخطاءه على ضوء ذلك كله.
12. من أهمّ التكاليف التي يحدّدها منهاج الله هو تبليغ الدعوة صافية وبيانها للناس.
والميدان الثاني بعد ذلك هو ميدان التربية والبناء، ليقوم هذا الميدان والتخطيط له على الأسس الأربعة السابقة. والأساس الثاني وهو دراسة منهاج الله وتدبره يحتاج إلى خُطّة عملية تطبيقية تساعد المسلم على تحقيق الهدف من هذه الدراسة.
والهدف من هذه الدراسة والتدبر هو أن يؤدي منهاج الله الدور الذي أداه في حياة محمد - صلى الله عليه وسلم -. إنَّ الله - سبحانه وتعالى - جعل منهاجه ميسّراً للذكر. فإنَّ وجد المسلم صعوبة فهي في نفسه هو وليست في منهاج الله. فليعالج نفسه ولينهض إلى مسؤوليته التي سيحاسَب عليها. ودراسة منهاج الله وتدبره هو أمر وتكليف من عند الله، وهو منهاج الله مدرسة النبوّة، وهو خلاصة التجربة البشرية، وهو حاجتنا اليوم في واقعنا. لقد خطط أعداء الله كي يصرفوا المسلمين عن منهاج الله وعن اللغة العربية، وأصابوا بذلك نجاحاً. ويغزو المسلمين اليوم أفكار منحرفة مفصلة كثيرة، ولكنها تجمل معها الزخرف والقوة والإغراء تحت شعارات الحضارة والرٌّقي. ولا شيء يقف أمام هذا الغزو الجارف مثل منهاج الله. فهو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلقه. وهو نور وهدى وشفاء.
ودراسة منهاج الله وتدبره يجب أن تخضع لخطة عملية تحمل الخصائص التالية: أنَّ يأخذ كلُّ قدر وسعه وطاقته قدر مسؤوليته وأمانته، في مصاحبة مستمرة مع العمر كله، دراسة متكاملة لا تأخذ جزءاً وتدع جزءاً، وأن تصاحبها دراسة اللغة العربية ودراسة الواقع.
ثمَّ تأتي دراسة الواقع التي يجب أن تخضع كذلك لنهج وخطة. وقد أهملت هذه القضية زمناً طويلاً في تاريخنا وواقعنا اليوم، وفي مختلف المدارس والمناهج، مع أنها جزء من التصور الإيماني والتكليف الرباني.
ويمكن أن نقسم دراسة الواقع إلى ثلاث دوائر: الواقع الشخصي، الواقع الآني، الواقع المنهجي. والواقع المنهجي يمضي على منهج محدد يبتدئ بدراسة الإنسان ونظرية الواقع ويمتدٌّ إلى الواقع المحلي والإسلامي والدولي.
ثمَّ تأتي بعد ذلك الممارسة الإيمانية. وهي ممارسة منهاج الله في الواقع البشري لتحمل معها الخصائص الإيمانية التي يوجزها المؤلف بما يلي:
1. تبتدئ الممارسة الإيمانية بالشهادتين.
2. النيّة وصدق التوجه إلى الله بكل عمل.
3. الامتداد والشمول إلى كل ميادين الحياة على قدر الوسع والطاقة والعلم والخبرة.
4. العلم بمنهاج الله والواقع والتخصص.
5. النمو والتطور.
6. الحوافز الإيمانية.
7. المداومة والاستمرار.
8. الإتقان والإحسان.
9. الموازنة.
10. أن يستوعب الممارسة وسع الإنسان وجهده.
11. الإشراف والمراقبة، والتوجه والمتابعة.
12. نقل الخبرة من جيل إلى جيل حتى تتصل الأجيال.
13. النهج والتخطيط.
14. المسؤولية.
15. الشورى.
16. التعاون.
17. معرفة المسلم لحدوده.
ويقدم منهاج الله تفصيلات لهذه الخصائص كلها والأدلة والتوضيح.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد