بسم الله الرحمن الرحيم
يتعرض الدعاةُ إلى الله - عز وجل - إلى حربِ مستعرةِ على جبهاتِ متعددة:
- حرب إعلامية لتشويه صورتهم و النيل من نزاهتهم، و حجب فكرتهم أن يؤمن بها المسلمون المُغََّيبون عن قضايا أمتهم. و أصبحت هذه الحرب جسراً و معبراً لمن أراد المكانة المرموقة، و فتات الدراهم و الدولارات، و نسوا حساب رب الأرض والسماوات.
- حرب تغيب عن التأثير الفاعل في المجتمع، و ذلك بالحبس في السجون و المعتقلات، و مخالفة أحكام الدستور، و أحكام القضاء، تحقيقاً لمآرب شخصية، و مكاسب دنيوية.
- حرب اقتصادية بالتحفظ على أموالهم و ممتلكاتهم، لتقويض دعائم الاقتصاد، و إيقافاً لدعم نواحي الخير في المجتمعات، و تحقيقاً لأهداف أعداء الإسلام و الإنسانية.
والله - عز وجل - صاحب هذه الدعوة و المتكفل بحفظها يوجه الدعاةَ إلى الله إلى جملة من التوجيهات التي تحمل في معانيها طبيعة الدعوة و الدعاة:
أولاً: أمور الدعوة مُدبرة لا تتغير بالظروف:
قال - تعالى -: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعضَ الَّذِي نَعِدُهُم أَو نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَينَا مَرجِعُهُم ثُمَّ اللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفعَلُونَ} (1).
فالأمور مدبرة سائرة حسب التدبير، لا يخرم منها حرف، ولا يتغير بالطوارئ والظروف.
ثانياً: الدعاة ليس عليهم إلا أداء تكاليف الدعوة:
قال - تعالى -: {وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعضَ الَّذِي نَعِدُهُم أَو نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيكَ البَلاَغُ وَعَلَينَا الحِسَابُ} (2).
قال أبو جعفر - رحمه الله -: يقول - تعالى -ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: وإما نرينك يا محمد في حياتك بعض الذي نعد هؤلاء المشركين بالله من العقاب على كفرهم أو نتوفينك قبل أن نريك ذلك فإنما عليك أن تنتهي إلى طاعة ربك فيما أمرك به من تبليغهم رسالته لا طلب صلاحهم ولا فسادهم وعلينا محاسبتهم فمجازاتهم بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر (3).
وفي هذا التوجيه الحاسم ما فيه من بيان طبيعة الدعوة وطبيعة الدعاة:
- إن الدعاة إلى الله ليس عليهم إلا أن يؤدوا تكاليف الدعوة في كل مراحلها ; وليس عليهم أن يَبلُغوا بها إلا ما يشاؤه الله.
- و ليس لهم أن يستعجلوا خطوات الحركة، ولا أن يشعروا بالفشل والخيبة، إذا رأوا قدر الله يُبطِيء بهم عن الغلب الظاهر والتمكين في الأرض، إنهم دعاة وليسوا إلا دعاة.
ثالثاً: الصبر على الشوق إلى هلاك الظالمين:
قال - تعالى -: {فَاصبِر إِنَّ وَعدَ اللَّهِ حَقُّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعضَ الَّذِي نَعِدُهُم أَو نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَينَا يُرجَعُونَ} (4).
وهنا نقف أمام لفتة تستحق التدبر العميق:
إن هذا الرسول - و الدعاة من بعده - الذي يُلاقي ما يلاقي من الأذى والتكذيب والكبر والكنود، يقال له ما مفهومه: \"أد واجبك وقف عنده \". فأما النتائج فليست من أمرك. حتى شفاء صدره بأن يشهد تحقق بعض وعيد الله للمتكبرين المكذبين ليس له أن يعلق به قلبه! إنه يعمل وكفى. يؤدي واجبه ويمضي. فالأمر ليس أمره. والقضية ليست قضيته. إن الأمر كله لله. والله يفعل به ما يريد.
يا لله! يا للمرتقى العالي. ويا للأدب الكامل. الذي يأخذ الله به أصحاب هذه الدعوة. في شخص رسوله الكريم.
وإنه لأمر شاق على النفس البشرية. أمر يحتاج إلى الصبر على أشواق القلب البشري العنيفة.
إنه توجيهاً إلى صبر من لون جديد. ربما كان أشق من الصبر على الإيذاء والكبر والتكذيب ?!
إن احتجاز النفس البشرية عن الرغبة في أن ترى كيف يأخذ الله أعداءه وأعداء دعوته، بينما يقع عليها العداء والخصومة من أولئك الأعداء، أمر شديد على النفس صعيب. ولكنه الأدب الإلهي العالي، والإعداد الإلهي لأصفيائه المختارين، وتخليص النفس المختارة من كل شيء لها فيه أرب، حتى ولو كان هذا الأرب هو الانتصار من أعداء هذا الدين!
ولمثل هذه اللفتة العميقة ينبغي أن تتوجه قلوب الدعاة إلى الله في كل حين. فهذا هو حزام النجاة في خضم الرغائب، التي تبدو بريئة في أول الأمر، ثم يخوض فيها الشيطان بعد ذلك ويعوم!.
رابعاً: اثبتوا على ما أنتم عليه من الحق:
قال - تعالى -: {فَإِمَّا نَذهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنهُم مٌّنتَقِمُونَ * أَو نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدنَاهُم فَإِنَّا عَلَيهِم مٌّقتَدِرُونَ * فَاستَمسِك بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ, مٌّستَقِيمٍ,} (6).
ولم يقبض الله - تعالى -رسوله - صلى الله عليه وسلم - حتى أقرّ عينه من أعدائه وحكمه في نواصيهم وملكه ما تضمنته صياصيهم! (7).
والأمر لا يخرج عن هذين الحالين:
1- فإذا ذهب الله بنبيه فسيتولى هو- سبحانه - الانتقام من مكذبيه.
2- وإذا قُدِرَ له الحياة حتى يتحقق ما أنذرهم به، فالله قادر على تحقيق النذير، وهم ليسوا له بمعجزين.
ومرد الأمر إلى مشيئة الله وقدرته في الحالين، وهو صاحب الدعوة. وما الرسول إلا رسول.
ثم وجهه - سبحانه - و الدعاة من بعده: اثبت على ما أنت فيه، وسر في طريقك لا تحفل ما كان منهم وما يكون. سر في طريقك مطمئن القلب. {إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ, مٌّستَقِيمٍ,}.. لا يلتوي بك ولا ينحرف ولا يحيد (8).
خامساً: تيقظوا و لوذوا بحماه:
قال - تعالى -: {قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ. رَبِّ فَلَا تَجعَلنِي فِي القَومِ الظَّالِمِين} (9).
يقول - تعالى -آمرا نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو بهذا الدعاء عند حلول النقم {رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ} أي إن عاقبتهم وأنا أشاهد ذلك فلا تجعلني فيهم كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام الترمذي (وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون) (10).
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في منجاة من أن يجعله الله مع القوم الظالمين حين يحل بهم العذاب الأليم، ويتحقق ما يوعدون، ولكن هذا الدعاء زيادة في التوقي ; وتعليم لمن بعده ألا يأمنوا مكر الله، وأن يظلوا أبداً أيقاظاً، وأن يلوذوا دائماً بحماه (11).
{وَإِنَّا عَلَى أَن نٌّرِيَكَ مَا نَعِدُهُم لَقَادِرُونَ} (12) أي: لو شئنا لأريناك ما نحل بهم من النقم والبلاء والمحن (13).
الواجبات العملية:
1- الدعاء و الإلحاح على الله عند حلول النقم بالأدعية التالية:
{رَبِّ فَلَا تَجعَلنِي فِي القَومِ الظَّالِمِين} ودعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون).
2- السعي في الدعوة الله وسط المجتمع، غير عابئاً بما يفعل الظالمون، معتقداً أن الله سوف يُنزِل عليهم نقمته و عذابه بالصورة التي يراها و في الوقت الذي يحدده - سبحانه -.
---------------
(1) سورة يونس، (46).
(2) سورة الرعد، (40).
(3) تفسير الطبري، (ج7/405).
(4) سورة غافر، آية (77).
(5) في ظلال القرآن، (ج5/3097-3098).
(6) سورة الزخرف، آية (42).
(7) تفسير ابن كثير، (ج4/163).
(8) في ظلال القرآن، (ج5/3190).
(9) المؤمنون93-94.
(10) [فتنة: عقوبة دينوية]، [مفتون: مُعاقب]، الحديث رواه الترمذي، (ج5/ 366) رقم الحديث (3233) قال الشيخ الألباني: حديث صحيح.
(11) في ظلال القرآن، (ج4/2479).
(12) سورة المؤمنون، آية(95. ).
(13) تفسير الطبري، (ج3/ 341).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد