هل يجدي تشخيص الطبيب ؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

درج كثير من المتحدثين على المنابر الإعلامية والشرعية، وعدد من الكُتّاب على التركيز على تشخيص الواقع تشخيص الطبيب. والأمر لأول وهلة حسن..بل يُضرب به المثل، ولكن الأمرـ بعد أن تتأمله جيداً ـ مختلف تماماً عن ذلك.

فإن الطبيب لا يلتفت إلى صحة المريض.. بل إلى مرضه، ولا يركز على الأعضاء الصحيحة، بل ينصبٌّ كل همّه على الأعضاء المعتلة، ولم يزره المريض إلاّ من أجل أن يشخّص الداء وحده، لا أن يطمئن على الأعضاء الطيبة، ولا أن يعترف له بصحتها غالباً.

فهل هذه الآلية مجدية حين نسحبها على تشخيص الواقع الذي نعيشه؟

إن بعضنا يستمتع كثيراً ـ دون أن يشعر ـ وهو يقلّب نظره في سلبيات الواقع الذي تعيشه أمتنا، وترديها في عدد من مجالات الحياة، أو حتى مجتمعنا المحلي، وهو يحاول أن ينهض في مناحي الحياة بكل آفاقها.

إنه لا يسمع سوى أخبار القتل والسحل والاعتقال على مستوى الأمة، ولكنه لا يسمع أخبار العودة إلى الله التي أًصبحت واقعاً معيشاً في العالم بأسره، وفي العالم الإسلامي كله من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، والتي غيّرت نظرة العالم الآخر لنا، والتي تبشر بمستقبل وضيء للأمة ولو كره أعداؤها.

إنه لا يشاهد سوى صور النقص والقصور في أية دائرة حكومية، ويعرض صفحاً عن كل صور التطور التي تتمتع بها عدد من دوائرنا التي بدأت تتسابق في مضمار الجودة.

إنه لا يرى سوى الشارع الرديء الذي أصابه الجدري منذ زمن والبلدية غافلة عنه، وتعمى عينه عن عشرات الشوارع التي تمتعت بعناية فائقة من السفلتة والإنارة والتشجير بل والتوريد.

إنه لا يكتب إلاّ حين يبري قلمه، ويحد شفرته ليطعن به أديباً أو كاتباً، ولكن قلمه لا يستدل على مكامن الجمال، ولا يتعرف على مواطن الإضاءة في فنه، وهي مهمة النقد في الدرجة الأولى.

إنه لا يخطب إلاّ ليذم الناس، ويبرز لهم عيوبهم، ومدى تقصيرهم، ويظل يذكرهم بصور مثالية في الإطار الذي يتحدث عنهº حتى يحبطهم، ويبعدهم عن الطريق الذي احترق من أجل محاولة إعادتهم إليه.

والسؤال الطبيعي الذي ينبغي أن نتقبله جميعاً هو: لماذا لا نستفيد من أساليب التربية الإيجابية في تعزيز الجمال في أمتنا ومجتمعنا؟

إن التربويين يقولون: لا تمسك بابنك وهو يخطئ.. بل توقف معه وهو يصيب، ثم عزز هذا السلوك، بامتداحه أمامه، وأمام الآخرين، ومكافأته... الخ.

أترى حين أمتدح مديراً ما بأنه يقدِّر موظفيه، ليرفع من مستوى العطاء في سلوكهم مع المراجعين، ويحتفل بالمبرز منهم، ما الذي سيحدث؟

إنني قلت له حينئذ إن مثل هذا السلوك هو الذي يستحق وقتك وشخصيتك، وهو الذي يستحقه منك المتقن من موظفيك.

إنني قلت لكل مدير مثله - دون أن أوجه إليه الخطاب-.. أرجوك.. ما تفعله مع موظفيك من تجاهل أعمالهم، والتسوية بين المحسن والمسيء سلوك إداري متخلف، يجر إدارتك للخلف.

إنني قلت للوزارة التابع لها - دون أن أذكرها - إن مثل هذا المدير المبدع يستحق أن يكرم، وأن يُوضع في المنزلة الأرفع ليكون له الأثر الأكثر نفعاً.

إنني ـ بذلك ـ قدمت للمجتمع كله قدوة في هذا الجانب الذي اعتاد الناس ألاّ يتحدثوا عنه حتى في مجالسهم.

إن التفات الكتَّاب بكل أطيافهم وتوجهاتهم الفكرية والعلمية إلى ألوان الجمال والحسن في الأمة والوطن، سوف يخفف من النظرة التشاؤمية التي بنوها في نفوس الناس تجاه الدين والحياة كلها، وتجاه بناء المستقبل الذي من أجله يكتبون.

إن الكلمة أمانة ومسؤولية، وكل منا سيقف وحده أمام الله - تعالى -ليُسأل عن كل ما خطّت يمناه، وكل ما أنطق فاه، والأمر ـ والله ـ أعظم من أن نبيع به ونشتري، أو نرضي به قارئاً أو نثير به آخر، أو نلفت به الأنظار حول ما نكتب لنحقق سمعة، أو لنبني شهرة على حساب المسؤولية الكبرى الملقاة على أعناقنا، بل على حساب مستقبل الإنسان على هذا الكوكب، ونحن الذين كلفنا المولى - عز وجل - بإنقاذه.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply