الدعاة والعمل السياسي دعوة للمراجعة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

ولجَ بعض رجالات الأمة ودُعاتها في بعض الدول في خضمِّ المعترك السياسي، سواء أكان ذلك في الجانب التشريعي أم التنفيذيº بهدف مدافعة طليعة الغرب وأذنابه في بلداننا من دعاة المدِّ العلماني الجارف بكافة أطيافه والذي سُلِّط على الأمة وتسرّب إلى مناحي حياتها المختلفة، والسعي لتخفيف ضرر جنايته، وحماية الأمة ودعوتها المباركة من بعض شروره، وإبقاء بعض الفضاءات متاحة أمام الجهود الخيرة التي يمكن أن تنتشل الأمة من مرحلة الهوان والتبعية وفترة التسلٌّط القاسي التي تمرٌّ بها.

 

وبكل تأكيد فقد صاحب هذه التجربة جوانب نجاح وإخفاق، وبغضِّ النظر عن ذلك فمن صدقت نيّته من أولئك الفُضلاء، وتخلّص من حظوظ نفسه فهو دائر بين الأجر والأجرين، والله - عز وجل - غفور رحيم جواد كريم.

وليس الهدف بالأساس هنا تقويم التجربة أو الحكم عليها فلذلك رجاله وساحاته، إلا أن المشاهَد في هذا الاتجاه في الآونة الأخيرة فشو بعض المظاهر شديدة الجنوح عن المنهج النبوي الراشد في الإصلاح والتغيير، ومن ذلك:

 

*حدوث تلبيس في عدد من أصول الديانة وثوابت الشريعة لدى عامة الأمة، ووقوع خلط فيها لدى فئات عريضة من أبناء الصحوةº كإعطاء بعض المصطلحات غير الشرعية بُعداً إسلامياً، مثل: الديمقراطية، مع أن منشأها الفكري والممارسة المطبقة لها تتنافى كلياً مع المصطلحات الشرعية التي يسميها بها بعض جهلة أبناء الصحوة بحسن نيةº لإعطائها بُعداً شرعياً كالشورى مثلاً، وهذا الخلط الضخم في المفاهيم والذي أسهم بعض الكرام في حدوثه بفاعلية يمسٌّ في أحيان كثيرة صلب العقيدة وجوهر الإسلام، وإلا فأين مثلاً: (حكم الشعب للشعب) و (الحكم للقاعة) من قوله - عز وجل -: {إنِ الـحُكمُ إلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لا يَعلَمُونَ} [يوسف: 40]، وقوله - تعالى -: {وَمَا كَانَ لِـمُؤمِنٍ, وَلا مُؤمِنَةٍ, إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الـخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم وَمَن يَعصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلالاً مٌّبِينًا} [الأحزاب: 36].

والحديث هنا ليس عن أصل المشاركة، فتلك قضية اجتهادية، المشارك فيها والمحجم عنها كلاهما على خير إن شاء الله، وإنما الحديث عن تصريحات الخلط وخُطبه ومحاضراته، وعمليات الدفاع المستميت الذي يتصدر له بعض الجهلة من المحسوبين على الدعوةº بغرض إعطاء تلك المزالق التي تبنّتها جماعاتهم بُعداً شرعياً، وإظهارها بمظهر المتوافق مع الشريعة، لا بل والمنطلق منها!

 

*ذوبان صورة السلوك الإسلامي المتميز في خضمِّ تلك الممارسة، حتى وصل الأمر ـ في أحيانٍ, ـ إلى ذوبان الهوية، من خلال ظاهرة ضعف الانضباط الشرعي على المستوى الشخصي من جهة، ومن جهة أخرى من خلال بعض التحالفات الفجّة مع دهاقنة اليسار وعتاة القومية، وما يصحب ذلك من تزكيةٍ, شبه مطلقة للمتحالف معه ـ فرداً أو مؤسسة ـ واستحداث بعض الخِلال والمواقف التي تجمّل صورته من جهة، وتخفّف من حدّة النقد الموجه للطرف الإسلامي المتورط في ذلك التحالف من جهة ثانية، وفي المقابل نجد الإسفاف في تشويه الطرف المنافس والبحث عن نقائصه وتلمٌّس العيوب له، مع أن مِن بعض هؤلاء المنافسين مَن قد يكون في ميزان الشريعة أقرب إلى دائرة الخير من الأطراف المتحالف معها بصـورة لا يقـرّها عقل ولا يقبلها عُرف، فكيف بالشريعة المطهرة التي جاءت بمثل قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أنس ـ - رضي الله عنه - ـ: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: يارسول الله! هذا ننصره مظـلـوماً، فكـيف ننصـره ظالماً؟! قال: تأخذ فوق يده»(1)، وقـوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرة - رضي الله عنه - عن الشيطان: «صَـدَقَك وهو كذوب»(2)، وقوله للصحابي الجليل أبي ذرّ - رضي الله عنه - حين عيّر ـ في لحـظة غضبٍ, ـ صحابياً آخر بسواد أمه، فردّ عليه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قائلاً: «إنك امرؤ فيك جاهلية»(3)!

ونتيجة لذلك وجدنا ـ مثلاً ـ بعض طلبة العلم المنتمين إلى بعض تلك الفصائل الدعوية الخائضة في هذا الجانب من يصف من يراد تقديمه للعامة من المرشحين بالزهد والربانية، مع أن ذلك الرجل لا تظهر عليه بوادر الاستقامة فضلاً عن أن يُعدَّ من أهل الدعوة! في الوقت الذي يرى المرء فيه في المقابل سخرية شديدة، وهزءاً حادّاً من دعاة وطلبة علم شهيرين في الساحة لا ينتمون لتلك الفصائل ولا يرون مناسبة الخوض في خضمِّ المعترك السياسي وقتاً أو رؤية، حتى إن بعض كبار الخطباء وقيادات العمل الفاضلة التي ولجت في هذا الباب قامت بإسقاط آيات النفاق عليهم، وكأن شعار (لنعمل فيما اتفقنا عليه، وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه) ـ مع التحفظ النسبي عليه ـ لا يطبق إلا في داخل الأسوار المغلقة لتلك الفصائل، أو مع حلفائها من خارج الساحة الدعوية! فيا لله كم صرنا في زماننا نبصر الكثير من الخلط والعجائب!

فكيف إذا انضافت إلى ذلك الخطل شرور أخرىº كتصدير بعض الجهلة ورقيقي الديانة، واستمراء الكذب، وممارسة الخداع والغش والتزوير، تماماً كما يمارسه العلمانيون ومن يدور في فلكهم من أهل الأهواء والشهوات، وإن كان بحجم أقل، تحت مبرّر المعاملة بالمثل، وأنه كذب للدين وتزوير من أجل الفضيلة، متناسين ما قد تقرَّر في محكمات الشريعة من أن الوسيلة القذرة لا تبررها الغاية النبيلة البتة.

 

*تهميش عملية البناء العلمي والعمل التربوي لجيل الصـحوةº نتيـجة ضـخامة متطلبات الممارسة السياسية، ولذا لم نعـد نـرى في أوســاط كثـير مـن طلائع جيل الصحوة القادم فـي كثيـر الأحيان سوى الأمّية الشرعية، والهشاشة الفكرية، والاستـهانة بكثير من مظاهر الاستقامة الواجبةº فكيف بعامّة جوانبـها المستـحبة!! وصارت السِّمَات المطلوبة في الشخصية أن يكــون الواحد منهم مقتنعاً من جهة بأن (الإسلام هو الحل)، معلـناً الولاء للجماعة، رافعاً شعار السمع والطاعة، مبرراً ما يصدر عن قياداتها من تصريحات ومواقف قد لا تكون في أحيان كثيرة منضبطة بالأصول الشرعية!

وفي هذا السياق أؤكد أن المشاركة السياسية التي يُعمَل من خلالها على جلب بعض المصالح ودَرء بعض المفاسد قد تكون مفهومة بل ومقدّرة، في حال أعطيت حجمها، ووضعت في سياقٍ, عمليٍ,ّ تكامليٍ,ّ مع المقاصد الكبرى للدعوة، أما أن تتحول من وسيلة إلى غاية، في مقابل تسطيح الطرح النظري والتبنِّي العملي لأصول الدعوة، وليس هذا فحسب، بل ويمارس دوراً إقصائياً لكل طرح يدعو للتوازن والانضباط في هذا الجانب من داخل الصف أو خارجه، وتسقط عليه نصوص التخذيل وبعض خِلال المنافقين، في وقت يتحالف فيه مع قلاع العلمنة وعتاة أهل الأهواء والبدع، وتفتح فيه بوابات التحاور والتنسيق المشبوه مع بعض السفارات الغربية تحت مبرر حماية الدعوة، والظهور بمظهر الاعتدال والوسطية، مع أن المولى القدير يقول: {وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم} [البقرة: 120]، فهو أمر غاية في الغرابة بل والخطل، ويزداد الأمر شناعة حين يُغرس ذلك القصور والتمييع في نفوس الأتباع، ويتحول في السياق التربوي والطرح الفكري لبعض الفصائل الكبرى للعمل الإسلامي اليوم إلى مظهر رشد وحنكة، وشعور عالٍ, بالمسؤولية، وقاعدة راسخة ونهج تطبيقي ثابت!

ولو أردنا أن نحلِّل الأسباب التي أدَّت إلى تلك المظاهر الخطرة لوجدنا أن من أبرزها:

 

*التقـصير في فهم نصوص الوحي المتعلقة بمثل هذا النوع مـن المشاركة، وعدم فقه المنهج الإسلامي الأصيل في الإصلاح والتغيـير، والذي يرتكز في الأساس على التعريف بالله - تعالى - وبشرعه المطهر، وتزكية النفوس وتهذيبها بالإيمان. والنصوص الدالة بمنطوقها على ذلك أكثر من أن تحصر، ومن ذلك قوله ـ - تعالى -ـ: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إلاَّ البَلاغُ وَاللَّهُ يَعلَمُ مَا تُبدُونَ وَمَا تَكتُمُونَ} [المائدة: 99]، وقوله - سبحانه -: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنهُم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّـمُهُمُ الكِتَابَ وَالـحِكمَةَ وَإن كَانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلالٍ, مٌّبِينٍ,} [الجمعة: 2]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً»(1)، لتأتي بعد ذلك مرحلة تكون قد نشأت فيه طائفة رسخت في الإيمان، وفقهت في الدين، وتسلّحت بالعلم، وامتلكت فيها الأمة من عناصر القوة المختلفة ما تكون به قادرة على إقامة الشرع ومقارعة الباطل ومجاهدة أهله الذين يغوون الناس ويحولون بينهم وبين سماع كلام الله ـ - عز وجل - ـ بانضباط، وبما يراعي مقاصد الشريعة وأحكامها التفصيلية، من أجل أن يعمَّ التوحيد، وينتشر الخير، وترفل البشرية في دوحات الفضيلة.

وما لم يُبثّ علم الوحي المطهر في الأمة، وينتشر الفقه، وتزكى النفوس، وتربى على الإيمان، فإن الانتقال إلى المراحل التالية ـ فيما أحسب ـ استعجالٌ وجرُّ للأمة إلى مرحلة لم تتهيأ لها بعد.

 

*تهميش دور العلماء الربانيين والمفكرين الجادين، وقيام بعـض الإداريين ـ ممـن قـد لا تؤخذ عليهم شائبة في إخلاص أو إرادة خير فيما نحسبهم والله حسيبهم، ولكن ينقصهم الفقه في الدين والمعرفة التفصيلية بسبيل المرسلين في الإصـلاح والتغـيير..ـ بالتـصدٌّر لقيادة العمل الدعوي وإمساك زمـام أمـره، ولـذا صار المـتابعون للشـأن الدعـوي كـثـيراً ما يلاحظون اقتصار دور العلماء في بعض فصائل العمل الإسلامي المعنية بالشأن السياسي على مخاطبة الجماهير، والبحث في أحيان كثيرة عن شواهد من نصوص الوحيَين وسيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وأقوال أهل العلم تبرّر مواقف أولئك الإداريين الخاطئة أمام الجماهير، وتجعلها في الإطار المسوَّغ شرعاً!

 

* عدم القبول داخل كثير من فصائل العمل الإسلامي إلا بالصوت الواحد والموقف الواحد، ومن تجرّأ على غير ذلك فاحتسب أو تقدّم بنصيحة لا ترتضيها القيادة فهو ـ بزعمهم ـ شاقٌّ للكلمة، مفرقٌ للصف، معوقٌ للنجاح، طامعٌ في الزعامة..إلى آخر قائمة التهم التي قد لا يستطيع الظفر بها من يتقصد جمعها، ولذا نجد شيوع لغة الإعذار والتبرير للمواقف مهما اشتدت شناعتها داخل الفصيل نفسه، في مقابل التشكيك بكل جهدٍ, أو موقف مخالف يصدر من آخرين!

 

* ما جُبلت عليه النفوس البشرية من استعجال ورغبة بالظفر الكبير العاجل، دون امتلاكٍ, للمقومات، وبذلٍ, للأسباب، وترتيبٍ, للأولويات، وتدرّجٍ, في التطبيق والممارسة، وإعطاء جهود البناء وعمليات التصحيح والمعالجة الفترات الزمنية التي تحتاجها.

 

* تفشّي جملةٍ, من الأمراض والأخطاء في التصورات في أوساط بعض القياداتº كالفتور الإيماني الذي يجعل المرء يتجه إلى العناية بحظِّ النفس وتحصيل المصالح الشخصية، وظاهرة التعالم التي تحول بينه وبين صقل الأفكار ومراجعة الرٌّؤى والدراسة المتأنّية للمواقف، وسيطرة الخوف الذي يُفقِد المرءَ الأمل، ويجعله يجزم بحتمية الفشل، والإغراق في محبة العمل في أجواء غاية في الهدوء والسلامة، واعتقاد بعض القـيادات أو الفصائل بمسؤوليتها عن إصلاح كل خلل تعاني منه الأمة في الوقت ذاته، ولذا نجدها صارت تعيش في دوّامة الشتات دون أن تستطيع التخصص في جانب أو التركيز على معالجة قضية من القضايا التي لها طابع أولي.

وأمام هذا الواقع فالدعاة إلى الله - تعالى - مطالبون بجملة من المعالجات التي قد تعين على الخلاص من جوانب النقص والقصور في هذا الباب، ولعلَّ من أبرز عناصرها:

 

*ضرورة مبادرة المتصدّرين للعمل السياسي إلى التفقه في هـدي النـبي - صلى الله عليه وسلم - فـي الإصـلاح والتغـيير، وتحكـيـمه على مناهج التغيـير المـعاصـرة، ولعل من أبرز سِمَات ذلك المنهج الراشد مما يتـعلق بالجـانب الذي نحـن بصـدده: عَـدٌّ الدعوة إلى الله - تعالى -، ونشر العلم الشرعي، وتزكية النفوس وتربيتها على الإيمان، والتوجه إلى بناء قاعدة متينة من العلماء الربانيين والدعاة المخلصينº لتتحمل الأمانة، وتقوم بنشر الدين، ومجاهدة أولياء الشياطين.. هي الوظيفة الأساس والهدف الاستراتيجي الكبير للمصلحين، وهذا لا يتعارض بحال مع إمكانية ممارسة بعض جوانب الإصلاح الجزئي والقيام بمعالجات مرحلية متى سنح ذلك وناسب، ومن ذلك دخول خضمّ المعترك السياسي، لكن بشرط أن يعزز ذلك الخوضُ الهدفَ الأساس، وأن لا يحور عليه بالنقض، وأن يبقى الفرع فرعاً ولا يتحول إلى أصل، وأن لايطغى المرحلي على الاستراتيجي، وأن لا تودي تلك المشاركة إلى ذوبان الهوية والحيلولة دون بيان الحق والصدع به، وأن يُحافَظ على التميز الإسلامي في إطاريه النظري والتطبيقيº لكي لا تفقد تلك المشاركة غايتها ومن ثم مشروعيتها من جهة، وحتى لا يلتبس الحق على الناس فتحدث الفتنة تحت شعاراتٍ, برّاقةٍ, كالحكمة ومراعاة ظرف المرحلة!

 

*إعادة الدور الحيوي لعلماء الشريعة ومفكّري الأمة في توجيه الصحوة المباركة وإدارة شأنها، سواء أكانوا من جماعات العمل الإسلامي أم من خارجه، كما كان عليه حال الأمة طوال تاريخها الطويلº لأنه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وهذا لا ينفي بكل تأكيد ضرورة حفظ الدور المشرف لقيادات العمل الإسلامي من غير العلماء وإبقائهم في المكان اللائق بسبقهم وما بذلوه من جهد وتضحية، بما يضمن الاستفادة من فاعليتهم وخبرتهم وحتى تتم الحيلولة بينهم وبين الوقوع في أوحال الوِزر، وقياد أجيال الصحوة إلى مواطن الهلكة بحسن نية.

والمسؤولية تقع في هذا الجانب بالأساس على العلماء والمفكرين، إذ الضعف ضعفهم، والتقصير تقصيرهم، وإن من أمانة العلم ومسؤولية حفظ الدين التي استرعاهم الله - تعالى - عليها أن لا يتركوا الأمة ينهشها الزيغ العقدي والانحرافات الفكرية، وتغرق في بحور الشهوات، وعندهم من الله - تعالى - وصف علاجها.

 

*علاج الفتور الإيماني في أوساط قيادات الصحوة، وبخاصة في أوساط أولئك الأفاضل الذين تصدّروا لدخول المعترك السياسيº أداءً لبعض حقهم من جهة، ولكي يتمكنوا من تجنٌّب حظوظ النفس، ويكون الباعث الإيماني والمصلحة الدعوية العليا هما الدافعان على الإقدام أو الإحجام حين اتخاذ المواقف المختلفة، والبدار إلى وضع البرامج التي تعمل على الحدِّ من المخالفة، بدلاً من التوجه إلى تسويغها بذريعة وجود خلاف فقهي في مسألة ما، أو التهوين من بعض مظاهر الاستقامة بداعي تصنيفها في دائرة القشور لا اللٌّبّ، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً، وإن المرء ليبلغ به العجب الغاية حين يقارن هذا الواقع بحال الصحابة الكرام والذي صوّره الحافظ ابن حجر بقوله: (وقد كان صدر الصحابة ومن تبعهم يواظبون على السنن مواظبتهم على الفرائض ولا يفرقون بينهما في اغتنام ثوابهما)(1)، فإذا بنا في زمانٍ, يزهد فيه بالطاعة الواجبة، وتسوغ فيه مخالفة الشريعة من قِبَل بعض من ينتمي للعلم والدعوة! فاللهمَّ ثباتاً على الحق حتى نلقاك.

 

*تفعيل الاحتساب، وتوسيع دور الرقابة الشرعية على ممارسة الدعاة السياسية، والعمل على تحويل ذلك إلى ممارسة فاعلة، والقيام بفتح بوابات التشاور الصادق، والحوار الناضج، وممارسة النقد البنّاء أمام كل غيور من أبناء الأمة، وتربية جيل الصحوة على تجاوز مرحلة هزِّ الرؤوس وعدم الاعتراض أو التنبيه على جوانب القصور أو الخطأ بحجة أن القيادات أدرى مع جلاء المخالفة للنص أو المصلحة، والعمل على إيقاف السلوك الإقصائي لكل صوت ناصح لا يتناغم طرحه مع المـواقـف التي تتـخذها بعـض قـيادات العـمل الإسلامي، ولا يعمل على الثناء عليها ومباركة اجتهاداتها.

 

* تقويم الممارسة السياسية للدعاة بصورة كلية شمولية من قِبَل علماء ودعاة أكفاء، وفي إطار مرحلة زمنية معقولة بعيداً عن الانتقائية في المواقف تأييداً أو رفضاً، مع ضرورة استحضار أن التاريخ المعاصر ـ كما أنه في الوقت الذي يسـجل تحقق بعض المكاسب في بعض المواقع من جراء تلك المـشـاركـة ـ يثـبـت أن التــيار المتـنـفذ لا يسـمح بـوجـودهـا أو استمرارها إلا في حال تمكَّن من ترويض أصحابها وإبقائهم في إطار السيطرة، وإلا فإن مصادرة التجربة كما حدث في الجزائر وفلسطين، أو اختلاق الأعذار وصناعة الظروف الحائلة دون نجاحـها على الأقـل بالصـورة المرجـوة الخـالـية مـن التـشويه أو إبداء العُوَار والضعف كما هو حادث في أكثر من بلد عربي أمر جاهز.

وختاماً: فلا بد من سلوك نهج النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - في الإصلاح والتغييرº لأن دين رب العالمين على مرِّ تاريخ البشرية الطويل لم يقم به وينصره إلا نبي أو سائرٌ على نهج نبي، على أن مرمى هذا الحديث هو الدعوة للمراجعة فقط، وليس تقويماً للتجربة، كما أنه لا يصلح أن يُعدَّ بمثابة أرضية لإعطاء صورة متكاملة عن المشاركة السياسية للدعاةº لأنه بمثابة الحديث الانتـقائي الذي يـركـز على بعـض جـوانب الخلل التي قد تدقّ أو تجسر، بغرض معالجتها والمبادرة إلى تلافيها.

وأرجو أن لا يفهم من خلال هذا الطرح أنه بمثابة دعوةٍ, إلى الإقدام أو الإحجام عن الخوض في هذه التجربة إذ ذاك ليس من هدف المقالة، كما أنها لا ترمي بحال إلى تبرير موقف طائفة فضلى من أهل العلم والدعوة انكفأت على نفسها وفشلت في مواكبة واقعها، ولم تستطع حتى الآن على الأقل أن تواكب الأحداث الجسام التي تمرّ بها أمة الإسلام في أكثر من موقع وعلى أكثر من صعيد بالصورة المرجوة.

اللهم وفّق دعاة الإسلام المصلحين في كل مكان، واحفظهم، وبارك فيهم ولهم، وألهمهم رشدهم، وسدّد رأيهم، وجنّبهم الوقوع فيما لا يرضيك عنهم بفضلٍ, منك وإحسان يا أرحم الراحمين.

إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply