بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أكرمنا بدين الإسلام، ونور بصائرنا بالحكمة والقرآن، وهدانا إلى صراطه القويم برسول رباه وجبله على خلق كريم فقال –تعالى- مبينا فضله علينا لنشكره ونذكره فنحظى برضاه وجنته، قال -سبحانه-: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين(2)} [الجمعة].
فالبشرية على اختلاف أوطانها ولغاتها وألوانها كلهم خلق الله -جل في علاه-، خلقهم في أحسن تقويم وسخر لهم ما في السموات وما في الأرض، بل سخر بعضهم لبعض ولو أراد بشر أن يحصي نعم الله عليه ما استطاع قال الله -تعالى-: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}[النحل: 18]، فالإنسان أشرف ما على ظهر البسيطة إن التزم مراد الله منه في قوله –سبحانه- {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56) ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون(57)} [الذاريات]، فكل من لم يعبد الله فهو في ضلال مبين، ومثله من عبد الله عن جهل وهوى. وكل ذلك مع الأسف كثير في الخلق ولا بد من وسيلة أو وسائل فاعلة لإنقاذ العباد وتخليصهم من شرك الشيطان ومكره، ولا بد من رسم الخطط الناجعة الموصلة إلى هداية البشرية ومن يتفكر ويستقرئ ما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجد أن مراد الله –سبحانه- أن يعبد بالإسلام، قال –تعالى-: {إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران: 19].
والإسلام عقيدة وعبادة وقول وفعل وترك وأخلاق وهي مبادئ محددة ودقيقة، ولا يتمكن الإنسان من فهمها بنفسه فلا بد من معلم وهاد ودليل ولهذا أرسل الله -سبحانه وتعالى- الرسل ليبلغوا للناس دينهم الذي أرتضى لهم، وعلم الله الرسل دينه وأمرهم بإبلاغه للمرسل إليهم وأوجب على الرسل إبلاغ شرع الله ودينه، وقد فعلوا فالتزموا الشرع في أنفسهم وأهليهم وأصحابهم وعلموهم كيف يعبدون الله تعالى كما يريد من عباده، وعلموهم أن من واجبات الدين تعليم غيرهم ودعوتهم إلى منهج الله سبحانه، والمتلقون عن الرسل متعلمون وواجب المتعلم أن يعلم غيره كما علمه غيره، ومن هذا نعلم أنه لا بد للناس من العلم، والعلم أنفس ما في الحياة، بل إنه هو الحياة حقا، فيجب أن يكون الهدف هداية الناس وإدخالهم في دينه وشرعه فنعم الوسيلة ونعمت الغاية، ولهذا ركز القرآن الكريم والسنة المطهرة على أهمية العلم والعلماء، فقال -سبحانه-: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة: 11]، وقال -جل وعلا-: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر: 9]، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس).فمقام الأنبياء في أممهم مقام تعليم وإرشاد ودعوةº ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- هو معلم المعلمين والمرشد للداعين، وعلماء الأمة اليوم هم الوارثون للعلم وواجبهم تعليم الدين والدعوة إليه بكل وسيلة نافعة ممكنة، ففي هذا العصر مكن الله من وسائل الاتصال وأصبح العالم كله كأنه قرية صغيرة وصار بالإمكان إبلاغ الدعوة للناس كافة، ومن المؤكد أن من الناس من يهتدي بأسهل سبب ومنهم غير ذلك، فلا بد من تنوع الوسائل ومخاطبة الناس بما يجدي وينفع معهم، ولا بد من التفريق بين المدعوين، فمن كان ملتزما أركان الإيمان وقائما بأركان الإسلام لكنه يقصر في الواجبات ويرتكب بعض المحرمات فلا شك أن إرشاده هذا ليس مثل دعوة من لا يعرف من الإسلام شيئا، ثم هناك فرق شاسع بين دعوة ذوي العقول الكبيرة والثقافات الواسعة ودعوة من ليس كذلك، فيلزم المسلمون أن يعدوا الدعاة ويعلموهم العلم الشرعي الصحيح، ولا بد من التخصص الدقيق في الدعوة.فمن يراد لدعوة علماء في الديانات الباطلة فما يلزمه لمواجهة هؤلاء ليس مثل ما يلزم غيره، كذلك سائر الناس، ولا نغفل جانب المرأة الداعية فأثرها عظيم إذا تخصصت وتعمقت فيما تدعو إليه ففي صلاح المرأة واستقامتها صلاح للرجال والنساء والبنين والبنات.
ويجب ألا يتصدى للدعوة إلا من كان مريدا بذلك وجه الله والدار الآخرة، أما من يريد أن يتخذ الدعوة وظيفة يعيش من راتبها فالأولى إبعاده عن ذلكº لأن النائحة الثكلى ليست كالمستأجرة، فلا يصلح للدعوة إلى الله –تعالى- إلا من أخلص لله وصدق الله في سره وعلنه، فهذا أحرى للقبول منه، ومن كان غير ذلك فضرره أكثر من نفعه فالدعوة إلى الله مبعثها معرفة الله سبحانه، والرغبة في وعده، والرهبة من وعيده، ومن محبة الله محبة الناس والرغبة الأكيدة في هدايتهم ونصحهم، قال الفضيل ابن عياض - رحمه الله -: \"ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصيام والصلاةº وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس وسلامة الصدور والنصح للأمة\"، وقال: أبوبكر الموزني: \"ما فاق أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- بصوم ولا صلاة ولكن بشيء كان في قلبه\"، قال ابن علية: \"الذي في قلب أبي بكر - رضي الله عنه - الحب والنصيحة لخلق الله\".
وقال الحسن البصري - رحمه الله- : قال بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: والذي نفسي بيده إن شئتم لأقسمن لكم بالله، أن أحب عباد الله إلى الله هم الذين يحببون الناس إلى الله ويسعون في الأرض بالنصيحة.
فالنصيحة هي مخ الدعوة ولا قبول لدعوة لا تتمخض من النصيحة، فالواجب على كل شخص أن يحمل من إبلاغ هذا الدين ما يستطيعه، ومن رأى من المدعويين نفورا منه وعدم استجابة، فلا بد أن يسأل عن السبب ومن لا يقبل منه قوم يتحول إلى آخرين حتى لا يفتنهم برد الحق، فالمجال واسع وقد لا يقبل قوم الدعوة من شخص ويقبلونها من آخر، فلا بد من مراعاة الأحوال وتنوع الوسائل في الدعوة إلى الله تعالى فهي مسؤولية الجميع، ويجب أن تؤدى على خير ما يمكن.
أسأل الله تعالى التوفيق والسداد، والله يحفظكم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد